«ستراتفورد» ترد الجميل لـ «شكسبير» في الذكرى الـ400 لوفاته

alarab
محليات 25 يناير 2016 , 07:22ص
اسماعيل طلاي
ما من شيء في مدينة ستراتفورد آبون إيفون البريطانية هذه الأيام، إلاّ ويحوم من فوقه طيف الأديب الراحل وليام شكسبير.. هكذا بدا المشهد بتلك المدينة الإنجليزية الساحرة، في الريف البريطاني، على بعد ساعة ونصف، شمال العاصمة لندن.. «العرب» زارت مسقط رأس شكسبير، بدعوة من «فيزيت بريتن» التابعة لهيئة السياحة البريطانية و»الخطوط القطرية»، للوقوف على أكبر احتفالية تتأهب لها المملكة المتحدة، لإعادة إحياء تراث الأديب والكاتب المسرحي الراحل، في الذكرى الـ400 لرحيله، وبالتزامن تستعد الخطوط القطرية لإطلاق أول رحلة جوية مباشرة من الدوحة إلى برمنجهام البريطانية 30 مارس المقبل.

تكاد كل بناية أو قلعة تاريخية أو حي في مدينة ستراتفورد آبون إيفون، ترتبط بقصة رومانسية تخلّد تاريخ هذه المدينة الهادئة، التي قدمت لبريطانيا عديداً من الأدباء والشخصيات، وتقف قلعة ورويك كحصن مبهر من العصور الوسطى على ضفاف نهر إيفون منذ 1100 عام، وقد تعرضت القلعة للهجوم عليها في 1264 وللحصار في 1642 والتدمير في 1871، لكن هذا الحصن التاريخي صمد لتقلبات الزمن التاريخية، وبقي واحدا من أكثر قلاع العصور الوسطى حفظا في المملكة المتحدة.

«القفازات الجلدية»
بين تلك المباني والمنشآت الأثرية التي يعتزّ بها أهالي ستراتفورد آبون إيفون، فإن وليام شكسبير يظلّ مبعث الفخر الأول لسكان المدينة الجميلة.. هذا الأديب الذي برع في الأدب، وأثرى قاموس اللغة الإنجليزية بكلمات، حتى أضحت تنسب إليه "لغة شكسبير"، اضطره عوز والده وفقره إلى أن يكمل تعليمه "عصاميا"، ولم يلتحق بالجامعة برغم تفوقه، لأجل الوقوف بجنب والده، صانع القفازات الجلدية، فبرع شكسبير في التعليم، تماما كما برع في الحرفة التي جعلت منه مستقبلا، أحد أكبر رجال الأعمال أيضا.. وكما أن بيت والده تحول إلى مزار لأبرز الشخصيات البريطانية والضيوف الأجانب الذين تتلمذوا علي يده، أو تعلموا الحرفة من والده، فكانوا يحرصون على نقش كلمات وعبارات على زجاج نافذة البيت، ابتهاجا، بعد أن ذاع صيت شكسبير في كتابة أفضل الأعمال المسرحية، قبل أن يلتحق ببيته الجديد "نيو بليس".

26 عملاً مسرحياً
كان نيو بالاس بيت وليم شكسبير العائلي من عام 1597 وحتى وفاته في عام 1616 كما كان البيت العائلي الوحيد الذي قام بشرائه وكان في ذلك الحين أكبر محل سكن في ستراتفورد آبون إيفون، وتم بناء القصر الجديد في عام 1490 تقريبا من قبل هيو كلوبتون في شابل ستريت مقابل كنيسة الحرفيين، وقد وصفه جون ليلاند، أمين مكتبة هنري الثامن، بأنه كان بيتا جميلا مبنيا من الحجر الآجر والخشب.

وفي أعقاب وفاة شكسبير، انتقلت ملكية نيو بالاس إلى ابنته الكبرى سوزان وزوجها د. جون هول، وكانت ابنتهما إلبزابث، الحفيدة الوحيدة لشكسبير، حيث كانت في الثامنة من عمرها عند وفاته، وقد ورثت إليزابث نيو بالاس عن والديها ولكنها لم تعش هناك على الإطلاق، وعندما توفيت في عام 1670 بلا أطفال، انتهت سلسلة النسب المباشر لشكسبير وتم بيع البيت ليعود إلى ملكية عائلة كلوبتون.

وفي عام 1702، أعاد جون كلوبتون تصميم الضيعة أو هو بالأحرى أعاد بناءها، ثم في نهاية الأمر، تم هدم البيت في عام 1759 من قبل مالكه في ذلك الحين القس فرنسيس جاستريل. وقد ساعد رفض العامة في أعقاب هدم الضيعة على المحافظة على الموقع، والذي انتقل لرعاية صندوق محل ميلاد شكسبير الائتماني في عام 1876. كتب شكسبير 26 من مسرحياته المحبوبة خلال الـ19 عاما التي قضاها كمالك لنيو بالاس، الذي وصفه شكسبير في وصيته بأنه "المكان الجديد الذي أعيش فيه الآن".

وجذب القصر محبي الأدب منذ القرن الـ17، قبل مرور فترة طويلة على إنقاذ محل ميلاد الكاتب المسرحي لمصلحة الأمة (وهو ما أدى إلى تأسيس صندوق محل ميلاد شكسبير في عام 1847).

هدم بيت شكسبير
وممّا يؤسف له أن المنزل الذي قدم فيه شكسبير روائعه الأدبية، تعرض للهدم عام 1759 من قبل مالكه في ذلك الحين "الأب فرانسيس جاسترل" الذي تردد بأنه كان ينزعج من الزوار المحبين لشكسبير، هذا بالإضافة إلى نزاع ضريبي مع أبرشية المنطقة، ونظرا لأن الجزء الأكبر من تراثه كان مخبأ تحت الأرض أو في الأرشيف الواسع لصندوق محل ميلاد شكسبير، كان من العسير على العديد من الزوار استشعار إحساس حقيقي بأهمية الموقع وتاريخه.

صندوق للتراث
ووفاء لتاريخ الرجل، وما قدمه من علم وأدب ومجد للمدينة بين الأمم، فقد هبّوا طواعية للتبرع بوقتهم وجهدهم وأموالهم لإعادة الاعتبار لتراث الأديب الذي أهدى للمدينة، وللمملكة المتحدة والعالم أجمع، أفضل الأعمال المسرحية على الإطلاق، فأسّس أهالي ستراتفورد آبون إيفون "صندوق محل ميلاد شكسبير الائتماني"، المؤسسة الخيرية المستقلة التي تعتني بأعظم مواقع شكسبير التراثية في العالم، وبيوت شكسبير العائلية الخمس في ستراتفورد آبون إيفون، وتروج للاستمتاع بأعمال شكسبير، وبحياته وزمانه حول العالم وفهمها. ولا يحصل صندوق محل ميلاد شكسبير الائتماني على أي تمويل حكومي مباشر أو إعانة عامة وإنما يعتمد على الدخل المتولد من دعم الزائرين، والمانحين، وممولي الهبات، والمتطوعين، والأصدقاء.

وقد أخذ صندوق محل ولادة شكسبير "على عاتقه تحويل نيو بالاس، وهو موقع المنزل الذي عاش فيه شكسبير سنوات حياته الـ19 الأخيرة، صُنْع معلم تراثي مميز، حيث يمكن للزوار اكتشاف قصة الكاتب المسرحي الشهير عالميا وهو في قمة نجاحه كرب أسرة، وكاتب، ومواطن مرموق في ستراتفورد آبون إيفون، هذا الموقع الفريد سوف يكون جوهرة في تاج التراث الأدبي والثقافي البريطاني، وفي قلب الاحتفالات حول العالم للاحتفاء بموروث الراحل، ومرور 400 عام على وفاته.

ترميم القصر
في فبراير 2015، منح "صندوق لوتريه التراث" صندوق محل ميلاد شكسبير الائتماني تمويلا للمرحلة الثانية بلغ 1.815.400 جنيه إسترليني لتحويل نيو بالاس وفي شهر مارس، أعلنت الحكومة عن المزيد من التمويل للمشروع من خلال هستوريك إنجلند، ويسعى الصندوق الائتماني إلى تدبير مبلغ مماثل لدعم المشروع الذي تصل تكلفته إلى 5.25 مليون جنيه إسترليني.

افتتاح بيت شكسبير
تقول د. ديانا أوين، كبير المسئولين التنفيذيين في صندوق محل ميلاد شكسبير الائتماني: "هذا أكبر مشروع اضطلعت به مؤسستنا الخيرية في تاريخنا الطويل من الحفاظ على بيوت شكسبير العائلية الخمس وفتحها للجمهور، طموحنا هو ببساطة، صنع مكان يمكن لمخيلة الزوار التحليق فيه، كما فعل شكسبير، في ذات المكان الذي عاش فيه 19 عاما".

ومن المقرر أن يفتح نيو بالاس شكسبير المعاد تخيله، أبوابه في ربيع العام 2016 للاحتفال بالذكرى الـ400 لوفاة شكسبير. وسوف تتم دعوة الزوار إلى السير على خطى شكسبير عبر مدخل جديد أقيم على آثار بوابة بيته الأصلي. كما أن الأعمال الفنية والمعروضات التي تم التكليف بها والموزعة عبر أنحاء الموقع سوف توحي بإحساس الحياة الأسرية وبالأعمال الرئيسية التي كتبها شكسبير طوال الأعوام الـ19 التي كان فيها مالكا لنيو بالاس تشمل الأمثلة غليونا فضيا وكرة أرضية تعبر عن العالم كما عرفه شكسبير، أما القطعة الرئيسية التي تمثل قلب البيت العائلي الخاص، فسوف تكون منحوتة كبيرة الحجم "عين عقله"، والتي تعبر عن قوة مخيلة شكسبير وتأثيره الباقي حتى يومنا هذا، أما الرايات على الحافة الذهبية، فسوف تمثل مسرحيات شكسبير والأشرطة المغروسة في الأرض سوف تمثل القصائد التي يتألف كل منها من 14 بيتا. وهناك مركز معارض جديد سوف يحتوي على مصنوعات يدوية نادرة، كما سوف يتم تمديده لإيجاد مساحة للتعلم والأنشطة العائلية غير الرسمية، والمرافق العصرية التي يمكن الوصول إليها بالكامل من قبل الزوار، والعاملين، والمتطوعين كما سيتم ترميم حديقة "نوت" المطمورة.