الصحة ومعضلة الرؤساء التنفيذيين التي لا يمكن تجاهلها بعد اليوم تحوّل نوعي في مفهوم صحة المدراء التنفيذيين بقيادة المركز الطبي الكوري برؤية دقيقة ونهج وقائي شامل

alarab
الصحة ومعضلة الرؤساء التنفيذيين التي لا يمكن تجاهلها بعد اليوم تحوّل نوعي في مفهوم صحة المدراء التنفيذيين بقيادة المركز الطبي الكوري برؤية دقيقة ونهج وقائي شامل
محليات 18 سبتمبر 2025 , 09:49ص
الدوحة-العرب

في بيئة الأعمال التي تزداد تنافسًا وحِدّةً وسرعة، كثيرًا ما يأتي النجاح على حساب أمرٍ ثمين؛ صحتك. فقد كشفت مجلة "هارفرد بزنس ريفيو" أنّ أكثر من 70% من المدراء التنفيذيين لا يلتزمون بإجراء الفحوصات الطبية الدورية رغم تزايد الأدلة التي تربط نمط حياتهم المجهِد بأمراض صحية خطيرة.

وتحذّر جمعية القلب الأمريكية من أنّ التوتر المزمن يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وزيادة الالتهاب في الجسم، وهي تركيبة خطيرة قد تتطور بصمت إلى أمراض صحية كبرى. ومع ذلك، لا يزال عدد كبير من المدراء التنفيذيين يتجاهلون الإشارات المبكرة، مثل الإرهاق أو الصداع أو ضيق التنفّس، معتبرين إيّاها مجرد أعراض عابرة. لكن هذا التجاهل، بالنسبة للبعض، قد يكون مكلفًا... بل قاتلًا.

يتوارد هذا المشهد بشكل شائع في بيئة الأعمال، بحيث يدرك المرء حجم الضرر متأخرًا، وحينها تكون العواقب الصحية قد تفاقمت بدون إمكانية العلاج.

تشير الإحصاءات إلى أن الرؤساء التنفيذيين وكبار المدراء أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب بنسبة تصل إلى 40% مقارنة بالأشخاص العاديين، بفعل التوتر المزمن ونمط الحياة قليل الحركة، واضطرابات النوم والعادات الغذائية غير المنتظمة. وتظل مخاطر النوبات القلبية والسكتات

.

الدماغية والإرهاق المزمن حاضرة في بيئات العمل، بفعل الضغوط المتراكمة التي لا تتم معالجتها في الوقت المناسب.

العواقب الصحية للتوتر المزمن

لا يقتصر تأثير التوتر المزمن على شعورك بالإرهاق فحسب، بل يؤدي إلى تغييرات حقيقية في وظائف الجسم الحيوية. فقد أشارت دراسات نُشرت في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية إلى أنّ استمرار التوتر لفترات طويلة يرفع مستويات هرمون الكورتيزول، والذي يؤدي ارتفاعه المزمن إلى إلحاق أضرار فعلية بالأوعية الدموية والتأثير سلبًا على حساسية الجسم للإنسولين ورفع مستوى الكوليسترول. وتسرّع هذه التغيّرات الفسيولوجية من تدهور الحالة الصحية العامة، ممّا يجعل الأفراد أقل قدرة على التعامل مع المواقف الضاغطة ويزيد من مخاطر الإصابة بأمراض مزمنة، مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والشرايين ومرض السكري من النوع الثاني.

 وصرّحت الدكتورة يونيونغ شيم، استشاري أوّل في طب الأسرة في المركز الطبي الكوري في مدينة لوسيل قائلةً: "نلاحظ هذا المشهد كثيرًا في عيادتنا، يأتي إلينا العديد من التنفيذيين بعد سنوات من إهمال صحتهم. يظنون أنهم يسيطرون على الأمور، إلى أن يأتي يوم تنهار فيه صحتهم فجأة. وغالبًا ما تكون أعراض بسيطة - مثل الدوخة أو الإرهاق - مجرد إنذار مبكر لمشكلة صحية أكثر خطورة."

لماذا يؤجّل القادة الاهتمام بصحتهم؟

بالنسبة للعديد من الرؤساء التنفيذيين، العائق الأكبر ليس قلة الوصول إلى الرعاية الصحية؛ بل في طريقة التفكير. كثير من القادة محاصرون بثقافة العمل التي ساهموا هم أنفسهم في صناعتها؛ ثقافة ترى أن العناية بالنفس "ترف" أو أمر ثانوي. لذلك، يؤجّلون إجراء الفحوصات الطبية مُقنعين بأنّ

"الانتظار" ممكن أو بأنّ العمل لا يحتمل التأجيل. ويُنظر بعضهم إلى أن تخصيص وقت للفحص الطبي هو مضيعة للوقت وتهاون في في العمل، فيواصلون تجاهل احتياجاتهم الجسدية خشيةً ذلك.

وتكشف البيانات عن واقع مختلف. فقد أظهر استطلاع عالمي أجرته "ديلويت إنسايتس" أنّ أقلّ من 20% من المسؤولين التنفيذيين يواظبون على إجراء الفحوصات الوقائية بانتظام، ممّا يقلّل من احتمالية إصابتهم بمشاكل صحية جسيمة بنسبة 50% خلال السنوات الخمس التالية. والنتيجة واضحة، فالكشف المبكر لا يحمي صحة المرء فحسب، بل مسيرته المهنية أيضًا.

وتطرح الدكتورة شيم تشبيهًا لافتًا بقولها: "لو كانت شركتك تتكبّد خسائر مالية فادحة، لسارعتَ إلى إجراء تدقيق شامل بدون تردّد. جسدك لا يختلف عن ذلك. لا يمكنك تجاهل الإشارات التحذيرية وتتوقع أن تتحسن الأمور من تلقاء نفسها."

عندنا تتحول الصحة الى أزمة

يعرف حمد مبارك الهاجري، الرئيس التنفيذي لشركة "سنونو" القطرية الرائدة في قطاع التكنولوجيا، هذا المعاناة عن قرب. ففي السنوات الأولى من التوسّع السريع للشركة، اعتاد حمد العمل لساعات طويلة تتجاوز 16 ساعة يوميًا، مدفوعًا بالكافيين والحماس المستمر.

في تلك الفترة، لم تكن قطر قد وفرت بعد برامج متقدمة لفحوصات الصحة التنفيذية كتلك المتاحة اليوم في مراكز متخصصة مثل المركز الطبي الكوري (KMC). وكحال كثير من القادة التنفيذيين، بدأ حمد الهاجري يلاحظ مؤشرات إجهاد مبكرة، مثل صداع بين حين وآخر، شعور متزايد بالتعب، وتراجع في التركيز خلال الاجتماعات. لكن لم يكن أي من ذلك يبدو "خطيرًا" بما يكفي ليثير القلق. ويعلّق قائلًا: "كنت أعتقد أنّ هذا هو الوضع الطبيعي أو مجرّد جزء من نمط الحياة اليومي."

لم يتخذ الخطوة إلا بعد أن نصحه صديق بإجراء فحص شامل. ولم تكن النتائج كما توقّع، ارتفاع في نسبة الكوليسترول ومؤشرات مبكرة على التهابات؛ إشارات على مشاكل صحية لم يكن يتوقعها. ويقول:"دفعتني هذه النتائج للتمهّل وإعادة النظر، ليس فقط في أسلوب إدارتي للعمل، بل في كيفية تنظيم روتين حياتي. فعندما لا تكون صحتك على ما يرام، لا يمكنك تقديم أفضل ما لديك. وبالنسبة لقائد ريادي، لهذا الأمر تبِعات جمّة."

وبالنسبة إلى الهاجري، شكّلت تلك اللحظة المفصلية تحولاً جذريًا في نظرته للقيادة، إذ يقول: "لا يمكنك اتخاذ قرارات صائبة أو قيادة فريقك بفعالية بينما تتجاهل صحتك"، يؤكد: "أدركتُ ذلك بعد تجربة صعبة. فعندما لا يكون جسدك في أفضل حالاته، يتأثّر ذهنك مباشرة وتفقد صفاء تركيزك وقدرتك على تحمل الضغوطات."

ويوكّد ذلك حمد، يُعد اليوم التزامه بالصحة أحد العوامل الأساسية في استمرارية نمو "سنونو" فمنذ تشخيص حالته، أدخل حمد تغييرات جذرية على نمط حياته شملت الفحوصات المنتظمة، نظام تغذية منظم، وفترات استراحة ثابته ضمن جدول أعماله التنفيذي.

تزايد الإقبال على برامج الطب الشامل

تجربة حمد تمثل جزءًا من توجه متسارع تشهده دول الخليج، حيث بدأ القادة التنفيذيون يدركون أهمية الرعاية الصحية الوقائية كجزء أساسي من استدامة الأداء. وقد استجابت مؤسسات رائدة، مثل المركز الطبي الكوري، لهذا الطلب من خلال تطوير برامج متخصّصة تلبّي احتياجات المهنيين رفيعي المستوى. وتجمع هذه البرامج بين أحدث وسائل التشخيص الطبي واستراتيجيات العناية الشاملة بهدف تمكين القادة من الحفاظ على أقصى مستويات الأداء والصحة طويلة الأمد.

يتعاون مركز الفحص الطبي الشامل التابع للمركز الطبي الكوري مع مركز آسان الطبي في كوريا الجنوبية، أحد أبرز المؤسسات العالمية في مجال الطب الوقائي. ويقدّم المركز مجموعة متكاملة من  

الخدمات، تشمل فحوصات القلب، والكشف المبكر عن السرطان، وتقييم المؤشرات الأيضية. وتشير الدكتورة شيم إلى أنّ الهدف يتجاوز تقديم البيانات فحسب، قائلةً:

"نحن لا نُعطي تقارير فقط، بل نرسم خريطة طريق للحفاظ على الأداء والحياة معًا. الأمر لا يتعلق بردّ الفعل، بل بالوقاية والتحسين المستمر."

إعادة رسم العلاقة بين القيادة والصحة

رغم تنامي الاهتمام ببرامج العافية والصحة، لا تزال بعض الأفكار النمطية سائدة في بعض البيئات المؤسسية. إذ يرى عدد من المسؤولين التنفيذيين أنّ تخصيص وقت للرعاية الصحية يُعد ضعفًا أو ترفًا لا يليق بقيادي. غير أنّ هذه النظرة بدأت تشهد تحولاً ملحوظًا، مع ازدياد عدد القادة الذين يتبنّون مفهوم الوقاية كجزء لا يتجزأ من مسؤوليتهم القيادية.

 ويعتمد حمد هذا النهج داخل شركته، مؤكّدًا لفريقه ضرورة الحفاظ على الصحة، قائلاً: "إذا لم نعتنِ بأنفسنا، فنحن نُعرّض كل ما بنيناه للخطر. فالصحة ليست رفاهية، بل هي الوقود الحقيقي للإبداع والقيادة والتقدّم."

تؤكّد الدراسات صحة هذا التحوّل في التفكير، إذ تظهر الأرقام أن الشركات التي تستثمر في برامج الصحة الموجّهة للقيادات التنفيذية تسجّل تحسّنًا ملموسًا في الإنتاجية وتراجعًا في معدّلات الغياب وانخفاضًا في تكاليف الرعاية الصحية. ويكتسب هذا التوجّه أهمية مضاعفة في القطاعات ذات الضغوط العالية، بحيث قد يُلحق الإرهاق والإنهاك ضررًا بالغًا بالفرد وبأداء المؤسسة على حدّ سواء.

الاستثمار في الصحة؛ استثمار في الاستمرارية والنجاح

لا تقتصر آثار الأمراض المزمنة والإجهاد الذهني والتوتر على الصحة الفردية فحسب، بل قد تُعرقل أداء الأعمال وتُربك منظومات كاملة. ومن هنا، توفّر الرعاية الصحية الوقائية للمسؤولين التنفيذيين مسارًا فعّالاً لتجنّب هذه المخاطر والمحافظة على استمرارية الأداء.

بالنسبة لقادة كثر مثل حمد الهاجري، أمست الرسالة جلية، فما من مستقبل يُبنى على حساب صحة منهكة مستنزفة. فإنّ الاستثمار في صحتك ليس رفاهية ولا ترفًا، بل هو الركيزة التي تقوم عليها قدرتك على القيادة والابتكار والاستمرار.

 وتشكّل مراكز متعددة، مثل المركز الطبي الكوري، وجهة محورية للقادة الطامحين إلى ترسيخ نهج استباقي في العناية بصحتهم. وتوضح الدكتورة شيم أنّ المسألة لا تحتمل الانتظار، قائلة: "لا تنتظر أن تدفعك الأزمة للتحرك. الوقت المناسب للاهتمام بصحتك هو الآن، قبل أن يتخذ جسدك القرار بالنيابة عنك. حين تمنح صحتك الأولوية اليوم، فأنت تحمي قدرتك على القيادة غدًا."

بالنسبة للقيادات التنفيذية، لم يعد الاهتمام بالصحة ترفًا، بل ضرورة. فمن لا يبادر اليوم للاهتمام بصحته، يخاطر بأن يفقدها في اللحظة التي يكون فيها في أمسّ الحاجة إليها لتعزيز قدراته القيادية.