لماذا يحتاج الطالب إلى دروس خصوصية؟ وهل ما زال هذا النوع من التدريس حاجة ضرورية في ظلّ حصص التدريس المجانية المنشورة عبر الانترنت؟ وكيف يُمكن لنا أن نضمن جودة التعليم وسط فوضى المعلومات؟ ولماذا تُشكّل الرياضيات والعلوم تحديًا حقيقياً للطلاب، وكيف يؤثر ذلك على ميزانية أولياء الأمور الذين يُضطرون إلى تخصيص مبالغ إضافية للدروس الخصوصية؟
هذه الإشكاليات تحتاج إلى دراسات مُوسعة، والحاجة إلى الدروس الخصوصية واقع لا مفرّ منه بالنسبة للطلاب، وبالتالي التركيز على جودة هذه الدروس والكلفة المعقولة، هو ما دفع عبدالرحمن آل ثاني وعبدالله نظير، خريج وطالب مؤسسة قطر، إلى ابتكار منصة رقمية يُقدمّان من خلالها دروسا خصوصية تفاعلية في الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية عبر حصص فردية بين المعلّم والطالب، وهي منصةً وليدة وشركة ناشئة تحتضنها واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا في مؤسسة قطر، وتقدّم لها الدعم والإرشاد، بما يُعينها على تحقيق أهدافها.
عبد الرحمن آل ثاني لـ «العرب»: تحسن بنسبة 14% بعد الحصة الأولى
يقول عبدالرحمن آل ثاني، الشريك المؤسس لمنصة «مُعلّمي»، وخريج جامعة جورجتاون في قطر، إحدى الجامعات الشريكة للمؤسسة، والذي تخصص في الشؤون الدولية لـ «العرب»: «لقد ابتكرنا فكرة منصة مُعلّمي عام 2021 لتلبية احتياجات الطلاب وأولياء الأمور للدروس الخصوصية بما يضمن جودة التعليم، وبما يتناسب وميزانية الأسرة التي غالبًا ما تُضطر إلى تخصيص مبالغ شهرية إضافية لتغطية تكاليف الدروس الخصوصية التي يوفرّها الأساتذة في المنازل».
وأضاف عبدالرحمن الذي درس في أكاديمية قطر-الدوحة، إحدى المدارس التابعة لمؤسسة قطر: «نهدف من خلال مُعلّمي إلى توفير خدمات تعليمية للطلاب خارج أوقات المدرسة كخدمة منزلية رقمية بإشراف أولياء الأمور بحيث يكون لكلّ طالب معلّم خاص في حصص رقميّة يتم إعدادها وفق لاحتياجات الطالب، ونستهدف الطلاب من مختلف الأعمار بدءًا من الصفّ الثاني ابتدائي لغاية الثانوية العامة، وطلاب الجامعة أيضًا، ولكن بحسب كلّ حالة. وقد تبيّن لنا أن الطلاب الذي يُحضرون حصّة واحدة عبر مُعلّمي على الأقل في الأسبوع، يتحسّن تقييمهم بنسبة متوسطة تُقدّر 14 في المائة.
وأوضح عبدالرحمن: «تبدأ خدماتنا بتقييم مستوى الطالب واستكشاف ما يثير فضوله وتحديد سُبل التعلّم التي قد تلفت انتباهه، ومن ثمّ وضع منهج يُلبي احتياجاته ويجذب اهتمامه للتعلّم والتفاعل، مع التركيز على تعلّم الطفل من أخطائه ومنحه نقاطا تشجيعية على كلّ محاولة، وتوفير الفرصة له ليشرح الطريقة التي يفكّر بها، ونُعلّمه منهجية التفكير التي توصله إلى النتيجة الصحيحة في الرياضيات والعلوم؛ كذلك تعتمد منهجيتنا على تقييم الطالب للدروس التي يقدّمها المُعلّم، وكذلك تقييم المُعلّم لتطور مستوى الطالب، ومراجعة فريق الجودة لدينا لمعايير التعليم والتعلّم التي تبلغ نحو الـ20 معيارًا».
ويختم عبدالرحمن: «لقد لاحظنا تقدّمًا ملموسًا في مستوى طلابنا، فعلى سبيل المثال حققّ 11 طالبا من أصل 16 تقدمًا ملموسًا في درجاتهم الأكاديمية، ومنهم طالبان تجاوزا التوقعات. وحاليًا تُوفر منصة مُعلّمي دروسًا في الرياضيات، والعلوم، واللغة الإنجليزية، ونتطلع إلى توفير مواد أخرى في المستقبل ومن بينها اللغة العربية، وتوسيع شراكاتنا داخل دولة قطر وخارجها من خلال تعاوننا مع مؤسسة التعليم فوق الجميع وعدد من الشركاء ومن بينهم مدرستان من مدارس مؤسسة قطر، وهما أكاديمية قطر-السدرة، ومدرسة طارق بن زياد. وقد كان النقاش والتعاون مع قيادات هذه المدارس مُشجعًا للغاية، ونتطلع إلى توسيع شراكتنا في المستقبل».
وبحسب مؤسسي هذه المنصة يتم اختيار المُعلّمين وفق معايير معينة ومنها أن يكون في رصيد كلّ معلم أكثر من 1000 حصّة متخصصة في مادة معينة. هذا وتتراوح تكلفة الحصّة الواحدة بين 33 ريالا قطريا إلى 60 ريالا قطريا، وتستمر لمدةّ 60 دقيقة.
عبد الله نظير: المنصة أول شركة تكنولوجية من نوعها
يُسلط عبد الله نظير، الشريك المؤسس لمنصة مُعلّمي، وهو طالب في جامعة جورجتاون في قطر، تخصص الاقتصاد الدولي، الضوء على أهمية هذه المنصة وأهدافها قائلًا لـ «العرب»: «تُعتبر منصة مُعلّمي أول شركة تكنولوجية في المنطقة توفر خدمات تعليمية مخصصة للفرد، ويُمكن للفرد الوصول إليها بشكل شخصي. نهدف من خلالها إلى تعزيز مستوى التعليم في قطر والشرق الأوسط، وأن تكون تكاليف التعليم أكثر إنصافًا وبتكلفة معقولة». وعن طُرق تشجيع الشباب لدراسة الرياضيات والعلوم يقول نظير: «اعتبر نفسي من محبي الرياضيات، وقد اخترتُ تخصص الاقتصاد الدولي لأنه يتضمن التعامل مع الأرقام».
ويُضيف: «لطالما كُنتُ مفتونًا بالأرقام، أحببتُ تعلّم الرياضيات في المدرسة. وأُؤمن بأنّ كل طالب يُمكنه التعلّم والتفوق في الرياضيات، ولكن ذلك يتطلب قدرًا قليلًا من التشجيع ومن الإيمان بأن ارتكاب الأخطاء قد يكون إيجابيًا عندما نتعلّم منها».
وتابع: «لقد عملتُ مع عدد كبير من الطلاب الذين كانوا خائفين من مادة الرياضيات وذلك لأنهم كانوا يُعاقبون بسبب خطئهم في فهم هذه المادة. من خلال مُعلّمي، نشجع الطلاب على التعلّم من الأخطاء، والأهم على المحاولة والسعي، ونُكافئهم على جهودهم. إنّ امتلاك العقلية الإيجابية هو المفتاح، فمن المهم للطالب أن يعي أن إدراك المستوى المتقدم من الرياضيات ليس براعة فطرية وإنما نتيجة جهود مستمرة يحققون من خلالها التقدّم».
تستعين حاليًا منصة مُعلّمي بمُدرسين من جنسيات مختلفة، وفي هذا الإطار يقول نظير: «نحن نتطلع إلى الاستعانة بمُدرسين من دول متعددة، ولدينا فريق عالمي من المُعلّمين الذين لديهم القدرة على تدريس مواضيع مختلفة وبلغات متنوعة، وبالفعل اخترنا عددا من مُعلّمي مادة الرياضيات من دول جنوب لآسيا لأن نظامهم التعليمي مكثف إلى حدّ ما في مادة الرياضيات. ولكن جميع معلّمينا لديهم خبرة عميقة في الرياضيات ومعظمهم حاصل على الماجستير أو الدكتوراة. نحن نحرص على أن يتلقى الطالب التعليم الجيّد والقيمة المُضافة مقابل كلّ ريال يدفعه، ومن خلال مُعلّمي نحن قادرون على تحقيق ذلك».
وعن التحديات التي واجهت فريق مُعلمي، قال نظير: «غالبًا ما تختلط الأمور عند الأهل بين ما نوفره وحصص التعليم التي يتم توفيرها عبر برنامج (زووم) على اعتبار أننا منصة رقمية، ولكننا نوفر تجربة تعليمية رقمية شاملة من خلال تحديد الفجوات المعرفية لدى الطالب، وتحديد مستواه، واختيار المناهج التي تستهدف معالجة الثغرات بأكبر قدر ممكن من الفعالية. ونحنُ أيضًا نُسجّل الحصص التي نوفرها بحيث يُمكن للأهل والطالب والمُدرس مراجعتها».
تطور مستمر
وفيما يتعلق بالحاجة العالمية اليوم إلى الابتكار في التعليم، يقول نظير: «لقد مرّ قطاع التعليم بتحوّلات متعددة، وهو في تطور مستمر، وهذا ما بدأت النُظم التعليمية بالشرق الأوسط في اختباره من خلال ابتكار أفكار جديدة لا سيّما مع توجهات القيادات لدعم الابتكار، من خلال هذه المنصة، نأمل أن نتمكّن من تعزيز الابتكار في التعليم والاستفادة من المزايا التكنولوجية».
ويختم نظير مُسلطًا الضوء على الدعم الذي قدّمته مؤسسة قطر قائلًا:» لقد استفدتُ كثيرًا من الفرص التي توفرها المدينة التعليمية للطلاب، سواء من حيث تبادل الأفكار مع طلاب من مختلف أنحاء العالم والثقافات وإيجاد أرضية مشتركة فيما بيننا للعمل معًا على مشاريع مشتركة، ونحن نُجسّد ذلك من خلال مُعلّمي. وكذلك لدينا فرص عمل حصرية لخريجي المدينة التعليمية وطلابها. كما نوفر لطلاب مؤسسة قطر فرص التدريب للتعرف على عالم الأعمال ومنحهم خبرة عملية في الشركات الناشئة، مع تقديم حوافز مادية التي تناسب احتياجات الطلاب الدوليين».
هيفاء العبد الله: «مُعلمي» تستفيد من خدمات الدعم لصناعة التكنولوجيا
من فكرة فمشروع فشركة ناشئة، تأسست مُعلّمي في واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا بمؤسسة قطر، حيث لعب المرشدون وفريق العمل دورًا بالغ الأهمية في تطوير عمل هذه المنصة.
وفي هذا الإطار، قالت هيفاء العبدالله، مدير الابتكار في واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا: «منذ المراحل الأولى لتأسيسها، تواصلت منصة مُعلّمي لخدمات التعلم الإلكتروني معنا للحصول على الدعم من واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا. إذ تستضيف الواحة مجموعة من كبرى شركات التكنولوجيا العالمية وشركات التكنولوجيا الناشئة، وتدعم شبكة من الشركات الناشئة والمشاريع التقنية الصاعدة كجزء من برنامج الاحتضان الخاص بها. حينها، بادرنا إلى تقييم أهلية المنصة للحصول على الحضانة من قبل واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا، وقمنا بتوفير المساحة المناسبة لفريق مُعلمي في مركز حاضنة الأعمال في واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا».
وعن البرنامج الذي تم من خلاله احتواء هذه المنصة، أضافت العبدالله لـ «العرب»: «توفر واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا مجموعة شاملة من برامج التسريع والاحتضان والتمويل والاستثمار. وقد انضمت منصة مُعلمي إلى برنامج مركز حاضنة الأعمال في واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا، والذي يسعى الى تسريع عملية تأسيس شركات التكنولوجيا الناشئة كجزء من دور الواحة في تطوير التكنولوجيا والابتكار وبيئة ريادة الأعمال في دولة قطر. ويركز برنامج الاحتضان على تعزيز ريادة الأعمال المحلية في مجال التكنولوجيا، وتحفيز نموها عبر التأسيس السريع، وتوفير مساحة مناسبة للعمل التعاوني، وتيسير الأعمال، من خلال مجموعة من خدمات الدعم التي نوفرها».
أما فيما يخصّ أوجه الدعم التي قدّمتها الواحة لهذه المنصة، توضح العبدالله لـ «العرب»:» من خلال احتضانها من قبل برنامج مركز حاضنة الأعمال التابع لواحة قطر للعلوم والتكنولوجيا، تستفيد منصة مُعلمي من مجموعة من خدمات الدعم التي تتيح لها إعادة تصور صناعة التكنولوجيا في قطر. فالشركات الناشئة القائمة على التكنولوجيا المحلية، مثل مُعلمي، تتمتع بإمكانية عملية دمج سريعة وبتكلفة ميسورة في المنطقة الحرة بواحة قطر للعلوم والتكنولوجيا، وتوفير مساحة عمل مناسبة للعمل التعاوني والمشترك، وتقديم خدمات الارشاد والتدريب وورش العمل التي تفتح افاق التواصل وبناء شبكة من العلاقات، وبالإضافة الى برامج التمويل، والتدريب، ومرافق تطوير النماذج الأولية».
مساعدة رواد الأعمال
وتضيف هيفاء العبدالله: «تلعب واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا دورًا أساسياً في مساعدة رواد الأعمال الواعدين على تحقيق طموحاتهم، من خلال تقديم خدمات مثل برامج التسريع، والاحتضان، والتمويل، والإرشاد. فمن خلال دعم الشركات المحلية الناشئة في مجال التكنولوجيا، تسعى الواحة إلى تسريع تسويق التقنيات الجاهزة ضمن السوق القطري، بما يساهم في تحقيق الهدف المتمثل في تحقيق الاستدامة والتنوع الاقتصادي. ونحن نرى أن الشركات الناشئة المبتكرة، مثل «مُعلمي»، تتمتع بالقدرة على تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال تقديم الحلول المناسبة لتحديات اقتصادية محددة.
تُعتبر «مُعلّمي» مصدرًا لإلهام الشباب نحو مزيدٍ من الابتكار، وفي هذا السياق تقول العبدالله: «نحن نوفر المساحة اللازمة للشركات التكنولوجية الناشئة، للابتكار والإنجاز، وحل المشكلات، والتفاعل مع الشركات الناشئة المحلية الناجحة الأخرى. ونأمل أن تكون هذه البيئة المبتكرة في الواحة مصدر إلهام لـمُعلمي ورواد الأعمال الآخرين، وبالمقابل تكون منصة معلمي مصدر الهام للشباب في قطر خاصة عندما يلمسون التأثير الحقيقي لهذه المنصة على المجتمع القطري».
وفي سياق تشجيع واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا للمشاريع المبتكرة في المستقبل، تؤكد العبدالله أن واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا تواصل العمل على تعزيز ريادة الأعمال التكنولوجية المحلية في قطر، من خلال الدعم الذي تقدمه لشبكة من الشركات والمشاريع التقنية الناشئة في جميع القطاعات. وتقول: |يمثل قطاع التعليم والصحة ركيزتان أساسيتان في تنمية الاقتصاد المحلي، ما يعني أن دعم الشركات التكنولوجية الناشئة التي تعمل في هذه القطاعات سيسهم في تنويع بيئة الابتكار على صعيد الدولة».