

تشهد المجتمعات حول العالم تحولات متسارعة بفعل التقنيات الرقمية، الأمر الذي يضع حماية الخصوصية الفردية وصون الحريات الأساسية، وفي مقدمتها حرية التعبير وإتاحة المعلومات وعدم التمييز، أمام اختبارات متزايدة التعقيد.
وفي هذا السياق، عززت الأمم المتحدة وهيئاتها المتخصصة خلال عام 2025 مسارا قائما على حقوق الإنسان لمعالجة التحديات الرقمية، مع التأكيد على عدم الإفراط في التنظيم وبناء تعاون دولي يضمن الشفافية والمساءلة.
وأكد فولكر تورك، المفوض السامي لحقوق الإنسان، في بيان في السابع من يوليو 2025، أن التقنيات «تعيد تشكيل كل جوانب المجتمع»، لكنها «تطرح أخطارا جسيمة من تقييد حرية التعبير وانتهاكات الخصوصية إلى التمييز وتهديد الحقيقة المشتركة»، داعيا الدول والشركات إلى التمسك بالالتزامات القانونية واحترام الحقوق كأساس للحوكمة الرقمية.
وقد أبرزت تحليلات المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2025 أن التضليل وسوء المعلومات يتصدران الأخطار العالمية قصيرة الأجل، مع دعوة لإيجاد توازن عملي بين السلامة الرقمية وحرية التعبير في المنصات.
وفي الاتحاد الأوروبي، حذر تقرير للوكالة الأوروبية للحقوق الأساسية صدر في يونيو 2025 من اتساع الفجوة الحقوقية إذا لم تحكم أنظمة الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة ضمن أطر قائمة على الحقوق وعدم التمييز.
وشددت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في «إرشادات حوكمة المنصات الرقمية» (محدثة في مارس 2025) على أن الشفافية والمساءلة ونهج أصحاب المصلحة المتعددين هي شروط لضمان فضاء يحفظ حرية التعبير ويصون الخصوصية ويكافح الأضرار الرقمية.
وفي السياق ذاته، شدد بيتر ميسيك، أستاذ مساعد في كلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا والخبير القانوني في مجال الحقوق الرقمية، في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء القطرية «قنا»، على أن الطلب المتزايد على البيانات الشخصية لتغذية نماذج الذكاء الاصطناعي يهدد الخصوصية بطرق غير مسبوقة، مشيرا إلى أن الأفراد يفتقرون إلى الأدوات الكافية لفهم حقوقهم وممارستها في العصر الرقمي.
وأوضح أن «الاندفاع نحو ما يسمى بالذكاء الاصطناعي في كل شيء يمنح شركات التكنولوجيا والحكومات ذريعة جديدة لجمع أكبر قدر ممكن من البيانات عن الأفراد»، مبينا أن مطوري أدوات الذكاء الاصطناعي لم يبدوا حتى الآن فهما أو احتراما كافيا لحقوق الإنسان أو حتى للتشريعات السارية.
وقال ميسيك إن القوانين التي تحمي البيانات وتقيد الرقابة الحكومية لا تزال سارية في عصر الذكاء الاصطناعي، «لكنها لن تكون فعالة إلا إذا كان الأفراد أحرارا في استخدامها ولديهم وعي مسبق بكيفية الاستفادة منها»، مؤكدا أن الخطوة الأولى تكمن في وضوح من يسيطر على المعلومات الحساسة حتى يتسنى تطبيق القانون وضمان احترام الحقوق.
ودعا ميسيك صانعي السياسات إلى مراجعة كيفية تطبيق قوانين حماية الخصوصية والبيانات على الذكاء الاصطناعي، وسد الثغرات التشريعية بالتشاور مع منظمات المجتمع المدني، بما يضمن التوازن بين متطلبات الابتكار الرقمي وصون الحقوق الأساسية.