توقع خبراء اقتصاديون ومحللون في أسواق المال أن تظل أسعار الذهب تحت الضغط في المدى القريب، مع ترقب الأسواق لبيانات اقتصادية أمريكية هامة قد تؤثر على قرارات السياسة النقدية المستقبلية، وذلك في ظل التقلبات التي تشهدها أسعار الذهب في الآونة الأخيرة. وعزا الخبراء والمحللون، في تصريحات لوكالة الأنباء القطرية «قنا»، التقلبات التي تشهدها أسعار الذهب خلال الفترة القليلة الماضية إلى عدة عوامل، منها ما هو اقتصادي ومنها هو سياسي، مشيرين إلى أن خفض صناديق التحوط مخصصاتها للذهب يأتي في مقدمة العوامل الاقتصادية التي أدت إلى تراجع الأسعار مؤخرا.
وشهدت أسعار الذهب تراجعا ملحوظا خلال اليومين الماضيين، بعد أن قفزت بما يزيد على 19 بالمئة منذ بداية العام الجاري، ونحو 13 بالمئة في العام 2023، وسط توقعات بأن يستمر الضغط على الأسعار خلال الفترة المقبلة.
فعلى الصعيد العالمي، تراجع سعر الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 0.3 بالمئة، ليصل إلى حوالي 2315.34 دولار للأوقية «الأونصة»، بينما انخفضت العقود الأمريكية الآجلة للذهب بنسبة 0.6 بالمئة، لتسجل 2328.60 دولار، وذلك بعد أن سجلت هذه العقود يوم الثلاثاء الماضي ارتفاعا بمقدار 38.90 دولار، لتغلق عند 2467.80 دولار للأوقية «الأونصة».
وفي قطر، شهدت أسعار الذهب تراجعا ملحوظا، إذ هبط سعر جرام الذهب عيار 24 إلى حوالي 281.87 ريال الجمعة، بعد أن سجل حوالي 287.72 ريال يوم الأربعاء الماضي.
كما انخفضت أسعار جرام الذهب عيار 21 من 251.79 ريال إلى 246.54 ريال، وهو الانخفاض الذي يعكس تقلبات في السوق العالمية للذهب، حيث تتأثر الأسعار بعدة عوامل مثل تقلبات الدولار الأمريكي وأسعار الفائدة.
وفي هذا السياق، يقول السيد رمزي قاسمية الخبير والمستشار المالي،، إن تراجع أسعار الذهب خلال اليومين الماضيين يأتي نتيجة استرداد الدولار لجزء من عافيته، بعد التراجعات الملحوظة التي شهدتها أسعاره، وذلك بالتزامن مع زيادة احتمالية خفض مجلس الاحتياطي الاتحادي «البنك المركزي الأمريكي» لأسعار الفائدة خلال الاجتماع المزمع عقده في شهر سبتمبر المقبل.
وعزا قاسمية التراجع في أسعار الذهب كذلك إلى عمليات جني أرباح دفعت بالذهب للانخفاض بقرابة 3.5 إلى 4 بالمئة خلال اليومين الماضيين، خاصة بعد وصول الأسعار إلى مستويات قياسية خلال الأسبوع المنصرم، حيث يبحث المستثمرون عن ملجأ آمن لاستثماراتهم، لا سيما في ظل ارتفاع نسبة التضخم عالميا في معظم الاقتصاديات العالمية، الأمر الذي لم يعد الدولار الأمريكي معه مستودع قيمة أو ملجأ تحوط للمستثمرين ضد تقلبات العملات الأخرى، لذلك يجد بعض المستثمرين في الذهب ملاذا آمنا ويحرصون على تنويع محافظهم الاستثمارية باحتوائها على الذهب.
من جانبه، أرجع الدكتور عمر خليف غرايبة نائب عميد كلية الأعمال للجودة بجامعة آل البيت الأردنية، انخفاض أسعار الذهب بشكل حاد أمس الجمعة وأمس الأول الخميس من مستويات 2485 دولارا للأوقية «الأونصة» لتستقر دون مستويات الـ 2400 دولار، وبنسبة 3.4 بالمئة، إلى ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأمريكية بحوالي 1.7 بالمئة إلى 1.9 بالمئة على جميع الآجال سواء سنتين أو 10 سنوات أو 20 أو 30 سنة، حيث ساهم ارتفاع عائدات سندات الخزانة في ارتفاع الدولار الأمريكي.
وقال غرايبة «من الأمور التي زادت من قوة الدولار الأمريكي صدور بيانات العمل والتوظيف غير الزراعي، حيث أضاف الاقتصاد الأمريكي 206 آلاف وظيفة، ليتجاوز بذلك التوقعات بـ 191 ألف وظيفة فقط، ما أعطى إشارة الى أن سوق العمل ما زال قويا ومنح فسحة من الوقت للقائمين على إدارة السياسة النقدية في مجلس الاحتياطي الاتحادي «البنك المركزي الأمريكي»، وخاصة في ظل حالة عدم اليقين المرتبط بخفض أسعار الفائدة الأمريكية.
وأضاف أن العامل السياسي لعب دورا كبيرا في زيادة قوة الدولار الأمريكي في ظل العلاقات الراهنة بين الولايات المتحدة والصين، وكذلك في ظل دعوات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لمجلس الاحتياطي الاتحادي «البنك المركزي الأمريكي» لعدم خفض الفائدة قبل شهر نوفمبر المقبل، مشيرا إلى أن جميع هذه العوامل عززت من ارتفاع مؤشر الدولار الأمريكي من 103.30 ليستقر على 103.92، ما ضغط على أسعار الذهب لتنخفض من 2485 دولار وتستقر دون 2400 دولار للأوقية «الأونصة»، وذلك بسبب طبيعة العلاقة العكسية بين الطرفين.
بدوره، رأى السيد أحمد عقل المحلل المالي،، أن الانخفاض القوي لكثير من الأصول الاستثمارية مثل النفط والذهب وبعض المعادن الأخرى وحتى أسواق المال، يرجع إلى عدة أسباب، في مقدمتها الخلل التقني الذي أصاب شبكة الانترنت العالمية أمس الجمعة وأثر على العديد من المؤسسات الاقتصادية حول العالم وتسبب في توقف الكثير من برامج قطاعات الأعمال، ما ضغط على بعض المستثمرين الذين فضلوا الانتظار حتى انتهاء هذه الأزمة نهائيا.
وأضاف عقل: « الذهب يمر كذلك خلال الفترة الحالية بمرحلة من التصحيح بعد تحقيقه الأسبوع الماضي لأرقام جديدة، وتخطيه مستوى 2400 دولار للأوقية «الأونصة»، مما كان لا بد معه من إعادة جني أرباح والتقاط أنفاس للعودة إلى أسعار مغرية، أو تهدئة لعودة الارتفاع لاحقا».
وتابع أنه فيما يتعلق بالجانب الجيوسياسي، قد يكون لنتائج الانتخابات الأمريكية المقبلة تأثير كبير في حال عودة الحديث عن العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، وهو ما قد يزيد من طلب الكثير من دول العالم والأفراد والمؤسسات على الذهب، بهدف التحوط من أي نتائج سلبية لأي منافسات اقتصادية بين البلدين.
يشار إلى أن أسعار الذهب لطالما شهدت تقلبات متكررة بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية العالمية، ما يجعلها مؤشرا مهما للمستثمرين والمقبلين على شرائه، كما أن آخر تحرك كبير لأسعار الفائدة كان في شهر يوليو من العام الماضي، عندما أبقى مجلس الاحتياطي الاتحادي «البنك المركزي الأمريكي» سعر الفائدة القياسي للاقتراض قصير الأجل في نطاق مستهدف بين 5.25 بالمئة و5.50 بالمئة، وهو أعلى مستوى له منذ أكثر من عقدين.