عقدت جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي حلقة نقاشية للتعرف على واقع وآفاق الترجمة بين اللغتين العربية والسندية، وذلك في إطار فعاليات الموسم الثقافي المصاحب للدورة التاسعة للجائزة التي تم اختيار السندية ضمن اللغات الخمس لفئة الإنجاز فيها.
واستهلت الدكتورة امتنان الصمادي عضو الفريق الإعلامي للجائزة الحلقة بقولها إن هذا النشاط يأتي استكمالاً لجولة الفريق الإعلامي للجائزة في إقليم السند بباكستان، التي شهدت لقاءات مع أكاديميين ومهتمين بالترجمة المتبادلة بين اللغتين، وذلك بهدف التعريف بالجائزة وفئاتها ورسالتها وأهدافها ودورها في تعزيز التفاهم الإنساني والتجسير بين الثقافات والحضارات، إلى جانب حثّ المترجمين والمؤسسات المعنية بالترجمة للترشح للجائزة.
وتحدث الدكتور أبوالخير محمد أشرف، الأستاذ الزائر في جامعة كراتشي، موضحاً أن العلاقة بين السند والعرب تاريخية تمتد إلى آلاف السنوات، خاصة أن بحر العرب يصل المنطقة العربية بالهند والسند.
وأشار إلى أن كثيراً من التابعين وتابعيهم كانوا رفقاء محمد بن القاسم حين فتح السند، وقد سكنوا في السند ودرسوا فيها ودُفنوا في أرضها وما تزال مقابرهم موجودة حتى الآن دليلاً على التاريخ المشترك.
وبشأن جهوده في الترجمة، أوضح الدكتور أبو الخير أنه ترجم من العربية إلى السندية «مكاتيب النبي صلى الله عليه وسلم»، مشيراً إلى أن محمد بن ابراهيم الديبلي أول من جمع مكاتيب النبي في القرن الثالث للهجرة، ثم قام أبو الخير بجمع المكاتيب من الكتب العربية والسيرة النبوية حتى وصل عددها إلى 100 مكتوب.
أما الدكتور مسعود أحمد السندي، الأستاذ المساعد في الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد، والمنسق لمراجعات السندية في مجمع الملك فهد في المدينة المنورة، وصاحب رصيد يزيد على 25 عملاً مصنفاً ومترجماً بين العربية والسندية، فقال إن هناك أوجه شبه كثيرة بين اللغتين العربية والسندية، ومنها أن اللغة السندية هي الوحيدة التي احتوت على عناصر من العربية.
وأشار الدكتور مسعود إلى بعض إسهامات علماء السند في القرون الماضية في العلوم الإسلامية والعلوم العربية، موضحاً أنهم ينقسمون إلى ثلاث فئات؛ يمثل الفئة الأولى مَن كان آباؤهم وأجدادهم من العرب الذين جاؤوا مع الفاتحين وسكنوا بلاد السند وتزوجوا وصاروا من أهل السند. وتوقف الدكتور مسعود عند علماء السند الذين ساهموا في الحضارة العربية والإسلامية، ومنهم أبو معشر نجيح السندي، تلميذ عبدالله بن عمر رضي الله عنه، وهو أحد الرواة في كتب الحديث الستة.
وقال الدكتور مسعود إن ابن عساكر في «تاريخ دمشق» ذكر عبد الله بن الحسن بن السندي الأندلسي الذي ألف كتاباً في الزهد، وقد وقف عليه ابن عساكر والذين توافدوا إلى الشام. وأشار كذلك إلى علماء السند الذين جاوروا مكة المكرمة، ومنهم محمد بن عبد الله الديبلي، وديبل مدينة قديمة بدأ فيها فتح الهند.
تشابه بين اللغتين
وفي سياق العلاقة المتينة بين الثقافتين العربية والسندية، قال الدكتور مسعود إن اللغتين العربية والسندية تنطويان على الكثير من التشابه، فعلم القراءات يختلف عن علم الأصوات باللغة العربية، وكذلك في اللغة السندية هناك علم الأصوات، والسندية مثل العربية في الخط أو النسخ، حيث تُكتب بخط النسخ العربي.
وبيّن أن أهل السند لجؤوا إلى الترجمة لنقل الثقافة العربية الدينية إلى السندية، فصدرت ترجمة لمعاني مفردات القرآن الكريم بالسندية برعاية مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ونقل أحمد ملاح معاني مفردات القرآن الكريم إلى اللغة السندية بالشعر، وتولى مجمع الملك فهد طباعة هذا الكتاب أيضاً. كما ترجم السنديون الحديث وعلومه والفقه وعلومه والسيرة وعلم اللغة وغيرها من المعارف العربية.
52 حرفاً هجائياً
بدوره، قال الدكتور راحت سيد (محمد مشارب شاه سيد)، الحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة «كاتب تشلبي» التركية وصاحب التجربة الطويلة في تدريس اللغة العربية والعلوم الإسلامية، إن العرب المسلمين فتحوا السند الواقعة في جنوب باكستان في عهد الحجاج بن يوسف الثقفي على يد محمد بن قاسم الثقفي، وإن الصلات والعلاقات بين السند وجزيرة العرب كانت موجودة حتى في الجاهلية أيضاً.
وأوضح أن السندية لغة غنية من حيث الحروف والأصوات، ففيها 52 حرفاً هجائياً وتُكتَب بالحرف العربي، وأن ثلاثين مليون نسمة في باكستان ومليوني نسمة في الهند يتكلمون السندية، وهناك إحصائيات أخرى تذكر أن عدد المتكلمين بالسندية قرابة 50 مليون نسمة.
وتحدث الدكتور راحت عن الترجمة من العربية للسندية، موضحاً أن السندية كانت أول لغة من لغات الأعاجم تُترجم إليها معاني مفردات القرآن الكريم، وقام بالترجمة عالم أصلُه من واسط بالعراق، لكن هذه الترجمة غير موجودة اليوم لا مطبوعة ولا مخطوطة.
وتحدث الباحث عبد الرحيم السندي عن دور جامعة أبو بكر الإسلامية في نشر الثقافة العربية الإسلامية في بلاد السند وباكستان، موضحاً أنها تدرّس الطلبة باللغة العربية الفصحى، مستعينة بالمشايخ الذين تخرجوا في جامعة أم القرى والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ثم طبقوا النظام التعليمي نفسه في التدريس.