قدم الملتقى القطري للمؤلفين عبر قناته الرسمية في اليوتيوب الجلسة السادسة عشرة من الجولات النقدية الخطابية الخاصة بمبادرة مرقاة قطر للخطابة، من قاعة بيت الحكمة في وزارة الثقافة والرياضة، ضمن فعاليات الدوحة عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي لهذا العام، وخصصت الجلسة التي قدمها الأستاذ محمد الشبراوي للجولة الرابعة من الخطب النقدية، وبدأت الجلسة بخطبة قس بن ساعدة الإيادي، وقدمتها الأستاذة لمى ساحوري، وهي ثاني صوت نسائي يلقي هذه الخطبة في مرقاة قطر.
وأوضح الشبراوي في مستهل الحلقة أن تكرار الخطبة في كل جلسة هو أمر مقصود؛ بهدف التأكيد على ما يدعى بالكثافة الحسية، فكلما سمعت الخطبة أكثر أدركتها جيدًا، وتمعنت فيها، وكذلك بهدف أن يتعلق الجمهور باللغة التراثية، وخاصة إذا كانت لغة الأجداد، وعظماء اللغة الأجلاء.
مراعاة الواقع الاجتماعي
وقدم كلمة المرقاة شقر الشهواني، إذ قال: إن من براعة الخطبة والخطيب أن ينتبه إلى الزمان الذي يتحدث فيه، وينتبه إلى المكان الذي يتحدث من خلاله، ويتحدث فيه كذلك، ونرى ذلك جلياً في خطبة قس بن ساعدة، حينما نعلم أنها قيلت في زمن محدد ومكان محدد.
وأوصى خطباء العصر بضرورة مراعاة الزمان والواقع، والوضع الاجتماعي الذي يعيشه الناس، فمن أراد مثلا أن يعلم الناس دعاء الركوب في زماننا، فلا يضرب مثالاً بركوب على جمل أو ناقة أو حصان أو غيره، وإنما يتكلم عن ركوب السيارة أو الطائرة أو غيرهما من الوسائل التي نتبعها الآن.
وأضاف: إن الإنسان إذا أراد أن يخاطب العالم الإسلامي، فللمكان أهمية كبيرة وله دواع وأثر، فلا شك إن خرجت الخطبة من القدس أو مكة أو المدينة المنورة فسيكون لها أثرها الكبير، كما أن للجانب الاقتصادي أهمية، فلا بد أن ينتبه الخطيب إلى الجانب الاقتصادي، فإن كان في بلد هو من بين الأغنى اقتصادياً فلا يجوز أن يتحدث عن الصبر أو الفقر؛ وإنما يمكنه أن يتحدث عن شكر النعم، وعن بذل المعروف، وهكذا. وقدمت الدكتورة رانيا مصطفى خطبة نموذجية بعنوان: «عرفة»، وتحدثت عن سبب تسميتها، وفضلها وفضائلها، وأغنت الخطبة بأزمنة وأمكنة حتى يتمكن الخطباء النقاد من بعدها في الجلسة للكشف عن «الزمكان» في الخطبة من حيث العدد والتحديد والوصف والتوظيف.
وقدم المتسابق الخطيب محمد الحافظ نقداً لخطبة الدكتورة رانيا مصطفى، وقال: إن السرد كان جميلاً، وكان أقرب لسرد حكاية تعريفية، وتحقق في الخطبة المكان والزمان، فهما مكونان أساسيان ومتلازمان في بناء النص، ويكاد يذوب أحدهما في الآخر، فقد استفدنا معلومات جديدة، وقد لاحظ بعض الملاحظات، ومنها الذهاب في مواضع إلى اللهجة العامية للتوضيح أكثر، وكان من الممكن أن تقال باللغة العربية الفصحى ويكتفى بها.
تجليات الخطاب وجمالياته
أما الخطبة النقدية الثانية فقدمتها الخطيب حفصة الركراك حول خطبة «عرفة»، ووقفت عند زمكان عرفة، وكشفت عن تجليات هذا النوع من تحليل الخطاب وجمالياته، وحكمت تلك الخطبة الأستاذة رشا صلاح، التي قالت إن حفصة حللت الخطاب بشكل شامل تخللته لغة واضحة ويسيرة، وتنوعت في مفرداتها اللغوية، وهو ما جعلني أستمتع، والصوت واضح وسليم، ويفضل أن يكون هناك تنويع في طبقات الصوت بشكل أكثر، وقد وفقت الخطيب في التشبيه عندما قالت: «وكأنها صورة فوتغرافية»، فقد أعجب المحكم هذا التشبيه.
وقدم المهندس خالد الأحمد تعريفاً شاملاً وتعقيباً على ما قدمه الخطيب محمد الحافظ، إذ قال: لقد نقد الخطيب محمد الحافظ الخطبة النموذجية نقداً أدبياً، وذكرت المحاسن في هذه الخطبة، والأماكن التي تحتاج إلى تحسين، وكذلك عرج إلى المحتوى بشكل جيد. وتابع: وبخصوص أهداف هذه الخطبة النموذجية، وأحد الأهداف وأهمها كان استعمال الصوت بالشكل المطلوب، ففي البداية كان الصوت ضعيفاً، والأمر الآخر في استعمال طبقات الصوت، فأحد أهداف هذه الخطبة أن نصعد بهذا الصوت إلى أعلى الطبقات إذا احتاج الأمر، أو ننخفض به في هدوء ونعطي الكلمة حقها من الطاقة التي تلزم، ومثل المهندس الأحمد لذلك عمليًا، مشيراً إلى أنه لم يجد هذا الاستخدام الصوتي كما ينبغي في هذا الخطبة النقدية، وحكم في النهاية على الخطبة والخطيب بقوله: أجدت واجتزت.
ملاحظات ومعايير مهمة
وفي فقرة اللغة العربية وجبر العثرات اللغوية تحدث الأستاذ محمد علي بحري – منسق اللغة العربية في معهد دراسات الترجمة التابع لكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة حمد بن خليفة، مستعرضاً ومقيماً للمتسابقين في الجلسة، وقال إن كل ما سمعه في هذه الجلسة «ذهب»، ولكن حتى في مفاضلة الذهب هناك معايير، ولذلك لا بد من ذكر بعض الملاحظات المهمة.
وتابع: اللغة من أعظم النعم التي وهبنا الله إياها، فأنا عندما أتحدث بهذه اللغة فأنا أقول للناس هذا شيء مما أنعم الله سبحانه وتعالى عليَّ وأكرمني به.
وفي نهاية الجلسة قام الأستاذ صالح غريب والدكتور أحمد الجنابي المشرف العام على مرقاة قطر للخطابة بالإعلان عن الفائزين في هذه الجولة، وقد حصدت المركز الأول المتسابقة حفصة الركراك، والمركز الثاني كان من نصيب المتسابق محمد الحافظ.