نعمة الهداية إلى الإيمان وأهمية الدعوة إليه

alarab
الصفحات المتخصصة 20 أبريل 2012 , 12:00ص
? الشيخ مجد مكي
نعم الله تعالى على العباد كثيرة لا تحصى: { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل:18]. وأجل النعم وأعظمها: نعمة الهداية إلى دين الله، والعمل بطاعة الله. ولهذا قال الله تعالى في آيات الصوم: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:185]. وقال تعالى في آيات الحج: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة:198]. وقال تعالى في الذبائح في الحج: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} [الحج:37]. ومن أعظم النعم التي ينعم الله بها على عباده: الإيمان، إنه أكبر من نعمة الوجود وسائر ما يتعلق بالوجود.. إنها المنة التي تجعل للوجود الإنساني حقيقة مميزة، وتجعل له في نظام الكون دورا أصيلا عظيما. قال تعالى في بعض الأعراب الذين جاؤوا يمنون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أسلموا: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17]. وهكذا لا يخطو المسلم في حياته خطوة، ولا يتحرك في ليله أو نهاره حركة، إلا وهو ينظر فيها إلى الله تعالى، ويجيش قلبه فيها بتقواه، ويتطلع فيها إلى وجهه ورضاه.. فإذا الحياة كلها هدى.. الدعوة إلى الهدى لقد اهتدى المسلمون الأولون إلى دين الله، ودعوا إليه، وحملوا لواءه فأنقذوا العالم، وأخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، ومن عبادة الخلق إلى عبادة الخالق سبحانه. وإن العالم اليوم لينقصه جيل إسلامي، يحمل لواء الهدى، ويعمل بهدي الإسلام، ويدعو إليه بالقول والعمل، فالدعوة إلى الله تعالى وإلى سبيل الهدى ديدن المؤمنين في كل زمان ومكان. روى مسلم (4831) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا». وروى البخاري (2724)، ومسلم (4423) عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم»، وهي الإبل الحمر من أشرف أموال العرب. التحذير من كتمان الهدى ولقد حذر الله تعالى من كتمان الهدى، ومن السكوت عن الحق، قال الله تعالى محذرا من كتمان الهدى والعلم: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة:159]. روى أبو داود (3775)، والترمذي (2594) عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: أيها الناس؟ إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [المائدة:105]. وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعذاب من عنده». ضرورة الدعوة إلى الهدى ومما يؤكد على ضرورة الدعوة إلى الهدى أن أهل الضلال يدعون إلى ضلالهم، ويحرصون على إضلال الناس. يقول سبحانه في سورة الأنعام: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الأنعام:116]. ويقول عز وجل: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان:6]. ويقول سبحانه: {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [آل عمران:69]. والشيطان يدعو إلى ضلال: {إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} [القصص:15]. {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء:60]. ضلال الكفار والكفار هم أشد الناس ضلالا، لقد ضلوا عن هدى الله، ضلوا فكرا وتصورا واعتقادا، وضلوا سلوكا ومجتمعا وأوضاعا.. ضلوا في الدنيا وضلوا في الآخرة.. ضلوا ضلالا لا يرتجى معه هدى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء:116]. وهؤلاء الكفار لم يفتحوا القلوب التي أعطوها ليفقهوا، ولم يفتحوا أعينهم ليبصروا آيات الله الكونية، ولم يفتحوا آذانهم ليسمعوا آيات الله المتلوة، لقد عطلوا هذه الأجهزة التي وهبها الله لهم ولم يستخدموها، ولقد عاشوا غافلين لا يتدبرون: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179]. مصير أهل الضلال والله سبحانه يبين لنا مصير أهل الضلال: {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ*فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ*وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} [الواقعة]، وهؤلاء هم الذين يقول الله تعالى لهم: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ*لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ*فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ [056 054] فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ*فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ*هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} [الواقعة]. ويقول الله تعالى مخاطبا لهم: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ*قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ*رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ*قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون]. مصير أهل الهدى أما أهل الهدى فهم في جنات الفردوس خالدون مستقرون ناعمون: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:43]. {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ*دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس].