

د. سالم الشيخي: كل أحكام الشريعة يمكن أن توصف بأنها حفظ للدين
د. نور الدين الخادمي: حفظ النفس من حفظ الدين
د. تركي عبيد المري: الحرية لا تكون تامة إلا إذا تضمنت الانعتاق والتحرر من الذل لغير الله
د. كمال عكود: العلماء يرون أن مقصد حفظ الدين الأول وقبل النفس
نظمت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ثانية جلسات البرنامج الرمضاني الحواري «وآمنهم من خوف» لعام 1445هـ - 2024م في نسخته العاشرة، بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب، والتي ناقشت «حفظ الدين مقصد أعلى من مقاصد الشريعة»، بمشاركة عدد من العلماء من قطر وخارجها.
حاضر في الجلسة الثانية كل من الدكاترة: سالم الشيخي عضو المجلس الأوروبي للإفتاء، ورئيس لجنة التدريب في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ونور الدين الخادمي أستاذ الفقه وأصوله بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية – جامعة قطر، وتركي عبيد المري أستاذ الفقه وأصوله بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية – جامعة قطر، وكمال عكود مركز الفتوى موقع الشبكة الإسلامية.
وقال د. سالم الشيخي عضو المجلس الأوروبي للإفتاء ورئيس لجنة التدريب في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إن مقصد حفظ الدين في حاجة إلى تقريب للناس، لأن الدين في أصله مجموعة الأحكام والشريعة الإلهية التي خوطب بها الإنسان على وجه التكليف. وقال إن الأحكام الشرعية إما مطلوبة أو مطلوب تركها، وطلبها يكون لمصلحة بينما تركها يكون لدفع مفسدة وهذه الأمور تتعلق بالإنسان لحفظ نفسه وماله.
وأكد د. سالم أن حفظ الدين هو حفظ المصلحة المتعلقة بدين الإنسان بشكل مباشر، وأن كل أحكام الشريعة يمكن أن توصف بأنها حفظ للدين.
وأشار إلى وظائف العلماء تجاه حفظ الدين، وقال إنها لا تخرج عن ثلاث وظائف أولاها القيام بأمانة الدين وحفظ موروث النبي صلى الله عليه وسلم دون زيادة ولا نقصان بحيث نسلمه للأجيال كما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، وإن الوظيفة الثانية للعلماء تتمثل في وظيفة الريادة في العلم والفكر فالعلماء يجب أن يكونوا قادة للعلم والفكر والثقافة في مجتمعاتهم ومنهم يتلقى الناس الدين، والثالثة للعلماء تتمثل في النموذج والقدوة إلا إنه قال إن هذه الوظيفة ليست بالهينة لكون العلماء هم النموذج الذي ينبغي أن ينظر إليه الناس على إظهار الدين للوجود.
ولفت إلى أن ما يسمى بالعولمة التي قال إنها أحدثت نقلة هدفها القضاء على المرجعيات. وقال إن العلماء لا يمكن أن يكونوا على مستوى من حفظ الدين إلا اذا كانوا على مستوى عالي من الريادة في الفكر والعلم والثقافة حتى يلجأ الناس إليهم عند اختلاط العلوم.
وأضاف: إذا حصلت انتكاسة في وظيفة العلماء وتخلوا عن وظيفة النموذج والقدوة حصل بين الناس ضرر كبير وحصل ضرر في حفظ الدين.
أولى الكليات الخمس
أكد الدكتور نور الدين الخادمي، أستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة بكلية الشريعة، أن حفظ الدين هذا المصطلح ورد في مقاصد الشريعة في الكلية الأولى من الكليات الخمس التي نص عليها العلماء، وهي حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال. وأضاف: فالكلية الأولى هي على رأس هذه الكليات إشارة إلى رمزية كلمة الدين، باعتباره أمرا منزلا من الله سبحانه وتعالى ولهذا تأصيله في القرآن والسنة كقوله سبحانه وتعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)، وكقوله تعالى: (شرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ)، منوها بأن مع كلمة الدين وردت كلمة الشريعة جاء ذلك في قوله تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)، وكقوله تعالى: (جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا).
وقال د. الخادمي إن كلمة الدين وكلمة الشريعة كلمتان ينصان على هذا الذي أنزله الله عز وجل، وذكر عبارة الدين على رأس الكليات الخمس كما ذكرت آنفا هو إشارة رمزية لها دلالة على أن هذا الدين هو أعلى ما أنزل الله سبحانه وتعالى، وأن هذا الدين يستوعب الكليات الأخرى، فحفظ النفس من حفظ الدين، لأن الذي يحافظ على نفسه، إنما هو عامل بالدين الذي أمر بحفظ النفس، كقوله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)، هذا أمر إلهي جاء في القرآن الكريم، وهو مقصد ديني تعلق بحفظ النفس، ومن حافظ على نفسه فقد حافظ على دينه.
الحرية قيمة نبيلة
وأكد فضيلة الشيخ د. تركي عبيد المري أستاذ الفقه وأصوله في كلية الشريعة بجامعة قطر، ان الحرية قيمة نبيلة وجميلة بلا شك ولكن تلك القيمة أصبحت تحمل حمولة فكرية يتبادر الى ذهن الناس بمجرد ذكرها معنى يتضمن بعض المفاهيم التي قد تصادم الشريعة، ومن ثم كانت قاعدة العلماء في المصطلحات او الالفاظ التي لم ترد في كتاب ولا سنة تمحيصها وبيان ما فيها مما يوافق الشرع وما لا يوافق الشرع. وقال: الحرية هي قرينة العبودية، لأن العبودية لا تكون الا لله عز وجل، وكلمة التوحيد تتضمن العبودية لله عز وجل بركن الاثبات وتتضمن التبرؤ والتحرر والانعتاق من عبودية غير الله سبحانه وتعالى، وهذا المعنى للحرية هو اعظم ما يمكن ان تصل اليه الحرية. وعلل بأن الانسان حين ينعتق من كل ما سوى الله عز وجل فإنه يكون حرا على الحقيقة، مؤكدا انه من هنا جاء قول الامام ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: «فيا لها من عبودية أوجبت حرية وحرية كملت عبودية».
ونوه بأن الحرية لا تكون تامة الا اذا تضمنت ركنها الثاني وهو الانعتاق والتحرر من الذل لغير الله سبحانه وتعالى.
المقصد والضرورة الأولى
وقال الدكتور كمال عكود – مركز الفتوى موقع الشبكة الإسلامية إن مقصد حفظ الدين نُظر إليه من عامة العلماء المتقدمين والمتأخرين أنه المقصد الأول والضرورة الأولى التي جاءت الشريعة لحفظها، ولذلك كان العلماء من لدن الصحابة ومن بعدهم يقومون على هذا الدين بنشره بين الناس وتعليمه والتأليف فيه، حفاظاً على هذا الدين، لأنه الدين الخاتم والرسالة الخاتمة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لا نبي ولا رسول بعده.
وأضاف د. عكود: كان العلماء والدعاة يقومون مقام النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغ هذه الرسالة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فقد جاء في كتاب الله قوله تعالى: إن الدين عند الله الإسلام. وقوله تعالى: «وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ».
وأوضح أن كل الأديان الأخرى ما حُفظت لأن الله تبارك وتعالى أراد أن يحفظ هذا الدين، وأن يكون هو الخاتم، وقال تعالى: «إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون».
ولفت إلى أن الله سبحانه وتعالى قال عن القرآن: «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون». فقد تولى الله تبارك وتعالى حفظه، ولذلك هيأ له السبل والعلماء الذين يحفظونه ويبلغونه لمن بعدهم. وقال د. كمال عكود: العلماء لما اجتهدوا في بيان الأحكام والاهتمام بالعلم والعلماء وطلبة العلم والاجتهاد في ذلك، كان ذلك هو السبيل لنقل العلم إلى الأجيال بعدهم. وأضاف: نظر العلماء إلى أن مقصد حفظ الدين على أنه الأول، وأنه قبل النفس، والدليل على ذلك أن شُرع الجهاد من أجل الدين، مع أن الجهاد مظنة هلاك النفس، ولكن كون النفس تهلك من أجل الدين فهذا دليل على أن الدين مقدم على النفس، وبذلك يتبين أنهم كانوا ينظرون إلى مقصد حفظ الدين على أنه الأول وأنه لابد أن يحفظ وأن يُنقل وأن يُملك للناس وأن تتوارثه الأجيال.