مختصون: أفلام «الرعب» والألعاب أبرز أسباب عنف الأطفال

alarab
تحقيقات 17 نوفمبر 2015 , 02:30ص
حامد سليمان
أكد مختصون نفسيون أن عنف الأطفال في قطر يقتصر على حالات فردية فحسب، مشددين على أن المؤسسات الحكومية والخاصة تبذل جهودا كبيرة في حماية الأطفال والحد من تأثير الثقافات الغريبة على مجتمعاتنا، ونوهوا بأن وسائل الإعلام المختلفة وشبكة الإنترنت، وقدرة الأطفال على الوصول للكثير من المواد التي تخالف الثوابت الدينية والعادات والقيم الاجتماعية هي من أبرز الأسباب التي تسبب مظاهر العنف لدى الأطفال، وقطعت المؤسسات التعليمية أشواطا جيدة باتجاه الحد من اكتساب ثقافة العنف؛ فقد أصبح في كل مدرسة اختصاصي نفسي يلاحظ الأطفال في حال ظهور أي توجه للعنف لديهم، ويعمل على معالجتها وفق الأساليب التربوية الحديثة.

وأشار متحدثون إلى أن عنف الأطفال له الكثير من الأسباب، منها أفلام الكرتون الأجنبية التي تحتوي على مشاهدرعب وعنف، أو الألعاب الإلكترونية المعتمدة على المعارك، والتي يحصل من خلالها الطفل على نقاط إن أثبت قوته، والكثير من الأهالي يعتبرونها مصدر ترفيه فقط، وغيرها من الأسباب التي شدد المختصون لـ «العرب» على أهمية أن يلاحظها ولي الأمر، وأن يتواصل بصورة مستمرة مع المختصين بالمدرسة من أجل معالجة الطفل إن ظهر لديه أي توجه للعنف تجاه إخوانه أو أقرانه.

ليست ظاهرة
في البداية قالت الدكتورة أمينة الهيل الاختصاصية النفسية بالأعلى للتعليم: العنف سلوك سلبي مُتعلم من الطفل، وهو مرفوض بلا شك، فمن بداية اكتشاف الطفل للمحيط الخارجي، وبدون قصد من الأسرة، يرى الطفل فرحة الوالدين إن ضرب أخاه بصورة يراها الأب والأم بعيدة عن العنف، فهم يفرحون بقيام الطفل برفع يديه وإنزالها وبحركته وبفهمه لحديث المحيطين، ولكنها سلوكيات خاطئة يتعلمها الطفل منذ صغره.

وأضافت: بعض أولياء الأمور يجعلون من الطفل وسيلة للتواصل، فعلى سبيل المثال لتقصي الأم نفسها بعيداً عن أي صدام أو نقاش تطلب من الصغير أن يسأل أبيه عن مصروف المنزل أو غيرها من الأمور، فبدون أن تقصد تدخل الصغير في حلقة غير مناسبة لسنه، ما يمكن أن ينمي لديه توجها عنيفا.

وأردفت الهيل: وسائل الإعلام والبيئة المحيطة للطفل بصورة عامة يمكن أن تساهم في إكسابه سلوكيات عنيفة، فبعض الأمور يفهمها الطفل بصورة خاطئة، ومن ثَمَّ يقلدها بصورة أو بأخرى، حتى أفلام الكرتون بات بها مساحة من العنف يمكن أن تؤثر بصورة أو بأخرى على الطفل، أو بعض الكلمات البذيئة التي يسمعها، أو فكرة ومعتقد يتبناه من خلال هذه الأفلام.

وأوضحت الدكتورة أمينة الهيل أن بعض الأسر ترى في أفلام الكرتون مساحة مثالية للتسلية، ولكن بعض البرامج والقنوات يمكن أن تكون متعمدة لهدم الطفل، وقد يكون هذا اتجاهها بالدرجة الأولى، أو أن يكون هدف الأفلام المقدمة على شاشتها ربحيا دون النظر للجوانب التربوية، وقلة من أفلام الكرتون تكون في الأساس عربية، أو متماشية مع ثقافتا وعادتنا، ما يجعل الطفل في بعض الأحيان ناقما على المجتمع غير المتماشي مع ما يراه، فيقوم بتصرفات عنيفة في بعض الأحيان اكتسبها مما شاهده.

ونوهت بأن السلوك العدواني غير مقتصر على الضرب فحسب، فمنها ما هو لفظي أو غيرها من أنماط العنف الذي يمكن أن يظهر على بعض الأطفال. وشددت على أن عنف الأطفال في المجتمع القطري طبيعي، وأنه ليس ظاهرة كما يدعي البعض، فهي حالات فردية، فكل صف دراسي على سبيل المثال به قرابة 25 طفلا، فلا نلاحظ وجود خمسة أطفال في كل صف مثلاً لديهم توجهات عنف لنعتبرها ظاهرة، وإن وجدنا طفلا، فإننا نتحدث عن نسبة ضئيلة جداً.

وأشارت إلى أن معرفة الأسباب التي أدت إلى توجه عنيف لدى الطفل تمكن المختصين من حل المشكلة بسهولة، فالأمر ليس مدعاة للقلق، والأمر ملاحظ في سلوكيات الأطفال في الأماكن العامة، فإن صادف الشخص مجموعة من الأطفال في الشارع أو المجمعات التجارية لا يجد منهم أي سلوكيات عنيفة سواء تجاه بعضهم البعض أو تجاه المارة.

ولفتت إلى أن كل مدرسة بها اختصاصي اجتماعي وآخر نفسي، إضافة إلى مجموعة من التربويين المتميزين، والمدارس تسعى بشتى الصور لاحتواء الطفل، وأن يكون جزءا صالحا في المجتمع، ولائحة السلوك تظهر أبرز السلوكيات لدى الطلاب وكيف يمكن أن تأخذ الإدارة بيده إن ظهرت منه تصرفات عنيفة تجاه زملائه.

وأكدت الدكتورة أمينة الهيل على أن قطر بها مجموعة من المؤسسات التي تهتم بالطفل، والتي تقف حائلاً دون وصول الأطفال لمرحلة العنف التي ظهرت في بعض البلدان، ومؤسسات الدولة تقوم بتوعية الأسرة بطريقة التعامل مع الطفل، والمدارس تقوم بهذا الدور أيضاً، ناهيك عن كونه يلتحق بالتعليم في عمر مبكر، ويظل في مؤسسات التعليم فترات طويلة في بداية حياته، وكلها مؤهلة لاستقبال الصغار، وأولياء الأمور دائماً في تواصل مع المدرسة، وهو توجه جيد في التنسيق بين الأسرة ومؤسسات التعليم المختلفة، فالأطفال يمثلون مستقبل البلاد.

ونوهت الاختصاصية النفسية بالأعلى للتعليم بأن الاهتمام بالأطفال في المدارس لا يقتصر على الجوانب النفسية فحسب، فحتى من النواحي الطبية هناك ممرضة متواجدة بصورة مستمرة في الكثير من المدارس، إضافة إلى الرياضة التي تعد تفريغا لقدرات الطفل، والرسم والفن الذي يمثل تفريغا لأي مشكلة نفسية لديه، فالجهود تبذل على أعلى مستوى لتأهيل كل الأطفال من ناحية نفسية، وخروج حالات فردية في المجتمع لا يعني ظاهرة تستوجب الاستنفار، وهذه الحالات لها الكثير من الأسباب التي تتعدد والتي توجد في الكثير من المجتمعات حول العالم.

أسباب عنف الأطفال
ومن جانبها قالت الدكتورة هلا السعيد، مديرة مركز الدوحة العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة: عنف الأطفال ظاهرة منتشرة في العالم كله، لأن أسبابها منتشرة بين الكثير من الأسر؛ لذا كانت مسار بحث العديد من المهتمين بالعملية التربوية وبنشأة الأجيال وحاولوا جاهدين إيجاد سبل لعلاجها لخطورتها، خاصة أن المشكلة تعتبر سبباً مؤثراً في العملية التعليمية ككل.

وأضافت: لا نستطيع عزل المجتمع القطري عن العالم، خاصةً في ظل هذا التقارب الشديد بين الأفكار والمشكلات التي سرعان ما تجوب الكرة الأرضية في دقائق معدودات، فما يعانيه الغرب على سبيل المثال من مشكلات خاصة بالأطفال ينتقل إلينا شيئاً فشيئاً، والأمر يتعلق بمشكلة العنف لدى الصغار أيضاً، لأنهم ينشؤوا على نفس ما نشأ عليه أقرانهم في أوروبا، والنوافذ التي أمامهم هي المنتشرة في الغرب، حتى أن أفلام الكرتون التي يشاهدونها في الغرب تتم دبلجتها أو ترجمتها وتقدم لأطفالنا، بغض النظر عن ما إذا كانت ذات محتوى تربوي نافع من عدمه، وهي مشكلة كبيرة يجب أن نتداركها.

وأكدت الدكتورة هلا السعيد على أهمية أن يستشعر الآباء والأمهات والمسؤولون التربويون في المدارس بما يمكن أن تؤدي إليه مشكلة تنمر الأطفال، فبعض الأسر لا تلتفت إلى الأمر، وهنا يأتي دور المربي والمعلم، الذي يفترض به أن يكون أكثر دراية بهذه التصرفات وما يمكن أن تؤدي إليه مستقبلاً، بحكم كونها في نطاق عمله ودراسته الأكاديمية.

ولفتت إلى أن مشكلة عنف الأطفال ليست للبنين فحسب، فبعض الحالات تظهر بين الفتيات، فنفسية الاثنين متقاربة وتتأثر بالمشكلات الأسرية أو التعليمية بدرجات متشابهة، فيما تنجر بعض الفتيات في أحيان كثيرة إلى العنف إن تعرضن له من أقرانهن، لأن طبيعتهن الأنثوية ضعيفة نوعاً ما.

ونوهت الدكتورة هلا السعيد بأن مشكلة عنف الأطفال لا تقتصر على الطرف الواقع عليه العنف، فالطرف الآخر أيضاً يتعين دراسة حالته، والمحاولة بجد لإخراجه من هذه الدائرة قبل أن تتسع مع تقدمه في العمر، ويمكن أن تتطور فتؤثر على جميع من في محيطه.

وأشارت إلى أن الأسر التي تعلم أن لديها أبناء يتعرضون للتنمر المدرسي دائماً ما تعتبر أن أبناءهم في مشكلة لا بد من إيجاد حد وحل لها، على النقيض من بعض الأسر التي تعلم أن أحد أبنائها أو جميعهم يتعاملون مع أقرانهم بالعنف، فيرون أن ذلك السلوك سلوك إيجابي حميد، وهو ما يتعين على التربوي أن يلفت نظر الأسرة له، فتشجيع الطفل على الاستمرار في هذا التوجه يمكن أن يعرضه للكثير من المشكلات مستقبلاً وصولاً للسجن إن تطور الأمر، وفي الغرب شهدنا الكثير من الحالات المشابهة، ولكن الأسرة تظل البوابة الأولى للوقوف على عنف الأطفال.

وقالت الدكتورة هلا السعيد: من الأسباب الرئيسية لانتشار العنف بين بعض الأطفال، الألعاب الإلكترونية العنيفة، حيث اعتاد الكثير من الأبناء على قضاء الساعات الطوال في ممارسة هذه الألعاب على أجهزة الحاسب أو الهواتف المحمولة، وتقوم فكرتها الوحيدة على مفاهيم مثل القوة وسحق الخصوم واستخدام كافة الأساليب لتحصيل أعلى النقاط والانتصار دون أي هدف تربوي، والمشكلة تزداد بعدم التفات أولياء الأمور لآثار هذه الألعاب، فيعتبرون أن أبناءهم يقضون وقتهم عليها وأنها مسلية فحسب.

وأضافت: مشاهد العنف في الأفلام زادت بصورة مضاعفة، وهذا الأمر له تأثير سلبي على الصغار، فحتى الأفلام العربية باتت مليئة بمثل هذه المشاهد، والأهل لا يلتفتون إلى هذا الأمر أيضاً معتبرين أنه للتسلية، وكذلك أفلام الكرتون العنيفة تمثل خطرا على الصغار، والكثير من أولياء الأمور يعتبرونها وسيلة للتسلية فحسب، فصارت أكثر خطورة على الصغار لعدم التفات ولي الأمر لها.

وأشارت إلى أن الخلل التربوي في بعض الأسر يصبح سبباً في بعض الأحيان لعنف الصغار؛ حيث تنشغل بعض الأسر عن متابعة أبنائها سلوكياً، وتعتبر أن مقياس أدائها لوظيفتها تجاه أبنائها هو تلبية احتياجاتهم المادية فحسب، ويتناسون أن الدور الأهم والواجب عليهم بالنسبة للطفل أو الشاب هو المتابعة التربوية وتقويم السلوك وتعديل الصفات السيئة وتربيتهم التربية الحسنة.

وشددت الدكتورة هلا السعيد على أن انتشار قنوات المصارعة تعد أحد الأسباب الرئيسية لعنف الأطفال، فالكثير من أولياء الأمر يجدون متعتهم في مشاهدتها، وفي بعض الأحيان يشاهدها الأطفال معهم، ومع التزايد المستمر في مثل هذه القنوات، حتى أنها قدمت في صيغة برامج كرتون جذبت الكثير من الصغار، ما أصبح خطراً واضحاً عليهم، إضافة إلى العنف الأسري، فالطفل يزداد لديه التوجه للعنف إذا ما شعر أنه محاط بمشكلات أو تعرض لعنف مباشر من ولي الأمر.

وأكدت على أنه رغم عدم انتشار ظاهرة العنف بين الأطفال في قطر، إلا أنه يتعين على ولي الأمر أن يحتاط وأن يقي أبناءه من الأسباب المؤدية لهذه الظاهرة، خاصة أنها منتشرة فالأفلام في كل منزل والألعاب الإلكترونية باتت السيطرة عليها صعبة مع شبكات الإنترنت التي سمحت للطفل أن يعرف الكثير عن الألعاب والأفلام، إضافة إلى غيرها من الأمور التي برع الصغار في الوصول إليها وثبت ضررها عليهم، وهي غير متماشية مع ثقافتنا العربية والإسلامية.

وشددت الدكتورة هلا السعيد على أهمية زرع الإيمان في نفوس الأبناء، وتربيتهم على تعاليم الدين من الصغر، بما يخرج جيلا واعيا وعارفا بتعاليم دينه، التي تمثل مشكاة للطفل والشاب وكل فرد في المجتمع على مدار سنوات حياته.

وأشارت إلى أن الأعلى للتعليم يهتم بالصحة النفسية للطلاب؛ لذا نجد مستشارا نفسيا في الكثير من مدارس الدولة، ونجد تواصلا مستمرا بين ذوي الأطفال والمدرسة، بما يسهم في الوقوف على أي مشكلات نفسية يعاني منها الصغار، ولكن يتعين على الجميع سواء مسؤولي المدارس أو أولياء الأمور أن يلتزموا بأدوارهم بصورة دقيقة، بما يحمي المجتمع من تمدد مشكلة التنمر التي ظهرت بالكثير من المجتمعات.