يستعيد الناقد المسرحي الدكتور حسن رشيد ذكريات طفولته في فريج الغانم القديم خلال شهر رمضان، عندما كانت الحياة أبسط، والمجتمع أكثر ترابطًا، حيث لم تكن هناك وسائل الترفيه الحديثة، بل كانت الألفة والتكاتف بين الجيران هي السمة الأساسية التي ميزت ذلك الزمن. وقال الناقد الدكتور حسن رشيد في تصريح لـ «العرب» إن رمضان في الماضي كان أكثر من مجرد شهر صيام، فقد كان شهرًا للتلاحم الاجتماعي، حيث يجتمع أفراد الحي حول موائد الإفطار، ويتشاركون الطعام بروح من المحبة والتعاون. وكانت النساء يقمن بإعداد الأكلات القطرية التقليدية مثل الهريس، خبز الرقاق، الساق، والثريد، وهي وجبات ارتبطت بوجدان أهل قطر في رمضان، وكانت تُعد بشكل جماعي، فتجتمع الأمهات والخالات والعمات في المطابخ، بينما الأطفال ينتظرون بفارغ الصبر لحظة الأذان.
ويشير رشيد إلى أن المساجد كانت تلعب دورًا محوريًا في حياة المجتمع، فكان الرجال والأطفال يحرصون على أداء التراويح في جماعة، وكان والده وأعمامه يصطحبونه إلى مسجد القبيب لأداء الصلاة، حيث كانت المساجد قديمًا ليست أماكن عبادة فقط، بل أيضًا مراكز للتواصل الاجتماعي وتبادل الأخبار بين الأهالي.
ويتذكر الدكتور حسن رشيد أول تجربة له مع الصيام، وكيف كان يشعر بالإرهاق الشديد لكنه أصر على إكمال يومه، مشيرًا إلى أن خالته كانت تقول له «إذا شعرت بالعطش اشرب الماء»، لكنه أراد إثبات قدرته على التحمل، وهو ما كان سلوكًا شائعًا بين الأطفال، حيث كانوا يعتبرون إتمام الصيام نوعًا من التحدي الشخصي.
الأنشطة في الحارات القديمة
وأضاف لم يكن الصيام يعني العزوف عن اللعب، فقد كان الأطفال في العصر يمارسون كرة القدم في ساحات الحي، متحدّين الجوع والعطش، وكانوا يجتمعون بعد ذلك في راحة الجفيري، حيث كانت هناك أكشاك بسيطة تبيع الكباب، أشهرها تلك التي كان يديرها رجل يُدعى «أصغر» وآخر يُدعى «عزيز»، وكانت تلك اللحظات تحمل طابعًا خاصًا، حيث يجلس الأطفال ليستمعوا إلى القصص الشعبية التي كان يسردها كبار السن، والتي كانت تمتزج بالخيال والأسطورة، تمامًا كما نشاهد اليوم في أفلام الكرتون.
القرنقعوه
واحدة من أبرز ذكريات رمضان التي يستعيدها رشيد هي ليلة القرنقعوه، التي كانت بمثابة احتفال اجتماعي يجمع الأطفال في الأحياء القديمة، حيث يرتدون الملابس التقليدية، ويحملون الأكياس، ويطرقون أبواب الجيران للحصول على المكسرات والحلوى، وسط أجواء تعكس البهجة والفرح.
العيد وثياب جديدة
ويتذكر الدكتور حسن رشيد الاستعداد للعيد، قائلا: « قبل نهاية شهر رمضان بأيام، كان يأخذني الوالد إلى سوق واقف لتفصيل ثوب العيد، والذي كان يُطلق عليه قديمًا «ثوب داس»، وكان يتميز بلونه المائل إلى الأصفر، وكان الأطفال يعتقدون أنه مصنوع من الحرير.
وفي يوم العيد، كانت الأسر القطرية تجتمع حول مائدة الإفطار التي تتميز بـ «الذباح»، حيث يحرص الجميع، بغض النظر عن أوضاعهم الاقتصادية، على ذبح الأضاحي وتوزيعها، وكانت البيوت الكبيرة تستضيف الولائم التي يحضرها الجيران وأفراد الحي، في مشهد يعكس روح التكافل الاجتماعي.
ويؤكد رشيد أن رمضان في الماضي كان مختلفًا، إذ كانت الروابط الأسرية أقوى، والعادات أكثر تجذرًا، والمجتمع أكثر بساطة، حيث لم تكن هناك مغريات الحياة الحديثة التي فرّقت بين الناس، مختتمًا بالقول: «كنا نعيش رمضان بقلوب صافية وروح الجماعة، واليوم نفتقد الكثير من هذه الأجواء التي كانت تُشكل هوية رمضان في قطر».