إضاءة في كتاب.. ذكريات لا تُنسى بين الثانوية والسّجن ورحلة الحج (1980 – 1989م)

alarab
الملاحق 15 نوفمبر 2024 , 01:22ص
د. علي محمد الصَّلابي

لهذا الكتاب قصة خضعت لأقدار الله عز وجل، فعندما خرجت من السجن حرصت على كتابة ما مرّ بي من أحداث، وكنت قريب العهد بها، وقد رزقني الله ذاكرة قوية بحمد الله. وبعدما أتممت الكتاب، وهو الأول في مسيرتي في عالم التأليف والكتابة، عام 1989م، وأخبرت والدي بذلك، وكان لي أباً وأخاً وصديقاً ومثقفاً وناصحاً، مع وعي وثقافة متميزة مقارنة بجيله، ورأيُه عندي معتبر، طلب منّي عدم طباعة الكتاب؛ خوفاً على الأشخاص الذين ذُكِروا فيه أن يتعرضوا للأذية والاعتقال من جديد، ولم يكن يثق بنظام القذافي قِيْدَ أُنْمُلة.
فعزفتْ نفسي عن ذلك الكتاب، وهممت بحرقه، إلا أن زوجتي العزيزة أم محمد (سمية ياسين الخطيب) نصحتني بعدم حرقه، وأشارت عليَّ أن أتركه في المكتبة، لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمراً، فأخذت بنصيحتها وعملت بمشورتها.
وبعدما كبر الأولاد وشرعت في الحديث عن الذكريات، قالوا لي: لماذا لا تكتب ذكرياتك ومذكراتك؟ فتذكرت المسوَّدَة التي كتبتها، وقلت لهم: لقد كتبت مذكراتي مباشرة بعد خروجي من المعتقل، إلا أنّ جدكم (رحمه الله) خوفاً على الناس من قمع النظام منعني بسلطانه الأدبي من طباعة الكتاب.
فقالت لي ابنتي الكبيرة الدكتورة خديجة، وكانت حينها تدرس في كلية الآداب بتخصص اللغة العربية: لماذا لا تكتب منه مقالات لنشرها؟ وفعلاً أخرجتِ المخطوطة وفكّكتْ خطوطها وكتبتْ مقالات بصياغتها في صحيفة (ليبيا اليوم)، وكانت الكتابة من صياغتها، وبقلم أدبي رفيع جمع بين بساطة العرض، وروعة اللغة، فجزاها وأُمَّها عني خير الجزاء، ولهما الفضل بعد الله بخروج هذا الكتاب، الذي نقلت فيه للقارئ الكريم بعض مراحل حياتي قبل غربتي، وطلب العلم في بلاد المسلمين.
في هذا الكتاب تجد وصفاً حيّاً لمرحلة الثانوية العامة، وبداية دخولي لكلية الهندسة، فقد كنت- بفضل الله - متفوقاً في مواد الرياضيات والمقررات العلمية، ولذلك بدأت من مطلع عام 1980م، ومن ثم مرحلة السجن (مدرسةِ يوسف الصدّيق عليه السلام)، التي تبدأ من عام 1981م، وبعد ذلك الخروج من السجن إلى الحياة من جديد، ونشاطي الدعوي في الخطب والدروس بليبيا، وفي ما بعد رحلتي للحج (حجّة الإسلام) مع والدتي وأخي محسن ونيس القذافي، ووالدته السيدة الفاضلة أمل شنّيب (رحمها الله)، وأخته ماجدة. وأنهيت هذه المذكرات بالهجرة خارج الوطن ورحلتي في طلب العلم في مطلع عام 1989م، أي بعد تسعة أشهر من خروجي من السجن.
وقد أسميت هذا الكتاب «ذكريات لا تُنسى بين الثانوية والسَّجن ورحلة الحج (1980 – 1989م)».
 وفي هذا الكتاب، سيطّلع الجيل الجديد - بإذن الله تعالى - على حقبة من تاريخ ليبيا في عهد العقيد معمر القذافي، وما فيه من ظلم وقسوة ومصادرة للحريات، ومحاولات تهميش رموز وأساطين الفكر والثقافة والعلم، وزعماء التيارات السياسية والاجتماعية التي كانت تخالفه في الرؤى السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ونقلتُ بكلّ أمانة ما رأيت وسمعت من الثِّقات الذين كانوا معي في السجن، واستفدت منهم، كما استفدت من الكتابات السابقة عن السجون الليبية في تأكيد التواريخ وأسماء المعتقلين، وأسماء القضايا المدنية والعسكرية التي هددت نظام سبتمبر.
سأترك الكتاب يتحدث عما رأى صاحبه من محن ومنح وابتلاءات ورحمات، ورعاية الله وتوفيقه، ومحاولة فهم عقيدة القضاء والقدر، وأهمية كلام الله المعجز الذي هو منهج لحياة الناس في الشدة والرخاء، والتسليم لله إذ الأمر له من قبل ومن بعد.
 وإن العزم قائم- بإذن الله تعالى- على إخراج كتاب يخصّ المهجر: «الهجرة في بلاد المسلمين 1989 - 2005م»؛ حيث مراحل طلبي للعلم في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ومن لقيت من العلماء والزملاء والأصدقاء، ولمن قرأت، وبمن تأثرت في تلك المرحلة؛ ومواسم العمرة، والعشر الأواخر في رمضان بمكة المكرمة؛ ورحلات الحج الموسمية في مرحلة الدراسة؛ وحلقات العلم في المسجد النبوي الشريف لدى العلماء، مثل الشيخ أبي بكر جابر بن موسى الجزائري، والشيخ المحدث عمر فلاته، والشيخ المصري عالم الحديث والفقيه المالكي والقاضي عطية محمد سالم، وعالم علم الحديث الشيخ عبد المحسن حمد العبّاد، وغيرهم؛ والجمع بين العلم الأكاديمي ومزاحمة طلاب العلم بالركب في حلقات التلقّي، بالإضافة إلى تعرّفي على فضيلة الشيخ المفكر الأديب الداعية الربّاني الفقيه الدكتور سلمان بن فهد العودة، وتواصلي معه عقدين من الزمن، إذ قرأت كتبه، وتتلمذت على علمه وفكره ونتاجه المعرفي.
 ثم ذهابي بعد ذلك إلى السودان، والتحاقي بجامعة أم درمان لدراسة الماجستير والدكتوراه:
-رسالة الماجستير «الوسطية في القرآن الكريم»، التي أشرف عليها البروفيسور مبارك محمد أحمد رحمه الله.
-رسالة الدكتوراه «فقه النصر والتمكين في القرآن الكريم»، التي أشرف عليها البروفيسور أحمد محمد جيلي.
 سأتناول حياتي في السودان، وبمن التقيت، وممن استفدت من العلماء والمفكرين والشيوخ وأهل الفضل والخير. ورأيي في الدكتور حسن الترابي رحمه الله، الذي التقيت به في الخرطوم، وتجربة الحركة الإسلامية في السودان التي قادها بنفسه، وما لها وما عليها.
 وكذلك علاقتي المتميزة بالشيخ الجليل والعالم الرباني والمتصوف الكبير أحمد نور، عميد كلية الشريعة بجامعة أفريقيا، رحمه الله تعالى، وانخراطي في التجارة، وحينها جمعت بين طلب العلم والضرب في الأسواق، وما فتح الله عليَّ من أرزاق في ذلك، وانطباعاتي عن الشعب السوداني الطيّب الكريم المضياف، وغير ذلك من الذكريات.
ثم تجربتي في اليمن السعيد الحبيب، والكتب التي كتبتها هناك، والعلماء الذين درست على أيديهم، من أمثال العالم العراقي الشهير الأصولي الكبير الفقيه النحرير عبد الكريم زيدان (رحمه الله)، والمفكر اليمني الأصولي البارع، وزعيم الحركة الإسلامية باليمن في وقتها، ونائب زعيم حزب الإصلاح عبد الله الأحمر، وكذلك الأستاذ ياسين عبد العزيز. وكذلك تعرّفي على الشيخ عبد المجيد الزنداني، والتواصل بيني وبين شقيقي أسامة في اليمن، وتجربته في التعلم من علمائها، وخصوصاً مفتي الديار اليمنية الشيخ القاضي محمد العمراني (رحمه الله).
 ثم حياتي في دولة قطر، وكيف انتقلت إليها، وكيف عشت فيها، وما كتبت فيها، ومن الذي كان سبباً في دخولي إليها، وما ترتب على هذا الانتقال من علاقات ومواقف ومعرفة وثقافة وانفتاح على العالم، وظهوري على قناة الجزيرة، وما تعلمت من العلامة والشيخ الجليل الدكتور يوسف القرضاوي (رحمه الله)، والدكتور أحمد الريسوني، والدكتور علي محيي الدين القره داغي، والشيخ العلامة محمد الحسن ولد الددو، وغيرهم من العلماء الأجلاء.
ثم أستعرض بعد ذلك انتقالي إلى تركيا، وما كتبته من كُتب فيها، وأسباب انتقالي إليها واهتمامي بالعمل الوطني، واللقاءات والمؤتمرات من أجل السلام والمصالحة، وما كتبته في هذا المجال.
 وقد كتبت كتاباً عن الأحداث التي مررت بها من 2005 - 2023م، وهو شبه جاهز، وأعتبره وثيقة مهمة وأحداثاً تاريخية عشتها وشاركت فيها مع نخب ليبية، اختلفنا واتفقنا وما زلنا نسعى للوصول إلى السلام والمصالحة والاستقرار.
وكيف رجعت إلى ليبيا، وحديثي عن جهود الأخوين الكريمين عبد الرزاق العرّادي والدكتور عقيل حسين عقيل في ذلك الوقت، وموقف النظام من كتاب الحركة السنوسية ومنعِه من قبل السلطات في معرض الكتاب الدولي بمدينة طرابلس، ودفاعي عن الملك إدريس السنوسي بوصفه زعيماً وطنياً قاد البلاد إلى ميلاد المملكة الليبية.
 بالإضافة إلى حواراتي مع سيف الإسلام القذافي في مكتبه في باب العزيزية حول تاريخ الحركة السنوسية، وغيرها من القضايا الفقهية والسياسية والإصلاحات الوطنية. وذكرت مؤازرة الدكتور عقيل حسين عقيل لي عند رئيس جهاز الأمن الداخلي التهامي خالد، وعند عبد الله السنوسي. وكذلك قصة السجناء من الإخوان والمقاتلة وغيرهم، والسعي في إخراجهم. فضلاً عن الترتيبات والمناقشات الثلاثية في بيت الدكتور عقيل، بيني وبينه وبين الأستاذ عبد الرزاق العرّادي في الشأن العام، ومحاولة إشعال شموع في وسط الظلام.
ومسيرتي الأخوية والوطنية مع رفيق الدرب عبد الرزاق العرّادي. وبعد ثورة 17 فبراير 2011م، وكيف كنا حريصين على حقن دماء الليبيين وحفظ العاصمة من الدمار، واستجابتي لمساعي المصريين في عهد المشير محمد طنطاوي، واشتراطي أن يكون بو زيد دوردة، والدكتور عقيل حسين عقيل، والمهندس جاد الله عزوز الطلحي، من ضمن الوفد القادم من طرابلس للمفاوضات. وقد تغيّب الطلحي، وحضر الدكتور عقيل وبو زيد. وكاد اللقاء ينجح لولا أن الله أراد شيئاً آخر. وقد لقيت تلك المفاوضات الدعم من رئيس المجلس الوطني الانتقالي المستشار مصطفى عبد الجليل. وتعرضتُ لأكاذيب وأباطيل من بعض الناس. كل ذلك سأتحدث عنه مفصّلاً، بإذن الله، في الكتاب الذي يُؤرخ للمرحلة ما بين 2005 و2023م.
وفي هذا الكتاب تناولت قصة تكتّل السلام والمصالحة الوطنية، ولقاءاته بالوجهاء والقبائل والنخب، ودوره في تثقيف الشعب في مسار الدولة المدنية، ونشر ثقافة العدالة والسلام والمصالحة الوطنية، والقيم الإنسانية والإسلامية الرفيعة.
بالإضافة إلى الحديث عن تجربة اللقاء التشاوري الذي عقد في إسطنبول بحضور شخصيات من توجّهات مختلفة؛ من الملكية الدستورية ونظام سبتمبر وفبراير والنخب والمشارب المتعددة، وما ترتب عليه من اتفاقات وأعمال، وغير ذلك من القضايا التي أصبح من حق الجيل الجديد والأجيال القادمة أن تطَّلع عليها حتى تستفيد من تجارب من سبقهم.
كتاب ذكريات لا تُنسى بين الثانوية والسّجن ورحلة الحج (1980 – 1989م)، متوفر على الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي على الرابط التالي:
https://alsalabi.com/salabibooksOnePage/686