وقفية علي بن عبد الله.. صرح معرفي ومنارة فكرية

alarab
تحقيقات 14 يونيو 2011 , 12:00ص
الدوحة - أحمد الوحيدي
تنهض وقفية الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني- رحمه الله، في الدوحة ممثلة واحدة من منارات العلم والمعرفة، لا في دولة قطر وحسب، بل في العالم، حيث يمتد إشعاعها المعرفي والفكري، عبر منشوراتها والكتب الصادرة عنها ككتاب الأمة، وقبلها المجلة التي كانت تصدر تحت نفس الاسم. وعبر إصداراتها سواء في مجلة الأمة التي توقفت، أو الكتاب الذي ما زال يصدر كل شهرين باسم كتاب الأمة، كان التسامح وتوسيع آفاق الحوار وتأسيس فقه الواقع، وفقه الاختلاف بين الأمة، وأبرز ما يميز إصدارات الأمة عن الوقفية التي نذر صاحبها -رحمه الله- نفسه لتكون أثرا خالدا بعده يفيد أبناء الأمة، ويرشد صحوتها الإسلامية. كانت وقفية الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني للمعلومات والدراسات، أنشئت بموجب قرار العام 2007 وحدد فيه أهداف الوقفية، ومواردها المالية واختصاصات الرئيس إلا أن الوقفية تعتبر امتدادا فكريا وثقافيا لمركز البحوث والدراسات، الذي كان قد أنشئ في أعقاب توقف مجلة الأمة عام 1986م. والشيخ علي بن عبد الله آل ثاني -رحمه الله- ولد سنة 1312 هـ /1894وتبرز مكتبة الشيخ علي بن عبد الله باعتبارها واحدة من أهم مرافق الوقفية العامة، موفرة أجواء مثالية للقراءة والاستفادة من الكتب المتنوعة والدوريات والموسوعات والمراجع في شتى ضروب المعرفة فضلا عن العلوم الشرعية، والثقافة الإسلامية. وتحوي المكتبة حسب تقرير للقائمين عليها 33150عنوانا، ويستفيد من خدماتها نحو 2000 عضو منتظم، ويزورها يوميا زهاء 700 زائر خلال الفترتين الصباحية والمسائية، وهناك مكتبة متخصصة للأطفال ونشاط صيفي متميز لهم. وتعد من أكبر المكتبات في دولة قطر، وتحظى باهتمام المسؤولين في وزارة الأوقاف، وإدارة البحوث والدراسات الإسلامية، ويتم تزويدها سنويا بكل ما هو جديد في شتى ضروب المعرفة وما تنتجه المطابع، وباتت تجذب جمهورا متنوعا من حيث التخصصات والاهتمامات، إلى جانب طلاب الجامعات والثانويات. وتأسست المكتبة في عام 1982، وفقا لوصية الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني- رحمه الله، وكانت تتبع أول عهدها لوزارة التربية تحت إشراف دار الكتب القطرية 1982- 1990، ثم انتقلت دار الكتب القطرية والمكتبة إلى وزارة الإعلام والثقافة، وفي 3 يناير من العام 1993 صدر مرسوم أميري يتضمن موافقة ولي العهد وزير الدفاع في ذلك الوقت بتبعية المكتبة إلى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، حيث أصبحت تحت رعاية إدارة البحوث والدارسات. وتعد المكتبة تجسيدا ورمزا لحب الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني- رحمه الله، للفكر والثقافة، فقد أوقف الأرض والمبنى، وممتلكات أخرى، حيث تعتبر المكتبة من أكبر المكتبات في دولة قطر، إذ تحتوي على آلاف العناوين في مختلف أبواب العلوم الشرعية، والآداب الأخرى، ويؤمها الباحثون وطلاب العلم على مدار العام، وعرف عن الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني- رحمه الله، ولعه الشديد بكتب الفقه والأدب وحرصه البالغ على طباعة كتب العلوم الشرعية والأدبية، ونشرها وتوزيعها مجانا داخل وخارج قطر، وتقريبه لأهل الفكر والعلماء والشعراء واهتمامه بشؤون الفصاحة والبلاغة، ويسجل فهرس مطبوعاته مجموعة من الكتب والمخطوطات النادرة، تزيد على 90 كتابا وزعها كلها مجانا في سبيل الله. نشر المعرفة يسعى القائمون على أمر المكتبة إلى تحقيق أهداف عدة يمكن إيجازها بالمساهمة في رفع الثقافة وتعزيزها وإتاحة فرص التثقيف، وخلق وتنمية المطالعة لدى الجميع واستخدام أوقات الفراغ استخداما واعيا ومفيدا، وتشجيع المواهب والمهارات العلمية ودعم الإنتاج الثقافي وتنظيم المسابقات الثقافية والأدبية والعلمية في مجال البحوث والتأليف وطباعة ونشر الكتب تعزيز التقدم الاجتماعي والاقتصادي من خلال تهيئة وسائل البحث عن المعلومات التي تساعد على تحقيق هذا التقدم، وتوفير مصادر المعرفة التي تلبي احتياجات طلاب العلم والباحثين والمثقفين من كتب ومراجع ودوريات ومخطوطات وموسوعات وغيرها من مصادر المعرفة، تدريب الموظفين وتطوير مهاراتهم من خلال الدورات وورشات العمل والندوات وتبادل الخبرات بين «المكتبيين» وتنظيم دورات متخصصة في علم المكتبات والمعلومات، التعريف بالمكتبة وخدماتها ونشاطاتها من خلال إعداد وتوزيع المطويات والمنشورات والأدلة والكشافات ومن خلال وسائل الإعلام. أقسام وخدمات وخلال جولة داخل أروقة المكتبة، يتضح للزائر دقة التنظيم، وحسن الترتيب، وتشمل المكتبة مجموعة من القاعات والأروقة منها القاعة الرئيسية، وتتكون من طابقين، حيث يوجد في الطابق الأول العلوم الشرعية والاجتماعية والإدارية والقانونية والفلسفة وعلم النفس، وفي الطابق الثاني توجد العلوم التطبيقية والعلوم البحتة، والتاريخ والجغرافيا والتراجم، وتحتوي قاعة الدوريات على دوريات عامة ومتخصصة في أفرع المعرفة المختلفة، كما تتوفر بالقائمة الصحف اليومية، أما قاعة الأطفال فتشتمل على كتب متخصصة في علوم وأدب الأطفال، بالإضافة إلى ألعاب تعليمية وأجهزة سمعية وبصرية تحتوي على أفلام تعليمية وثقافية وترفيهية. وتتكون المكتبة من أقسام مختلفة منها قسم المعالجة الفنية ويضم وحدات التزويد والتبادل والإهداء ووحدة الفهرسة والتصنيف، وقسم الخدمات المكتبية ويقدم خدمات الإعارة والمراجع وإرشاد القراء والتصوير والاستنساخ، وقسم تطبيقات الحاسوب ويقدم خدمات ومنتجات المعلومات المحوسبة ومنها خدمة التكشيف والاستخلاص، والخدمة المرجعية الآلية، وأقسام الدوريات، الأطفال، المواد السمعية البصرية، الشؤون الإدارية والإعلام، فلكل قسم وظائف خاصة ومهام يقوم بها. خدمة الإعارة تقدم المكتبة خدمة الإعارة لتمكن الزوار - دون استثناء أو تمييز - من الاطلاع على كل ما تحتويه المكتبة، والاستفادة من المعلومات المتوافرة، وتتم الإعارة الخارجية لعدد محدد من المواد المسموح بإعارتها لفترة محددة وفق نظام الإعارة المتبع في المكتبة ولا يسمح بإعارة المراجع والدوريات والمواد السمعية والبصرية والمخطوطات والرسائل الجامعية ويسمح للزوار بالتصوير من هذه المواد، ومن أهم ضوابط الإعارة في المكتبة أن لا يسمح إلا باستعارة كتاب واحد للأطفال وطلاب المدارس ولمدة أسبوع، بينما يسمح بكتابين لطلاب الجامعة ولمدة أسبوعين، وثلاثة كتب للموظفين ولمدة أسبوعين، وخمسة كتب لمدرسي الجامعة ولمدة شهر. وتزخر المكتبة بعناوين متنوعة في مجال العلوم الشرعية ومنها علوم القرآن والحديث والفقه والدعوة والإرشاد، إلى جانب العلوم الإنسانية بأفرعها المختلفة من علوم الاجتماع والتاريخ والجغرافيا والأنساب والفلسفة وعلم النفس واللغات والقانون والتربية والتعليم والإدارة... إلخ، وفي العلوم التطبيقية تتوفر كتب ومراجع الهندسة الميكانيكية والزراعية، أما في مجال العلوم البحتة فتتوفر كتب الرياضيات والفيزياء والكيمياء، ويتم تزويد المكتبة سنويا بالعناوين الجديدة وخاصة من معرض الدوحة الدولي للكتاب، وخلال الفترة من يناير 2010 إلى فبراير 2011 تم تزويد المكتبة بنحو 1632 كتابا في مختلف مجالات المعرفة. الأنشطة الثقافية وتنهض المكتبة بتنظيم أنشطة ثقافية متنوعة ومتعددة لعل أبرزها المركز الصيفي للأطفال، ويقام في العطلة الصيفية، ويهدف إلى تحقيق نقلة نوعية مهمة في محاولة لإيجاد أصدقاء المكتبة في المجتمع، وذلك من خلال ربط الأطفال بالمكتبة وتنمية الرغبة لديهم للقراءة والاطلاع، وهناك الحلقات البحثية، حيث تنظم المكتبة من حين لآخر حلقات بحثية تطرح مختلف القضايا الإسلامية، وتدعى لها نخبة من العلماء والأساتذة والدعاة، وتكون الحلقة ساحة لتبادل الرأي والمثاقفة والمفاكرة، والمسابقة الرمضانية وهي مسابقة ثقافية تطرح خلال الصحف القطرية، وتهدف إلى تنمية قدرات القراء في مجال الثقافة الإسلامية، وشغل أوقاتهم بما هو مفيد إضافة إلى تعريفهم بالمكتبة. جائزة الشيخ علي العالمية إحياء لذكرى الواقف الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني – رحمه الله، خصصت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية جائزة سنوية في العلوم الشرعية والفكر الإسلامي باسم «جائزة الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني الوقفية العالمية» وهي جائزة إنسانية عالمية تتمحور حول (الفكر الإسلامي والعلوم الشرعية)، وقيمتها 175 ألف ريال، ودخلت عامها التاسع، وأهم ما يميزها أنها محكّمة، لا تُعْطى لأي إنتاج سبق نشره، وتمنح للبحث أو البحوث المتميزة، وأُنشئت الجائزة تفعيلا لدور المكتبة الثقافي والفكري، والامتداد برسالتها، وإخراجها من كونها مخزن كتب إلى جعلها مركزا ثقافيا معلوماتيا. ويرأس لجنة الجائزة الشيخ عمر عبيد حسنة مدير إدارة البحوث والدراسات الإسلامية بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وتضم اللجنة في عضويتها كل من الدكتور درويش العمادي، والدكتور زكريا عبد الهادي، والدكتور عبد الحكيم السعدي، والدكتور مصطفى عقيل، والسيد عبدالعزيز بن سليمان السيد مقرراً، وتنظم هذا العام تحت عنوان: «فقه السنن الإلهية ودورها في البناء الحضاري»، وتسهم الإدارة العامة للأوقاف، في تحقيق رسالتها واستدامتها، وذلك باعتبارها الراعي الرسمي لهذه الجائزة في مراحلها كلها حتى مستوى الطباعة والترجمة والنشر. وقد أغنت الجائزة المكتبة الإسلامية بمجموعة إصدارات محكمة، وقدمت دراسات قيمة لعدد من أهم القضايا والإشكاليات الشرعية والفكرية، حيث تضطلع إدارة البحوث والدراسات الإسلامية، بمهمة طباعة البحث الفائز ونشره، وترجمته إلى عدد من اللغات العالمية، ومن أبرز إصداراتها: «الوقف ودوره في التنمية» و»البيئة من منظور إسلامي» و»الأسرة المسلمة في العالم المعاصر» و»إشكالية التعليم في العالم الإسلامي» و»دور التراث في بناء الحاضر وإبصار المستقبل» و»الشورى ومعاودة إخراج الأمة» و»الحوار منهجاً وثقافة» و»حقوق الإنسان مقاصد الشريعة».