شكاوى من ارتفاع رسوم المدارس الخاصة وتساؤلات عن الدور الرقابي لمجلس التعليم
تحقيقات
13 سبتمبر 2011 , 12:00ص
الدوحة – هدى منير العمر
طفل بعمر السابعة تتجاوز رسومه السنوية في مدرسة خاصة حوالي 25 ألف ريال وأحياناً أكثر! أي ما يعادل قسطا سنويا لطالب في جامعة متوسطة المستوى، أو سعرا عاديا لمدرسة ذائعة الصيت وعالمية المنهج، أما إن استعرضنا أسعار بقية المدارس الخاصة من ذوات المستوى المتوسط فقد تتراوح أقساطها السنوية ما بين 20 إلى 30 ألف ريال حسب المرحلة، وأقل من ذلك تعتبر المدرسة معقولة السعر مقارنة بهذه الأسعار رغم أن مستواها المنهجي وكادرها التعليمي قد لا يرقى لتطلعات معظم الأهالي، وبالوقت نفسه لا تعتبر أسعارها رخيصة، فتتراوح أقساطها السنوية ما بين 10 آلاف ريال إلى 15 ألف تقريباً دون رسوم الكتب والزي المدرسي والمواصلات.
ولا بد من الإشارة إلى أن لكل مرحلة دراسية رسوما متفاوتة، فيتضاعف القسط السنوي مع تقدم المرحلة، ويصل متوسط نسبة الزيادة في معظم المدارس الخاصة ما بين ألف إلى ألفين ريال وأكثر كل سنتين أو ثلاثة. ولأخذ إحدى المدارس نموذجاً مؤكداً لأسعار المدارس الخاصة المبالغ فيها قامت «العرب» بالاتصال (كأم طالبة) بإحدى المدارس الخاصة ذات المستوى الرفيع، للاستفسار عن رسوم الصف التمهيدي لطفلة بعمر 4 سنوات، فأجابت إدارة التسجيل أنها تصل إلى 23 ألف سنوياً!! كان هذا الرد كفيلا بأن يعطي لمحة مختصرة وسريعة لما وصلت إليه أسعار المدارس الخاصة، فإن كان طفلا لم يتجاوز الخمس سنوات يكلف أهله مالا يكلف طالب جامعي، فكيف إذاً بسعر المراحل الإعدادية والثانوي؟
أجاب على هذا التساؤل عدد من الأمهات اللاتي لديهن تجارب مع أبنائهن في المدارس الخاصة، ملفتات إلى جملة الأسباب التي تدفعهن إلى تفضيل المدارس الخاصة على غيرها رغم شكواهن من أسعارها المبالغ فيها، وكانت مسألة اللغة الأجنبية من أهم الأسباب بالإضافة إلى عدم الاقتناع بأداء المدارس المستقلة، وآخرون ليس لديهم إمكانية الدراسة في مدارس مستقلة بحكم اتباع ولي الأمر لقطاع خاص.
مؤسسات ربحية لا تعليمية!
إحدى الأمهات تحدثت عن مدرسة أبنائها الثلاثة، وفضلت عدم الكشف عن اسم المدرسة حتى يكون الهدف من إفادتها استعراض نموذج من بين عشرات النماذج الأخرى المتشابهة بمستواها وتكلفتها حسب قولها، فتقول أم سامر: «لدي ثلاثة أبناء في نفس المدرسة الخاصة، وهي من المدارس المعروفة جدا بمستواها وسعرها الغالي، فمثلاً ابني الذي في الصف التمهيدي تصل رسومه للكورس الواحد فقط حوالي 6500 يعني في السنة تتجاوز 12 ألفا، هذا عدا رسوم الباص والزي وغيرها من أمور ضرورية أخرى، أما ابني الآخر الذي في الصف السادس فنتكلف على رسومه للفصل الواحد حوالي 9000 ألف أما أخوه الذي يكبره بسنة واحدة فرسوم فصله الواحد حوالي 11000، وتقريباً كل سنتين يختلف السعر فيتضاعف مع تقدم المرحلة».
وعن الأسباب التي تدفعهم إلى تسجيل أبنائهم في مدرسة بهذا المستوى رغم الشكوى من أسعارها تقول: «طبعا مستوى التعليم لا يبرر هذه الأسعار فللأمانة مستواها ممتاز لكن السعر غير منطقي، لأن بذلك يصبح التعليم كالتجارة أو مشروع ربحي لصاحبها، وقلة الخيارات تجبرنا على تسجيل أبنائنا فيها، وبالوقت نفسه نحن حريصون على تعليمهم أفضل تعليم وبقية المدارس الخاصة الرخيصة ليست مقنعة ومستواها سيء، ولا يوجد خيار سوى المدارس الخاصة الأجنبية».
وماذا عن مدارس الجاليات؟ فأجابت: «لا أعتقد أنها أفضل من الناحية التعليمية، سمعتها ليست طيبة وفي مجملها مختلفة عن المدارس الأم في بلدها، كلها تستغل جيوب الناس بحجة تكاليف الكادر والكتب وصيانة المبنى وكلها مبررات غير مقنعة.. في فترة من الفترات قبل عشر سنوات كانت ممتازة، وأذكر أن طلابها كانوا يتميزون عن طلاب المدارس الحكومية في ذلك الوقت لكن الآن فلا أعتقد أنها أفضل من بقية المدارس الخاصة الجيدة».
رسوم تتجاوز 30 ألف ريال!
ولية أمر أخرى تحدثت عن تجربة أبنائها في مدرسة خاصة أخرى، وبحسب أسعارها أكدت السيدة رحاب الجاعوني أنها تعتبر متوسطة المستوى مقارنة ببقية المدارس، فتقول: «أبنائي بمدرسة غلوبل إنترناشونال، وبالنسبة لرنا ابنتي الكبيرة فهي الآن في المرحلة الثانوية وقسطها السنوي يصل لثلاثين ألف ريال، أما فيصل في الصف الثاني فيكلفنا 18 ألف ريال سنوياً».
وتؤكد أم فيصل أن هذه الأسعار تعتبر معقولة لمستوى تعليمي جيد جداً، ودللت على ذلك بمقارنة هذه الأسعار بأسعار مدارس رفيعة المستوى على حد وصفها فتقول: «مثلاً مدرسة الشويفات الدولية أو نيوتن فلغة الأسعار فيها تتجاوز الثلاثين ألف ريال سنوياً في مراحلها المبكرة، يعني الخيارات أمامنا ضيقة جداً خصوصاً وأن أولادي لا يمكن قبولهم في المدارس المستقلة لأن زوجي يعمل في قطاع خاص، وكي نكون صريحين فحتى لو كان بالإمكان تسجيلهم في مدارس مستقلة فقد لا نفعل ذلك، لأن مستوى المدارس المستقلة لم تقنع الغالبية من الناس، والشكوى منها زادت أيضاً، فأصبحت المدارس الخاصة أفضل لاسيَّما مع خاصية اللغة».
أين المسؤولون؟
من جانبها تشتكي السيدة أم محمد أيضاً من أسعار المدارس الخاصة، وتلقي باللوم على الجهات المختصة في تنظيم أسعارها مهما كانت عالمية الاسم، فتقول: «من غير ذكر أسماء مدارس فيوجد كثير منها بل أغلبها تستغل كثرة ما تضمه من طلاب يدرسون على نفقة الجهات التي يعمل بها أولياء الأمور، كبعض المؤسسات والجهات والهيئات التي تتكفل بتعليم أبناء الموظفين، لذلك هي لا يهمها شكوى بقية الناس من أسعارها لأن مقاعدها الدراسية دائماً مشغولة، لا بل قد يواجه البعض مشاكل في إمكانية وجود مقاعد لأبنائهم لو تأخروا عن مواعيد التسجيل بداية كل عام دراسي، فأتساءل أين المسؤولون عن أسعار المدارس الخاصة؟ وإلى متى ستبقى هذه المدارس ترفع برسومها؟ هل يعقل أن يتجاوز تعليم الطالب ما ينفق على طالب في الجامعة؟ حرام والله! ويا ليت لو بقيت المدارس الحكومية موجودة كالسابق فهي أحسن مستوى من المدارس المستقلة التي لا أود تسجيل أبنائي بها، والخاصة لها عيوبها، فأبناؤنا لم يتعلموا اللغة العربية بالشكل المطلوب، يعني نتكلف وبالآخر لا نصل للنتيجة المطلوبة».
اللغة «شر لا بد منه»!
لعل أبرز الأسباب التي تدفع كثيرا من الناس إلى تسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة هي مسألة اللغة الأجنبية كما تقول السيدة أم خالد، رغم ضعف مستوى تدريسها للغة العربية، فتقول: «عندي طفل واحد في المدرسة، فخالد الآن في الصف الثاني وكنت قد سجلته في الحضانة والتمهيدي في مدارس مختلفة، فكان في حضانة عادية ثم نقلته لمدرسة النور للغات عندما كان في التمهيدي، فسعرها معقول لكن لم تضيف له شيئا على صعيد اللغة، وقد يرجع السبب إلى تدني مستوى معلمته الإنجليزية لا المنهج، فنقلته في الصف الأول «لأكاديمية القمة» وكانت رسومه السنوية حوالي 10 آلاف ريال ومع المواصلات وصلت إلى 14 ألف ريال يعني السعر معقول جداً مقارنة ببقية المدارس الخاصة الأجنبية، لكن أيضاً لم تنفع ابني نهائياً لأن الكادر التعليمي كله أجنبي، ولا يوجد أي اهتمام بمادة اللغة العربية والشريعة، لدرجة أن معلمة اللغة العربية لم تدخل الفصل الدراسي سوى عشر مرات في السنة كلها، وباقي الحصص كانت تتغيب عنها، وفوجئت أيضاً أن ابني طوال العام لم يكن لديه دفتر لمادة اللغة العربية داخل الفصل، فنظام هذه المدرسة يعتمد على إبقاء الطالب لدفاتره داخل الفصل ولا يجوز أخذها للمنزل، وهذا هو الحال المدارس الخاصة فإن كان مقدور عليها من ناحية الرسوم فقد نخرج بمشكلة أخرى تتعلق بمستوى تدريسها، فمخرجات التعليم لعدد كبير منها متدن للغاية خصوصاً في اللغة العربية، لذلك أحاول الآن تدارك الموقف ليتعلم خالد العربية والشريعة بشكل أفضل، فنقلته حالياً إلى المدرسة الفلسطينية فلا بأس بها بل أصبحت الآن تعلم اللغة الفرنسية وسعرها معقول، فالرسوم السنوية للصف الثاني فيها 8 آلاف ريال ومع الباص دفعنا 11 ألف ريال، وإن شاء الله نلاقي من خلالها هذا العام ما يرضي، وإن لم يستفد منها هذا العام سأضطر نقله مجدداً لمدرسة خاصة أخرى».