قضاء حوائج الناس والإحسان إليهم من أولويات الشريعة الإسلامية

alarab
محليات 13 مايو 2016 , 07:26م
الدوحة -محمد سيد أحمد
قال فضيلة الشيخ عبدالله النعمة: إن الله تعالى خلق الخلق وقدر لهم أرزاقهم وفاضل بينهم في الشرف والجاه والعلم والعبادة والحب والكراهية والقدرة والضعف، فقال سبحانه: "أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً".

جاء ذلك في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم في جامع الإمام محمد بن عبدالوهاب أن الشريعة الغراء حثت على الإحسان للناس وقضاء حوائجهم والسعي في تفريج كرباتهم وبذل الشفاعة الحسنة لهم تحقيقا لدوام العشرة والمودة وبقاء الألفة والأخوة والمحبة ونبذ الحسد والكراهية، فقد جاء في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة.

وذكر فضيلته المصلين بأهمية صنع المعروف وبذله للناس، وأن ذلك يدفع الله به عن فاعله من الشر الشيء الكثير، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم (صنائع المعروف تقي مصارع السوء) وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وعند ابن أبي الدنيا في الحديث الحسن أنه صلى الله عليه وسلم قال (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ لي خير لي من اعتكاف في مسجدي).

وواصل الخطيب في حثه على عمل الخير وبذل المعروف للناس، مستشهدا بالأحاديث الكثيرة التي وردت في هذا الجانب فقال: عباد الله، عليكم أن تتدبروا معاني الآيات والأحاديث الواردة في هذا الباب وتعوها بقلوبكم قبل أسماعكم، فعن ابن ماجة بسند صحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال (إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه)، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "وقد دل العقل والفطرة وتجارب الأمم على اختلاف أجناسها ومللها على أن التقرب إلى رب العالمين من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير، وأن أضدادها من أول الأسباب الجالبة لكل شر"
وبين فضيلته أن خدمة الناس وقضاء حوائجهم، والسعي معهم في أمورهم، دليل على طيب المنبت وصفاء القلب وتواضع للنفس، وحسن في السريرة، وصاحبه موعود بالإعانة والتيسير، مؤيد بالسداد والتوفيق، والبركة في الوقت والمال والأهل والعمل، فإنما يرحم الله من عباده الرحماء، وثبت عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه السائل أو طلبت إليه حاجة قال اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء.

وأضف النعمة أن صنائع المعروف وقضاء حوائج الناس ونفعهم من أعظم الركائز وأكرم الأخلاق التي عاش عليها الأنبياء والصالحون، ولنا في نبينا عليه الصلاة والسلام أسوة حسنة، فلقد ضرب أروع الأمثلة وأعلى النماذج في صناعة المعروف وقضاء حوائج الناس، حتى قالت عنه خديجة رضي الله عنها: "كلا والله لا يخزيك الله أبدا: إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق"، ويقول جابر رضي الله عنه في الحديث المتفق عليه: "ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال لا"، وعلى هذا الهدي القويم سار الصالحون من سلف هذه الأمة، كما جاء عن فيض بن إسحاق قال كنت عند الفضيل بن عياض إذ جاء رجل فسأله حاجة وألح عليه في السؤال، فقلت له لا تؤذ الشيخ يرحمك الله، فقال لي الفضيل: اسكت يا فيض، ألم تعلم أن حوائج الناس إليكم نعمة من الله عليكم، ويقول ابن القيم كان شيخ الإسلام ابن تيمية يسعى سعيا شديدا لقضاء حوائج الناس، قال تعالى: "لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً".

وختم فضيلة الإمام خطبته بالدعاء للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بتيسير أمورهم وتفريج كروبهم، وأن يجعل يومهم خيرا من أمسهم، وغدهم خيرا من يومهم لما فيه مصلحة الدين والدنيا والآخرة.

أ.س/س.س