قال فضيلة الشيخ د. محمد حسن المريخي خلال خطبة الجمعة التي ألقاها بجامع الشيوخ، إن هم التربية، تربية الأجيال والأبناء والناشئة هو الشغل الشاغل والحال والمقلق للمخلصين، خاصة في هذا الزمان الذي امتلأت فيه الحياة بالمغريات والمبدلات والمؤسفات التي تنسف وتبيد في ظرف لحظات وساعات، تبيد وتنسف عمل أعوام وجهد أيام، كل بناء في هذه الحياة يهون ويعوض ويؤخر حتى يمكن الاستغناء عنه سواء كان حسيا أم معنويا، إلا بناء الإنسان وتنشئته وتربيته فإنه لا يؤخر عن حينه ولا يصرف عنه النظر إلى أجل ولو كان مسمى، وذلك لأن التربية والبناء للإنسان إذا فات فإنه غالبا لا يعوض، وإذا عُوض فإنه لا يكون كاملا تاما إلا أن يشاء الله رب العالمين.
وأضاف د. المريخي: لقد اعتنى الإسلام واهتم بتربية أبنائه وأجياله من أول الأمر وهم في أصلاب آبائهم، فأمر بتزويج صاحب الديانة وتقديمه على غيره، تزويج صاحب الخلق والأمانة «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» رواه الترمذي وحسنه الألباني، وفي رواية إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه.. الحديث، كما أمر الإسلام بعدما أكد على انتقاء الأب، أمر باختيار الأم الصالحة أو البنت المتدينة التي تربت في ظلال الدين عند والديها وقال: «تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك» رواه البخاري ومسلم، حتى تربي أبناءها وذريتها على ما تربت عليه من الدين القويم المستقيم وتعظيم رب العالمين وتحفظ من الشياطين.
وتابع: قال النووي الصحيح في معنى هذا الحديث إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما يفعله الناس في العادة، فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع وآخرهم عندهم ذات الدين، فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين، وأمر الإسلام بالإحسان إلى الأبناء في التربية في كل شيء حتى في تسمية أسمائهم بالأسماء الحسنة المستقيمة وقال صلى الله عليه وسلم «إن أحب أسمائكم إلى الله عبدالله وعبدالرحمن» رواه مسلم، وقال «تسموا بأسماء الأنبياء وأحب الأسماء إلى الله عبدالله وعبدالرحمن، وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة» رواه أبو داود وصححه الألباني.
ونوه إلى أن الإسلام أمر وأكد على تربية النشء والذرية على الدين والعقيدة وعلى الصلاة عمود الإسلام وهي أصل التربية بأمرهم بالصلاة بإقامتها والتأسيس عليها بل والضرب عليها إذا دعا الأمر، وقال صلى الله عليه وسلم «مروا أبناءكم بالصلاة لعشر - أو مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع» رواه أبو داود بإسناد حسن، يعني إذا فرطوا في الصلاة بعدما أمروا بها فيُضربون ضرب التأديب والتأنيب وليس الضرب المبرح، وأكد على التفرقة في المبيت بين الأبناء من الذكور والإناث، فيكون للذكور مبيت أو مكان مستقل تماما عن مكان أخواتهم الإناث.
وذكر الخطيب أن التربية ليست تربية الأبدان وتسمين الأجسام وتلميع الملابس والثياب ولكنها تربية الوجدان والجوارح، تربية على الأخلاق والآداب والمروءات والشيم «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق: التربية أيضا بتحذيرهم من القدوات السيئة المنحرفة والفاسدة وبيان حقيقتها، والتربية لا تقوم بإقناع الناشئة بوجوب اعتناق اللسان الأجنبي وزرع ذلك في قلوبهم بأنه مستقبل العالمية والتطور في الوقت الذي ضيعت فيه الأجيال لسان الشريعة العربي، حتى أعجم القرآن والوحي عليهم، إن من أعظم الضعف أن تتكل الناشئة بغير لغتها وتؤرخ بغير تاريخها وتفاخر بغير عقيدتها وإنتاجها، وتحتفل بغير أعيادها لابد من تربية الناشئة على إسقاط التوافه وإهمالهم وتقليل حجمهم وبيان وتوضيح خطرهم وكبير فسادهم، «ولو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة».
وأكد أن أهمية تربية الأبناء مقدمة على كثير من شؤون الأمة وكبير مهامها كيف لا وهم يعمرون الأرض بطاعة الله ويحرسون العقيدة والدين، ويصونون الدين والأنفس ويدفعون العدو الماكر والخبيث ويسدون المنافذ، ويسندون الظهور ويحرسون الثغور.
ونوه الخطيب بأن كثيرا هم الذين غفلوا يغفلون عن تربية الناشئة على الدين والصلاة والاستقامة، كثير سواهم في هذا الزمان، ووالله لقد خسروا وخر عليهم السقف من فوقهم، وتعبوا وعجزوا وهلكوا وأسفوا والله لقد كان الأسف الكبير والجرح العميق والأسى الشديد لقد جرفتهم الثقافات والأفكار والدنيا والغرور، ونسيان الدين الحق، فمنهم من لقي الله على غير هدى ومنهم من يترنح وينتظر النهاية المأساوية، «إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلا»، فانتبهوا حكمة الله لقضية تربية الأبناء الناشئة واحذروا الفتن والمحن فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، «فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون».