

على مدى 22 شهرا من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تحول الميدان إلى ساحة موت مفتوح للصحفيين وعلى رأسهم طاقم شبكة الجزيرة الذين لم تكن التغطية الميدانية لهم مجرد عمل، بل كانت التزاما أخلاقيا بنقل الحقيقة مهما كلف الأمر. ولم يتوان صحفيو الجزيرة منذ طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 عن كشف المجازر والإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في غزة، الأمر الذي جعلهم هدفا مباشرا لجيش الاحتلال لتفقد الجزيرة 11 صحفيا ومصورا في استهدافات مباشرة لتكون أكبر حصيلة لشبكة إعلامية واحدة في أي حرب حديثة.

أنس الشريف.. صوت أرعب القتلة
لم يكن يعلم أنس الشريف ابن مخيم جباليا شمالي قطاع غزة الذي ظهر على شاشة الجزيرة وهو طفل في عام 2008 ضمن تقرير من إعداد الصحفي تامر المسحال، أنه سيصبح اسما خالدا في تاريخ الجزيرة بشجاعته في تغطيات جرائم الاحتلال في شمال غزة ليصبح صوتا لصورة الحياة والموت تحت الحصار والحرب.
وتمتع الشريف (29 عاما) بجرأة وقدرة على توصيف جرائم الاحتلال ومأساة الشعب الفلسطيني مما جعله أيقونة لصمود الصحفيين المحاصرين في شمالي قطاع غزة، الأمر الذي أزعج الاحتلال الإسرائيلي الذي هب لإسكات هذا الصوت المسموع في أرجاء المعمورة بكل أسلحته الخبيثة، سواء بالتشويه والتزييف تارة والتهديد والوعيد تارة أخرى وصولا إلى القصف المباشر لخيمة أنس الشريف ورفاقه من الصحفيين والمصورين في مساء 10 أغسطس 2025 قرب مستشفى الشفاء، الأمر الذي ينتهي بالشهادة التي كانوا ينتظرونها، ليخسر الميدان الصحفي أحد أكثر مراسليه مهنية وشجاعة، حسبما وصفته شبكة الجزيرة في نعيها له.

محمد قريقع.. شهيد تسلم الراية من شهيد
لم يكن الشهيد محمد قريقع (31 عاما) مجرد مراسل ميداني، بل كان صوتا نابضا بالصدق، حمل أمانة الكلمة والصورة بعد استشهاد زميله إسماعيل الغول، فواصل الطريق بنفس العزيمة والإصرار.
وعرف قريقع بين زملائه بدماثة الخلق ورحابة الصدر وسعة الثقافة، وبقدرته الفائقة على إدارة التغطية الإعلامية في أقسى الظروف وأشدها خطورة، ليقدم عبر شاشة الجزيرة تقارير تلامس أوجاع ومآسي الفلسطينيين المجوعين في غزة. وكان محمد يوازن بين الدقة في نقل التفاصيل والحرص على البعد الإنساني في تقاريره، ما جعل حضوره على الشاشة مؤثرا في جمهور الجزيرة. وفي آخر ظهور له عبر نشرة «الحصاد»، قدّم تقريرا إنسانيا مؤلما عن معاناة الأهالي في غزة، قبل أن تطاله قذائف الاحتلال بدقائق معدودة.
واستشهد محمد قريقع –الأب لزين وزينة - إلى جانب زميله أنس الشريف وعدد من الصحفيين في الخيمة ذاتها، في واقعة تجسّد الاستهداف المباشر للعمل الإعلامي ومحاولة طمس الحقيقة التي كرس حياته من أجلها.

محمد نوفل.. مرافق الفرق الطبية لتوثيق المجازر الإسرائيلية
في مشهد مُبكٍ، ظهر المصور محمد نوفل (28 عاما) قبل 40 يوما من استشهاده بجوار والدته التي استشهدت إثر قصف إسرائيلي على منزلهم في غزة، لتدور الأيام سريعا ويلحق بها شهيدا إثر قصف إسرائيلي على خيمة الصحفيين في 10 أغسطس.
وعرف نوفل بشجاعته حيث عاد إلى عمله بعد استشهاد والدته مباشرة ليواصل التغطية في مواقع الخطر. كان معروفًا بحرصه على مرافقة الفرق الطبية والإغاثية لتوثيق جهود الإنقاذ وحجم المجازر الإسرائيلية.

مؤمن عليوة.. كاميرا تعكس معاناة الفلسطينيين
يعد الشهيد مؤمن عليوة أحد أعمدة التصوير في مدينة غزة، ورافق زميله محمد قريقع في كل جولاته الميدانية.
وتميز عليوة بشدة حرصه على أن تصل الصورة كاملة للمشاهدين على قناة الجزيرة، بما تحمله من تفاصيل صغيرة قد تعكس معاناة أهل قطاع غزة خلال حرب عاشوها خلال 22 شهرا.
وعرف بين زملائه بدقته المهنية، وحرصه على توثيق اللحظة من زوايا مختلفة. استشهد في نفس عملية القصف على خيمة الصحفيين في 10 أغسطس 2025، تاركا خلفه أرشيفا بصريا يوثق أبشع مراحل الحرب.

إبراهيم ظاهر.. عين الجزيرة لرصد أوجاع غزة
عمل إبراهيم ظاهر (25 عاما) كمصور ضمن طاقم الجزيرة خلال الحرب، وجعل من عدسته عين المشاهد على الواقع المرير شمال القطاع، حيث كان ملازما لأنس الشريف في معظم التغطيات، حيث تكامل عملهما بين الميكروفون والكاميرا.
وعرف ظاهر بين زملائه بابتسامته الدائمة حتى في لحظات الخطر، وحرصه على التقاط اللقطات النادرة التي توثق قصص الناس وأوجاعهم قبل أن يستشهد في الاستهداف ذاته لخيمة الصحفيين يوم 10 أغسطس 2025.

حسام شبات.. الشهيد الأصغر
يعد حسام شبات (23 عاما) أصغر شهداء الجزيرة في الحرب، التحق بالشبكة مراسلاً لقناة الجزيرة مباشر. برز في نقل أخبار جباليا ومحيطها، وتميز بشجاعته في الوصول إلى مواقع القصف الأولى.
في 24 مارس 2025، استهدفته طائرة إسرائيلية مسيّرة أثناء وجوده في سيارته، في عملية اغتيال مباشرة تؤكد ملاحقة الصحفيين حتى خارج مناطق الاشتباك.

أحمد اللوح.. الشهادة رفقة المسعفين
تمتع الشهيد أحمد اللوح (39 عاما) بخبرة كبيرة في التصوير الميداني وعرف بقدرته على العمل في أصعب البيئات وأكثرها خطورة. في 15 ديسمبر 2024، كان يوثق مهمة إنسانية لفرق الدفاع المدني في النصيرات وسط القطاع، حين طال القصف الإسرائيلي الموقع، فاستشهد مع عدد من المسعفين. جسّد أحمد نموذج الصحفي الإنساني الذي يرى في عمله خدمة للمجتمع قبل أن يكون مجرد مهنة.

إسماعيل الغول.. شاهد على مجزرة الشفاء
نجح إسماعيل الغول (29 عاما) أن يكون مراسلا متميزا في الجزيرة بعدما صار صوته حاضرا في معظم التغطيات الساخنة بغزة، أبرزها مجازر الاحتلال في مستشفى الشفاء بمدينة غزة في نوفمبر 2023.
وفي 31 يوليو 2024، كان يغطي تجمع الأهالي أمام منزل الشهيد إسماعيل هنية في مخيم الشاطئ، حين أصاب القصف الموقع بشكل مباشر، ليغتاله الاحتلال.

رامي الريفي.. الصورة أبلغ من ألف كلمة
عمل رامي الريفي (27 عاما) كمصور محترف في شبكة الجزيرة إلى جانب إسماعيل الغول في معظم تغطياته. كان يميل إلى التقاط الصور التي تروي القصة والحقيقة دون حاجة إلى تعليق، مؤمنًا بأن الصورة أحيانًا أبلغ من ألف كلمة. استشهد في نفس استهداف الغول أمام منزل هنية.

حمزة الدحدوح.. عاشق الصحافة من أبيه
ورث الشهيد حمزة الدحدوح (28 عاما) عشق الصحافة عن أبيه الصحفي وائل الدحدوح، حيث تمتع الشهيد بروح التحدي والعمل في أكثر من موقع ميداني، وكان حاضرًا في أخطر اللحظات.
في 7 يناير 2024، استهدفت سيارته بصاروخ من طائرة مسيّرة غرب خان يونس، أثناء وجوده مع زميله الشهيد مصطفى ثريا. شكّل استشهاده صدمة قاسية للعائلة ولزملائه في الميدان.

سامر أبو دقة.. خادم الحقيقة بالصورة
أصبح سامر أبودقة (45 عاما) أول شهداء الجزيرة في هذه الحرب والذي كان أحد أقدم مصوريها الميدانيين في غزة. في 15 ديسمبر 2023، وأثناء تغطيته قصفًا على مدرسة فرحانة بخان يونس مع وائل الدحدوح، أصيب بجروح بالغة وبقي ينزف ست ساعات كاملة، إذ منعت كثافة القصف وصول الإسعاف إليه. كان مثالاً للمصور المخضرم الذي يضع الصورة في خدمة الحقيقة مهما كان الثمن.