«التكامل المعرفي» تعرض نماذج مشرقة من الحضارة الإسلامية

alarab
محليات 11 سبتمبر 2025 , 01:25ص
الدوحة - العرب

أطلقت إدارة البحوث والدراسات الإسلامية بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، أولى فعاليات الموسم الثقافي الثاني لسلسلة ندوات «التكامل المعرفي»، وذلك بجامع الإمام محمد بن عبد الوهاب، تحت شعار: «التفاعل الثقافي.. دليل التكامل المعرفي»، وبالتعاون مع مركز ابن خلدون للعلوم الاجتماعية والإنسانية بجامعة قطر، وبمشاركة نخبة من العلماء والأكاديميين.
شهدت الندوة حضور سعادة السيد غانم بن شاهين الغانم وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، وعدد من مسؤولي الوزارة ومديري الإدارات، وبحضور الدكتور إبراهيم بن عبدالله الأنصاري عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة قطر، وعدد من الباحثين والدعاة والمختصين، وجمع من الجمهور. 
واستعرضت الندوة أثر التفاعل الثقافي في تحقيق التكامل المعرفي من خلال نماذج مضيئة من مسيرة الحضارة الإسلامية.
وقدّم الأستاذ الدكتور عزيز البطيوي، رئيس وحدة البحوث والدراسات بكلية الشريعة – جامعة قطر، ورقة علمية بعنوان: «بيت الحِكمة في بغداد (عصر المأمون) أنموذجاً».
وتناول الدكتور البطيوي أهمية «بيت الحكمة» كمؤسسة معرفية كبرى لم تقتصر على جمع الكتب أو الترجمة فحسب، بل شكّلت مركزًا عالميًا لإنتاج العلوم ومأسسة البحث العلمي، وأسهمت في إرساء مفهوم التكامل بين العلوم الإنسانية والتطبيقية، بما جعلها حلقة وصل حضارية نقلت المعارف ووسّعت آفاق التفاعل الثقافي بين الأمم.
من جهته تناول الدكتور كمال أصلان، أستاذ فلسفة الأخلاق والفكر الإسلامي، في محوره الحديث عن «إبداعات الحضارة الإسلامية في الأندلس»، وأوضح فيها أن الأندلس شكّلت جسرًا حضاريًا بين الشرق والغرب، ومختبرًا معرفيًا نابضًا أبدع فيه المسلمون في مجالات الطب والفلك والرياضيات والهندسة والفنون، حيث مثلت الحضارة الإسلامية في الأندلس واحدة من أزهى التجارب الإنسانية، حيث امتزج فيها الإبداع العلمي والفكري مع التنوع الثقافي والتسامح الديني، لتشكل جسراً حضارياً بين الشرق والغرب. وأضاف أن الأندلس لم تكن مجرد حقبة تاريخية، بل مختبرًا حضاريًا نابضًا، أفرز منظومة متكاملة من القيم والإنجازات العلمية والفنية، وأسهمت في النهضة الأوروبية لاحقًا.
واستعرض الباحث مجموعة من المحاور، من أبرزها: 
الإبداعات العلمية: حيث برز أعلام مثل أبو القاسم الزهراوي، رائد الجراحة الحديثة، وابن زهر في علم الأمراض، وابن رشد في الفلسفة والطب، إلى جانب إسهامات عباس بن فرناس في الفلك، وابن الصفار في تطوير الأسطرلاب، وابن العوام في الزراعة.
الإسهامات الأدبية والفنية: مثل شعر ابن زيدون وابن خفاجة، والعمارة الإسلامية التي تجلت في جامع قرطبة وقصر الحمراء، كتحف خالدة تشهد على عبقرية العمران الأندلسي.
التكامل المعرفي، حيث لعبت الأندلس دورًا بارزًا في حركة الترجمة والتأليف، فانتقلت من خلالها علوم المسلمين إلى أوروبا عبر مراكز الترجمة في طليطلة وصقلية، وأسهمت مكتباتها الكبرى مثل مكتبة الحكم المستنصر بالله في قرطبة في حفظ التراث الإنساني وتطوير مناهج البحث العلمي.
التفاعل الثقافي الذي جسّد التعايش بين المسلمين والمسيحيين واليهود، مما أفرز بيئة علمية منفتحة أثرت الفكر الأوروبي، وأسهمت في ظهور الفلسفة المدرسية والنهضة الحديثة.
وأكد الدكتور كمال أصلان أن دراسة تجربة الأندلس تُعيد للأمة الإسلامية الثقة بقدراتها على النهوض، مشيرًا إلى أن سر ازدهارها لم يكن في عبقرية الأفراد وحدهم، بل في البيئة الحضارية التي احتضنت العلم والحرية، ووفرت شروط الإبداع والتكامل بين المعارف.
وختم بالتأكيد على أن مسؤولية الأجيال المعاصرة لا تكمن في الاكتفاء بالفخر بالماضي، وإنما في استلهام دروسه لبناء مستقبل يستند إلى العلم والأخلاق، ويجدد مكانة الأمة الإسلامية في الحضارة الإنسانية.
من جانبه، أوضح الشيخ الدكتور أحمد بن محمد بن غانم آل ثاني، مدير إدارة البحوث والدراسات الإسلامية، أن ندوة «التكامل المعرفي» تُعقد مرتين في العام كمنبر ثقافي وفكري يهدف إلى إشاعة ثقافة التكامل بين العلوم، والبحث في القضايا الاجتماعية من منظور إسلامي. وأضاف أن الإدارة تسعى من خلال هذه الندوات إلى تعزيز الوعي بأهمية التفاعل الثقافي كوسيلة للنهوض الحضاري للأمة.
وأكدت الندوة أن دراسة التجارب التاريخية الرائدة، مثل بيت الحكمة والأندلس، ليست مجرد استدعاء للماضي، بل هي استلهام لدروس قادرة على إحياء روح النهضة، وبناء مستقبل يستند إلى العلم والمعرفة والتكامل الحضاري.