قطر و جنوب إفريقيا.. عقود من الشراكة الاستراتيجية المثمرة
محليات
11 أبريل 2017 , 06:46م
الدوحة - قنا
ترتكز العلاقات القطرية - الجنوب إفريقية على قواعد ثابتة من الشراكة الاستراتيجية المتميزة والثقة المتبادلة والتعاون المتنوع في سياق مسارات متصاعدة ومتجددة خدمة للعلاقات الثنائية بين البلدين وتوظيفا لمصالح القارة الإفريقية والمنطقة العربية على وجه العموم متوجة بدبلوماسية اقتصادية تلعب دورا بناء في تدعيم الروابط ذات الاهتمام المشترك.
وتكتسب زيارة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى إلى جنوب إفريقيا أهمية كبيرة، كونها ستبحث مستقبل العلاقات بين البلدين، واستكشاف المجالات والفرص المواتية لبحث آفاق الاستثمار والفرص الاقتصادية في قطاعات متنوعة كالبنية التحتية وإمكانية إقامة مشروعات متنوعة، إضافة إلى اتفاقيات جديدة.
وعلى الصعيدين السياسي والاقتصادي وخلال السنوات الأخيرة، شهدت العلاقات بين قطر وجنوب إفريقيا تقدما ملحوظا لامس تنوعا في الميادين التجارية والاقتصادية والخدماتية، عبر اتفاقيات ناظمة للتنسيق والتعاون منها اتفاقية إقامة العلاقات الدبلوماسية والتعاون الاقتصادي، والتشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات، وتجنب الازدواج الضريبي والتهرب المالي، والخدمات الجوية الثنائية، وتعزيز الاستثمارات البينية، ناهيك عن اتفاقيات في مجالات آخرى كالشرطة والفنون والثقافة، الأمر الذي يظهر عمق الثقة بين البلدين والحرص على تعزيزها.
وشكلت زيارة رئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما، إلى الدوحة عام 2012 محطة هامة في مسيرة العلاقات الثنائية، حيث شهدت توقيع العديد من الاتفاقيات في المجالات المختلفة مثل المياه والطاقة والبناء والزراعة وتطوير البنية التحتية، إذ جسدت تلك الزيارة سعي البلدين لبناء شراكات استراتيجية مستدامة وذات فائدة مشتركة.
ولم تكن زيارة الرئيس "زوما"، هي الأولى لرئيس جنوب إفريقي إلى الدوحة، بل سبقتها زيارة الزعيم التاريخي "نيلسون مانديلا" و "ثابو مبيكي"، الأمر الذي يترجم متانة العلاقات ورسوخها على مر الأعوام.
وتستند العلاقات بين الدولتين إلى تاريخ يمتد لعام 1994 بعد أن تحررت جنوب إفريقيا من نظام الفصل العنصري "الابارتايد"، وتطورت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، حيث افتتحت سفارة جنوب إفريقيا في الدوحة في عام 2003، كما شهدت العلاقات زيارات متبادلة لمسؤولين في قطاعات مختلفة هدفت إلى توحيد الرؤى بمختلف القضايا ومنها الأمن والسلم الدوليين، بما ينعكس استقرارا على القارة الإفريقية، وآخر هذه الزيارات كانت لسعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني وزير الخارجية في مارس 2017، إذ كان لتلك الزيارات الأثر الإيجابي في تعزيز العلاقات الثنائية والاستراتيجية وارتقائها إلى مستويات طموحة من خلال تشاورات ثنائية سنوية تتم بين البلدين.
وفي سياق دعهما لاستقرار القارة السمراء، كان لدولة قطر إسهامات ووساطات حثيثة بحكمة وحيادية هدفت إلى حل أزمات عصفت بها، فساهمت بحل أزمة دارفور، ولم تتوان عن استقبال المسؤولين الأفارقة من الساعين لطلب وساطتها ودعمها لحل أزمات في نيجيريا وجيبوتي، إضافة إلى دورها الإنساني والإغاثي في الصومال والنيجر وجزر القمر وغيرها.
وتلتقي الرؤى بين الدولتين حيال ثوابت السلام والعدالة والخير لكل شعوب العالم دون تمييز، وفي ملفات عدة منها ضرورة إقرار الحل السلمي في سوريا ورفع الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني، وذلك انطلاقا من تجربة المصالحة الوطنية التي أسسها الرئيس الراحل نيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا، والقائمة على أن حل الأزمات لا يكون إلا بجلوس كل الأطراف على طاولة الحوار، دون إقصاء أي طرف.
وتؤكد جنوب إفريقيا حرصها على نجاح استضافة قطر كأس العالم 2022، حيث أبدت في أكثر من مناسبة استعدادها لنقل تجربتها في تنظيم المونديال، خاصة في ظل محادثات مستمرة مع اللجنة العليا للمشاريع والإرث بهدف تبادل الخبرات في حفظ أمن الجماهير أثناء هذه المناسبة.
كما كانت جنوب إفريقيا محطة مهمة في الحملة الانتخابية لسعادة الدكتور حمد بن عبدالعزيز الكواري مستشار بالديوان الأميري مرشح دولة قطر مديرا عاما لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة /اليونسكو/، حيث قام مرشح دولة قطر بزيارة إلى "بريتوريا" التقى خلالها كبار المسؤولين بالدولة، كما عرض برنامجه في مؤسسة مانديلا العريقة الداعية إلى التسامح ونبذ العنصرية والعنف.
وهناك حرص من الدولتين على إزالة كافة العقبات التي تواجه الاستثمارات المشتركة والمتبادلة، ومنح العديد من التسهيلات لجذب المستثمرين دفعا لتطوير العلاقات بين رجال الأعمال في قطر وجنوب إفريقيا، لكي ينجحوا في استثماراتهم المتنوعة كالمنتجات الغذائية، كما يسير التعاون بين البلدين في قطاع الطاقة والغاز المسال بخطى جيدة.
وتعد قطر الشريك التجاري السابع لجنوب إفريقيا في منطقة الشرق الأوسط، حيث يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين ما يقارب 500 مليون دولار وتشمل صادرات جنوب إفريقيا إلى قطر الكيماويات والمعادن الأساسية للمنتجات النباتية والآلات والأجهزة الطبية والمركبات والطائرات والسفن ومعدات النقل، وتستورد جنوب إفريقيا المنتجات المعدنية من قطر، وكذلك المواد الكيميائية والبلاستيك واللدائن، إذ يبلغ حجم الاستثمارات المشتركة بين البلدين 5ر13 مليار دولار، وتنظم الخطوط الجوية القطرية 3 رحلات يومية إلى جوهانسبرج وكيب تاون وديربان.
ويشهد اقتصاد جنوب إفريقيا تطورا ونظاما مصرفيا عصريا، ويعد الأكبر في إفريقيا وبوابة للشركات الدولية، وهو حاضن للعديد من مقارها الرئيسة، ما جعل من بيئتها جاذبة ومشجعة، إذ افتتح على سبيل المثال لا الحصر، بنك الدوحة فرعا له هناك، ويوجد بها استثمارات لرجال أعمال قطريين.. فيما تستثمر جنوب إفريقيا في قطر عبر شركة "ساسول اوركس جي تي ال" لتحويل الغاز القطري إلى الديزل، كما استضافت غرفة قطر وفدا من رجال الأعمال في جنوب إفريقيا لتعزيز علاقات التعاون التجارية والاقتصادية بين أصحاب الأعمال في كلا البلدين خاصة في مجالات الزراعة والصناعة والأمن الغذائي.
ويقيم بالدوحة حوالي 6 آلاف جنوب إفريقي، يعملون في قطاعات متنوعة كالتعليم والتمريض والهندسة والصيرفة والتدريب الرياضي، ويتجاوز عدد سكان جنوب إفريقيا 54 مليون نسمة، وهم من أصول متعددة ما يجعلها من أكثر الدول تنوعا في السكان ضمن القارة الإفريقية.
م . م