فتح الأندلس من أعظم الانتصارات برمضان

alarab
باب الريان 10 يوليو 2015 , 05:50ص
ابراهيم فتحي
في عهد الدولة الأموية استطاع القائد المسلم موسى بن نصير فتح بلاد المغرب العربي، وبذلك دخل البربر في دين الله، وعمل موسى بن نصير على تعليم الناس أمور دينهم وتفقيههم فيه، وعمل على تدعيم الوجود الإسلامي ببلاد المغرب العربي، فكان له ذلك بخبرته وحنكته والتزامه بشرع الله، فصار البربر من جند الله المجاهدين.
لكن بقيت إحدى مدن المغرب عصية على الفتح الإسلامي وتسمى سَبْتة، وحاكمها يسمى يوليان وكان من حلفاء ملك الأندلس غيطشة، وكان يأتيه المدد عبر البحر من الأندلس، ثم مات غيطشة وخلفه في ملك الأندلس لذريق، وحدث أن اغتصب لذريق هذا ابنة يوليان حيث كان قد أرسلها إلى القصر لتتعلم وتتأدب بأدب الملوك، فأقسم يوليان على أن يزيل ملك لذريق، وحاول محاولات عدة لكنه لم يجد غير التحالف مع المسلمين سبيلاً، ورأى موسى بن نصير أن الفرصة سانحة لفتح الأندلس ونشر الإسلام فيها وهي في هذه الحالة من الضعف والفوضى.
وبعث موسى بن نصير إلى الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك يستأذنه في فتح هذه البلاد واصفاً له مكانتها من المسلمين، مبيناً سهولة دخولها بناء على ما أوضحه له يوليان، فأمره الوليد بن عبدالملك بإرسال سرية صغيرة تختبر تلك البلاد كي لا يقع المسلمون في مأزق فيها، فأرسل موسى بن نصير أحد قادة جنده ويسمى طريف بن ملوك، فعبر إلى الأندلس في خمسمئة جندي وكان ذلك في رمضان سنة إحدى وتسعين للهجرة، ونزلوا في بلدة سميت باسم القائد طريف، وشن المسلمون غارات على الساحل غنموا فيها مغانم كثيرة، ثم رجعوا إلى موسى بن نصير بما حصلوا عليه في تلك المعارك.
بعدما رأى موسى بن نصير نتيجة السرية التي قام بها طريف بن ملوك، أخذ يجهز جيشاً كبيراً وندب على رأسه رجلاً بربريّاً شجاعاً يسمى طارق بن زياد، وأرسله إلى الأندلس على رأس سبعة آلاف مقاتل مسلم، جُلُّهم من البربر الذين حسن إسلامهم، والبربر كانوا يتصفون بالقوة والشجاعة والإقدام، وبدأ عبور المسلمين إلى الأندلس ولم يكن لديهم سوى أربع سفن، فتم العبور على دفعات واختبأ الذين عبروا أولاً حتى عبر الجيش كله، وتجمعوا عند جبل سمِّي بجبل طارق تيمناً باسم القائد الفاتح طارق بن زياد، واستولى المسلمون على الجزيرة الخضراء قبالة جبل طارق.
ولما علم لذريق بخبر المسلمين، أرسل فرقة من جيشه لتهاجم المسلمين لكنها هُزمت وقتل كل جنودها إلا رجلا واحدا عاد فأخبر لذريق بما رآه من المسلمين في قتالهم، فسار لذريق جنوباً واستولى على قرطبة وعسكر في سهل البرباط، وكان تعداد جيشه مئة ألف مقاتل تقريباً، وسار طارق بن زياد بجيشه متوجها إلى قرطبة وتوقف عند نهر البرباط، وتحسس أخبار لذريق فعرف مكانه وعدد جيشه، فأرسل إلى موسى بن نصير طالباً المدد، فأرسل له موسى مدداً تعداده خمسة آلاف مقاتل جُلُّهم من العرب، فسار تحت قيادة طارق بن زياد اثنا عشر ألفاً من المسلمين.
أما لذريق فلم يكن من بيت الملك في بلاد الأندلس، لكنه لما هلك غيطشة ملك الأندلس ترك أولاداً لم يرضهم أهل الأندلس واضطرب الأمر هناك، فتراضوا على لذريق هذا وكان من قوادهم وفرسانهم فولوه ملكهم، لكنه خالف تقاليد الملك وفعل أشياء شنيعة، لذا لما تلاقى الجيشان كان أبناء ملك الأندلس قد اتفقوا على أن ينهزموا بجنودهم، وقد ظنوا أن المسلمين إنما جاءوا طلباً للغنائم فقط، ونشبت المعركة وأبلى المسلمون بلاء حسناً، على الرغم من أن أغلب المسلمين كانوا رجَّالة بلا خيول بينما عدوهم من الفرسان، واستمرت المعركة ثمانية أيام، وانضم عدد من جيش لذريق إلى المسلمين بغضاً له وتشفياً فيه، وحدث اضطراب في جيشه، ففر لذريق وفر سائر جيشه وسيوف المسلمين تحصدهم.
ولم يعثر على أي أثر للذريق بعد هذه المعركة حيّاً أو ميتاً، وقد استشهد في هذه المعركة ثلاثة آلاف مسلم، وكانت هذه المعركة العظيمة التي انتصر فيها المسلمون انتصاراً عظيماً في شهر رمضان في العام الثاني والتسعين للهجرة النبوية المباركة.
إن هذه معركة أحرز فيها المسلمون نصراً مؤزراً، رغم فارق كبير جدّاً في العدد والعتاد، ولكن الإيمان الصادق والرجال المخلصين والقيادة الواعية المدركة بمآل الأمور والفهم الواضح لهذا الدين العظيم إذا اجتمعوا في جيش فهذا الجيش لابد منتصر، هذا رغم اختلاف الأعراق فكان الجيش مكوناً من العرب والبربر ولكل منهم لغة وعادات وتقاليد، لكن جمعهم الإيمان بالله والأخوة في الله والرغبة الصادقة في نشر الإسلام في كل بلاد الأرض، لكي لا يدَّعي المدعون والذين ينادون بالقومية والوطنية أن الدين لا ينفع أن يكون جامعاً للناس تحت لوائه، بل يقصرون ذلك على اللغة والعرق فقط.
بعد هذه المعركة توجه طارق بن زياد بجيشه إلى مدينة شَذُونة فحاصرها حتى فتحها، ثم توجه إلى مدينة إِسْتِجة وفيها فلول جيش لذريق فقاتلهم قتالاً شديداً حتى فتح الله على المسلمين بالنصر وأسر طارق حاكمها وصالحهم على الجزية. بعد ذلك رأى طارق أن جيشه قد كثر عدده، بسبب عبور كثير من أهل المغرب وانضمامهم للجيش، فعمل على تقسيم الجيش إلى فرق عدة، وكلف كل فرقة بفتح مدينة من المدن الأندلسية، فبعث مغيثاً الرومي مولى الوليد بن عبدالملك إلى قرطبة في سبعمئة فارس ليس معهم راجلٌ واحد، حيث لم يبق من المسلمين راجلٌ إلا ركب من كثرة غنائم المسلمين، وبعث فرقاً أخرى إلى مدن رية ومَلقة وغَرْناطة، أما هو فقد توجه بالجزء الأكبر من الجيش إلى مدينة طُلَيْطِلة.