اختتمت كلية الإدارة العامة واقتصاديات التنمية في معهد الدوحة للدراسات العليا ورشة عمل دوليّة بعنوان "الحوكمة في الأزمات وما بعد الصراعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".
شارك في الورشة والتي عُقدت يومي 7 - 8 نوفمبر الجاري (24) متحدثًا توزعوا على ستّ جلسات بحثت في مواضيع متعددة مثل: الجهات الحكومية وغير الحكومية والأصوات غير مسموعة في السياسة العامة أثناء وبعد الأزمات في الشرق الأوسط، الأزمات والحوكمة في مرحلة ما بعد الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، ما بعد أمريكا: كيف تغيّر العالم في خضم فشل الحرب على الإرهاب؟، التعافي من الصراعات ودور الجهات الإقليمية والدولية، و تحديد التعاون المحتمل والموارد المختلفة وتحديد موضوع المؤتمر الدولي القادم.
وألقى وزير الخارجية الفنلندي الأسبق، بار أولاف ستينباك، محاضرة خاصّةً في اليوم الأول من الورشة تحت عنوان: النظام العالمي بعد الجائحة: بعض الملاحظات عن منطقة الشرق الأوسط، أشار فيها إلى التغيرات التي يرجّح أنها ستطرأ على النظام العالمي عقب انتهاء جائحة كورونا، سيما تلك التي ستطال منظومة التنسيق الدولي، كعمل منظمة الأمم المتحدة التي دعا إلى تحديثها بما يتوافق مع طبيعة المتطلبات التي فرضتها الجائحة والتطورات السياسية للعقدين الأخيرين، خاصّةً في ظل صعود بعض القوى العالمية كالصين، وحقيقة تنافسها مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وأشارَ ستينباك إلى أنّ ثمةَ ملامح عالم مختلف سوف يتشكّل إبان الجائحة، إذ يرى أن العالم لن يتخلى عن مسار العولمة، ولكنّ مظاهرها ستستمر بشكل مختلف، وبقيودٍ ومحدّدات أكثر. كما نوّه لضرورة أن تحظى القطاعات المتعلقة بالصحة والغذاء والتعليم باهتمام أكبر مستقبلًا، وضرورة أن تكون هذه القطاعات ذاتها مشاريع تعاون على الصعيد الدولي، وذلك في سياق رفع الجاهزية لأي طارئ مستقبلي.
وفي السياق السياسي، طرح ستينباك عدة عوائق أمام الارتقاء بالتنسيق على المستوى الدولي، أولها ما نتج عن الجائحة من تأجيج للمشاعر الانعزالية الوطنية، حيث أغلقت الدول حدودها، وارتأى كل منها حماية مصالحه وإن على حساب الآخرين. وقد اقترح لمواجهة هذه العوائق عدة حلول، كان منها أن يتم العمل على رفع الجاهزية على مستوى المنظمات متعددة الأطراف التي تتحمل مسؤولية مساندة الدول المحتاجة، وأن تتم معالجة أزمة اللاجئين في العالم، سواء بتحسين ظروفهم في أوطانهم، أو بتوزيعهم بشكل منطقي على الدول المستقبلة للاجئين؛ بحيث لا تتسبب زيادة أعدادهم بردود أفعال تجهض الجهود الرامية لزيادة التعاون.
وأكد على ضرورة تنسيق الموارد والعمل على مشاريع ما بعد الجائحة، خاصةً إن كان ذلك في إطار تأسيس مؤسسات دولية ذات قدرة على تبني قرارات ملزمة لأعضائها، بغض النظر عمّا إذا كانوا دولًا ديمقراطية أو غير ديمقراطية، منوهًا إلى أنه لا يوجد هناك نموذج ديمقراطي واحد ينبغي الالتزام به لتحقيق العمل المؤسسي، وأنّ كل الدول تستطيع أن تتعاون بغض النظر عن طبيعة نظامها السياسي.
ودعا وزير الخارجية الفنلندي الأسبق الدول الصغيرة والمتوسطة إلى ضرورة خلق إطار تعاوني لها؛ حتى لا تكون هذه الدول فريسةً سهلةً للنظام العالمي المتوقّع في مرحلة ما بعد جائحة كورونا.
واختُتمت أعمال الورشة في يومها الثاني بجلسة نقاشيّة، سلّطت الضوء على أوجه التعاون المحتمل بين الجهات الإقليمية والدوليّة في استثمار مواردها المختلفة لمواجهة مرحلة ما بعد الجائحة. وقد أدار الجلسة الدكتور حامد علي، عميد كلية الإدارة واقتصاديات التنمية، ومنسّق الورشة الدكتور موسى علاية، الأستاذ المساعد في كلية الإدارة العامة واقتصاديات التنمية، ولورانت لامبرت، الأستاذ المساعد في برنامج ماجستير السياسات العامة بالمعهد.
جدير بالذكر أنّ الأوراق المختارة للمشاركة في هذه الورشة الدوليّة اختيرت بعناية من قبل لجنة علميّة مختصّة، كانت قد نسّقت مسبقًا مؤتمراتٍ شبيهة كمؤتمر "حِكامة السياسات العامة أثناء وبعد الصراعات في منطقة الشرق الأوسط" الذي عُقد العام الأكاديمي الماضي، ليشارك في ورشة العامّ الحالية 15 باحثًا مختصًا من مختلف دول العالم.