زكية مال الله: البحر أحب الأمكنة إلى نفسي وأجمل قصائدي كتبتها وأنا أطل على أمواجه

alarab
منوعات 08 أكتوبر 2011 , 12:00ص
الدوحة - أحمد الوحيدي
لا تغادر زكية مال الله معبد أشواقها الذي أكملت بناءه نصا وإبداعا في أواسط ثمانينيات القرن الماضي، إلا لتعود إليه، باعتباره حاضنة إبداعها الأول، تعود إليه لتواصل إشعال جمرتها الشعرية التي توهجت في فترة مبكرة من طفولتها –تلك التي لم تغادرها- وبقيت على الدوام تشحذ مخيلتها الإبداعية فتناسل بعدها عشرات الدواوين الشعرية ورواية وملحمة شعرية وكتبا نقدية وعلمية في مجال تخصصها في الصيدلة كأول قطرية تحصل على دكتوراه في هذا المجال. في القاهرة حيث حصلت على البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في تخصص الصيدلة وعلم الأدوية، أصدرت دواوينها الأربعة الأولى، صقلت الشاعرة والمبدعة القطرية مال الله تجربتها والتقت كبار شعراء الكنانة: صلاح عبدالصبور ومحمد عفيفي مطر وغيرهما وهناك اختبرت الأرض الذي تفتح وعيها الطفولي المبكر على كتابات روائييها ومبدعيها ومفكريها، ففي ذات طفولة بعيدة كانت زكية تقبل على كتابات طه حسين في منزلها بالدوحة وتبدأ رحلتها التكوينية الثقافية مع روايات نجيب محفوظ ومحمد عبدالحليم عبدالله وكتابات العقاد الفكرية. وفي فريجها الصغير -يومئذ- الدوحة الجديدة كانت الطفلة زكية تجوب فناء بيت العائلة مع صغيرات الحي تلعب الألعاب الشعبية، وحين تأوي إلى غرفتها تسطو على كتب شقيقتها الكبرى زهرة فتقرأ ما تقع عيناها عليه، بعد أن تجاوزت مجلات الطفولة الصغيرة، بيد أن الطفولة كانت معينها الذي لا ينضب، فإذا كانت مدينة لزهرة بثقافتها التكوينية فهي مدينة لأبيها –أول تاجر أقمشة في قطر- بولعها بالألوان والتصميم وشغف الخياطة فيما بعد. عادت صاحبة معبد الأشواق إلى الدوحة بعد دراستها في القاهرة، وعملت في وزارة الصحة وتقلبت في العديد من المناصب وأسست أقساما، وأصدرت العديد من الكتب والأبحاث العلمية، كما شاركت كناشطة في القضايا النسوية وعرفت كاتبة صحافية تهتم بالشأن المحلي، سيرتها المهنية كما الإبداعية غنية وفيها الكثير من المحطات التي توقفت عندها «العرب» في هذا الحوار:  حين تعودين إلى محراب الطفولة ما الذي تذكرينه من تلك الأيام؟ - نشأت في بيت وضمن أسرة كبيرة مكونة من ثمانية أخوة ذكورا وخمس بنات في بيتنا بالدوحة الجديدة، وإذا أردت أن أصف لك طفولتي، فأنا أقول إنها كانت طفولة سعيدة جدا، وعلى الصعيد الدراسي فقد كنت متفوقة جدا في المرحلة الابتدائية وكنت من الطالبات النشيطات جدا في الأنشطة الثقافية، كالرسم ومسابقات القرآن، وغيرها، أما خارج إطار الدوام المدرسي فلا أذكر أن هناك لعبة شعبية لم أمارسها مع صديقاتي في الفريج: لعبة الحبل، الكيس، وغيرها، الماية، السباق، جربت كل ألعاب الطفولة وللمفارقة فقد كنت أمارس كل هذه الألعاب وأتمتع بشخصية هادئة جدا وانعزالية، صحيح إنني أشارك الجميع ألعابهم لكن دائما كان لدي نزوع إلى العزلة والصمت وبالمجمل فقد كانت طفولة هادئة وسعيدة، أما أول بيت نشأت فيه فقد كان بيت العائلة الكبير وهو مكون من ثلاثة طوابق فيه عشر غرف بناه أبي وكان البيت جميلا وكان لكل واحد غرفة. في الحاضنة الأولى والدي هو أول تاجر أسس لتجارة الأقمشة في قطر وهو صاحب أول محل للأقمشة والذي حمل اسمه: محل الحاج مال الله للأقمشة، وكنت أحب الخياطة، والمثير أيضاً أن كل الهوايات التي كبرت معي بعد ذلك كان منشأها الطفولة كنت أحب الرسم في تلك الفترة، كنت أيضاً قد بدأت خربشاتي الطفولية في الشعر والنثر في سن السابعة والثامنة، وما أزال احتفظ بهذه الكتابات المبكرة حتى الآن، تجارة والدي في الأقمشة نقلت إلى محبة الخياطة والتصميم مبكرا كنت أرافق والدي إلى محال الأقمشة وأحضر بواقي الأقمشة واصنع منها فساتين للعرائس التي كنت وصديقاتي في الفريج نلعب بها، وكان لدينا لعبة البروق المكونة من عدد من الألعاب والعرائس وكنت أنا الخبيرة التي تصنع الأزياء والملابس للعرائس، ما اذكره الآن أن هذه الأشياء الطفولية كبرت معي، وحبي للخياطة والكتابة والطبخ وسائر هواياتي الصغيرة صحبتني إلى مختلف مراحلي العمرية بعد ذلك. جمرة الشعر  لكن ما الذي أيقظ فيك جمرة الشعر والكتابة منذ كنت صغيرة؟ - نعم كانت تستهويني المجلات، وأغلفتها الجميلة فبدأت قارئة نهمة لمجلات لولو وسوبرمان وغيرهما، وحين دخلت المدرسة كنت من المداومات على مكتبة المدرسة لم تكن عيني تقع على كتاب في مكتبة المدرسة، إلا وكنت أسارع إلى استعارته وقراءته، ولعل تلك القراءة المبكرة هي التي صقلت فيما بعد قدرتي على الكتابة، أول شخصية أثرت في ودفعتني إلى مجال القراءة والكتابة وحبها هي أختي زهرة كانت تكبرني في السن وكانت متفوقة وكانت شاعرة وكاتبة وأديبة وكانت تنشر في المجلات والصحف والإذاعة ونشأت أنا في غرفتها وكنت أسعى إلى تقليدها ولذلك نشأت عندي نفس الأشياء التي كانت تفعلها، قرأت كل مكتبتها وهي رقم واحد في العائلة وأنا رقم سبعة ومع ذلك كانت هناك أشياء كثيرة مشتركة بيني وبينها ومن بين المدرسات الأكثر تأثيرا في، مدرسة مصرية اسمها أميمة وكانت تشجعني كثيرا على القراءة وكذلك مدرسة اللغة العربية أميرة وأول كتاباتي كانت في حصة الإنشاء، شاركت في المسابقات وحصلت على المرتبة الثانية في الشعر هذه الأشياء هي التي أثرت في تكويني ورغم كل هذا النشاط في هذه المرحلة المبكرة إلا أنني لم أكن أتوقع أن أصبح شاعرة أو كاتبة كبيرة، لكنني في هذه المرحلة قرأت كتب الرواد الكبار قرأت طه حسين، العقاد، مصطفى لطفي المنفلوطي محمد عبدالحليم عبدالله نجيب محفوظ، كل هذه الكتب كانت تأتي بها أختي زهرة وكنت أواظب على قراءتها، قرأت الترجمات، وقرأت في الشعر أكثر شيء، كان يستهويني شعراء المهجر، وتحديدا إيليا أبو ماضي، ومي زيادة كما قرأت فدوى طوقان، وكل هذه الكتب التي استهلكتها في سن الطفولة ما تزال عندي حتى الآن في مكتبتي وأحافظ عليها، كان موجودا في الدوحة في تلك الآونة مكتبات لكن أغلب الكتب كانت تأتي من مصر بوساطة المدرسات.  في هذه المرحلة كانت ميولك أدبية لكن ما الذي قادك إلى التخصص العلمي؟ - صحيح، لم يكن لدي أي توجه علمي حتى وصلت إلى الثاني الثانوي، في أحد الأيام قالت لنا المديرة من يرغب في التخصص العلمي يلتحق بهذا الطابور ومن يرغب في التخصص الأدبي يلتحق بالطابور الآخر، التحقت أنا بطابور الأدبي وعندما نظرت حولي وجدت معظم الطالبات من المتدنيات في التحصيل الدراسي، وعندما نظرت إلى طابور العلمي وجدت معظمهن من المتفوقات، وأنا كنت دائما من العشرة الأوائل فقلت لنفسي لماذا أنا هنا فقررت على الفور الالتحاق بطابور العلمي ودرست علمي وفي الثانوية العامة كنت من العشرين الأوائل، ولدى تخرجي كان المتاح أمامنا هو التخصص في إحدى مجالات الطب أو الصيدلة، لم يوجهني أحد وكان لدي حب للعقاقير والأدوية وكنت أحس في داخلي أنه تخصص نافع فقررت التوجه لدراسة الصيدلة، لم أفكر بدراسة الطب لأنني شعرت أن الفترة ستكون طويلة، وقدمت لوزارة التربية لقسم البعثات وتمت الموافقة ومن حسن الطالع أن تخصص الصيدلة لم يكن إلا في مصر ووقتها كان أخي يدرس هناك فشجعني وكنا في المطار حوالي عشرين قطرية متوجهات للدراسة في مصر إحداهن معي في نفس التخصص الصيدلة هناك التحقت بالسكن الداخلي وفي تلك الفترة كان هناك القليل ممن يتوجهون للدراسة في الخارج، ذلك أن جامعة قطر كانت مفتوحة كانت معظم التخصصات متاحة باستثناء الصيدلة هناك أيضاً سبب نفسي لتوجهي للدراسة في الخارج وهو أن معظم المتفوقين يتوجهون للدراسة في الخارج، وكنت متخيلة أن الذين يدرسون في الخارج هم من أصحاب المستويات العالية، وأن الذين يتوجهون للدراسة في جامعة قطر يختارون التوجه الأسهل فاخترت القاهرة وقصر العيني المعروف بقوته. على المستوى الاجتماعي كان مألوفا توجه الفتاة للدراسة في الخارج بدليل أن هناك كان معي كثير من الطالبات وعلى مستواي العائلي كان والدي منفتحا ولم يمانع بدراستي في مصر خاصة أيضاً أن أخي محمد كان يدرس الهندسة.  ما الذي منحتك إياه دراستك في القاهرة؟ - في البداية كانت أول سنة صعبة كانت قمة المعاناة في السكن الداخلي وكانت الدراسة شاقة في مصر وكان صعبا علي في البداية الشعور بمواجهة الغربة والدراسة الصعبة وهذا الانفتاح الهائل في مصر لوحدي لكنني بفضل الأصدقاء والاستعانة بالله تجاوزت، كونت علاقات صداقة مع الخليجيات من الإمارات والسعودية والبحرين وهذه الصداقات منحتني القوة، والقدرة فيما بعد لمواجهة صعوبات الدراسة والتأقلم مع العالم الجديد. أما ما علمتني إياه القاهرة فقد أخذت منها الانفتاح على الحياة والمجتمع؛ الحياة في القاهرة تصقل الشخصية تجعلك قويا وجريئا عشرات الصفات اكتسبتها من خلال إقامتي في القاهرة، والتي منحتني أيضاً حب العلم. في القاهرة اكتشفت نفسي شاعرة ومبدعة هناك نشرت ديواني الأول «معبد الأشواق»، وهناك حضرت وشاركت في الأمسيات والندوات ونشرت في دورياتها وصحفها وهناك التقيت شعراء مصر الكبار وشاركتهم أمسياتهم التقيت صلاح عبدالصبور ومحمد عفيفي مطر وغيرهما الكثير من عشرات الأسماء وعلى مدى السنوات التي تواجدت فيها هناك شاركت في معرض القاهرة الدولي للكتاب شاركت في أمسياته واشتريت الكثير من كتبه لكن المرحلة الأغنى في الإقامة في مصر كانت في مرحلة الماجستير والدكتوراه، هناك طبعت أول أربعة دواوين وأقول إنه في مرحلة البكالوريوس كنت منكبة على الدراسة الأكاديمية، صحيح أنني كنت أكتب الشعر ولكنه يظل حبيس الأدراج إلى أن أنهي مرحلة الدراسة التي كما أشرت كانت صعبة وتحتاج إلى الكثير من الوقت والتركيز. عدت إلى قطر ومكثت سنة بعد إنجاز البكالوريوس، لأعود مرة أخرى إلى القاهرة لاستكمال الماجستير والدكتوراه وهذه الفترة هي فترة النشر ونضوج الموهبة. وفي هذه المرحلة تعرفت على صديقة أثرت في وهي الدكتورة مي الخاجة من الإمارات وأخوها كان سفير الإمارات في القاهرة وعندما قرأت مي ما كنت أكتب أعجبت به جدا وأصرت على نشر الأشعار التي كتبتها وقالت لي إن المستوى الذي أكتب به عال جدا وأقنعتني بالنشر. وقمت بنشر أول ديوان لي في مطابع دار الشروق ونفدت النسخة الأولى خلال شهرين لم أصدق نفسي من القبول الذي حظي به الديوان وكنت سعيدة جدا وكتبت الصحف عنه، وهو بداية التجربة ولما وجدت أن الكتاب نجح تشجعت وكل عامين طبعت ديوانا وعندما عدت إلى الدوحة اختلفت التجربة بدأت الكتابة في الصحافة القطرية، وطلب من الأستاذ ناصر العثمان الكتابة في الشرق وكتبت العشرات من المواضيع، والكتابة الصحافية هي التي فتحت عندي الأفق الاجتماعي والاهتمام بالشأن الاجتماعي، وصرت أدعى إلى كثير من النشاطات الاجتماعية، وهذا ما أسهم عندي ببدايات الوعي الاجتماعي بقضايا المرأة وأذكر من الناشطين في هذا المجال علي آل إبراهيم الذي استحدث جائزة، وأيضاً من الناشطات طرفة السادة وكان هناك العديد من الشخصيات.  ما القضايا المطروحة نسويا في ذلك الوقت؟ - قضايا قيادة المرأة للسيارة فاعلة في المجتمع وحقوقها في القضايا العامة وكنت أشارك في الكتابة ولم تكن المرأة أبداً مهمشة وحتى عام98، وتفضلت صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر باختياري ضمن اللجنة التحضيرية للانتخابات البلدية وكان هناك 16 واحدة وعملنا القانون وهذه نقلة قوية للمرأة القطرية، ومنذ سنة 90 إلى 2011 أنا في مجال العمل أسست قسم الصيدلة في وزارة الصحة التي لم يكن يوجد فيها سوى الدكتور محمد الهيل وأسسنا الإدارة رأست قسم المختبر لمدة 8 سنوات أنجزت إنجازات كثيرة في الصيدلة والمؤلفات. على صعيد الشعر أنا من جيل الرواد في الثقافة القطرية وأصبحت عضوا في المجلس الوطني للثقافة في العام 2004 وشاركت منذ البدايات في تأسيس معرض الدوحة الدولي للكتاب وشاركت لسنوات في مهرجانات الثقافة. واقع المثقف  ماذا عن واقع المثقف القطري؟ - هناك مثقفون كثر في قطر لكن للأسف هناك الكثير من المبدعين لم يأخذوا حقهم المثقف القطري لم يأخذ حقه كما يجب وهذا الكلام سواء كان على صعيدي الشخصي أو غيري من الزملاء وأعني المبدع، وأنا كمبدعة ليس لي أي دور في وزارة الثقافة رغم علاقتي الممتازة معهم أحس قبل عدة سنوات وضعي أفضل لكن الآن ومنذ سنوات لم يعد لي أي مشاركة وفي سنة الدوحة عاصمة للثقافة العربية لم يذكر اسمي ولا في أي لجنة ولا أمسية وهذا جعلني أشعر بالإحباط وكتبت ولكن ما حصلت على ردود مقنعة. أنا كاتبة منذ عشرين عاما وما أزال أطبع كتبي على حسابي الشخصي، ولدي الآن سبعة كتب غير قادرة على طباعتها ومن حقي على الدولة أن تطبع لي، والآن أعمل على كتاب علمي في الغذاء «علاقة الغذاء والدواء».  هل هناك حركة نقدية موازية للإبداع في قطر؟ - منذ عشرة أعوام كان هناك حركة نقدية لكن الآن لا يوجد كتابات نقدية، ولا يوجد أصلا نقاد، ومن النقاد الذين تناولوا تجربتي حسام الخطيب، حسن توفيق، والآن لا يوجد، هناك صفحات ثقافية نشطة، لكن ما أحس به أن الاهتمام بالمثقف القطري ضئيل خصوصا جيل الرواد الذي يجب التعريف بهم.  كيف توصفين حصادك سواء في الصيدلة أو الإبداع؟ - أنا راضية عن نفسي وعن عملي فأنا خدمت في وزارة الصحة ثلاثين عاما، وأنجزت فيها الكثير، وعلى الصعيد الثقافي أيضا أنجزت الكثير وحققت شهرة محلية وعالمية ترجمت كتبي وقصائدي إلى الكثير من اللغات العالمية.  مَنْ من الشعراء تقرئين لهم؟ - من قطر أحب شعر سعاد الكواري، ومبارك بن سيف ومن الإمارات ميسون القاسمي، وظبية خميس ومن عمان سعيدة الخاطر، وسعدية مفرح، وعالية شعيب ومن اليمن ومن المغرب العربي محمد بنيس، وعندما أرغب بقراءة الشعر أقرأ أيضاً لنزار قباني، ومحمود درويش، وصلاح عبدالصبور.  ما المكان الأثير إلى نفسك؟ - البحر من أعز وأحب الأشياء إلى نفسي وأجمل قصائدي كتبتها وأنا أطل على البحر، ومن مواهبي التصوير الضوئي وعندي ألبوم خاص جمعت فيه صورا لكل بحار العالم التي زرتها وكل مكان كنت أزوره كانت شواطئ البحر هو أول شيء أزوره، حياتنا كلها في قطر مبرمجة على البحر وفي قطر زرت كل شواطئ الخليج، وأعشق المشي على الكورنيش وعندما أمشي تنهال علي الكثير من الأفكار.