شكاوى من ارتفاع أسعار العمرة وسوق سوداء تبرز على السطح
تحقيقات
07 أغسطس 2011 , 12:00ص
الدوحة - محمد سيد أحمد
في مثل هذا الوقت من كل سنة تبدأ أفواج المعتمرين بالتوجه إلى الأماكن المقدسة لاقتناص فرصة لأداء عمرة رمضان التي وردت أحاديث نبوية كثيرة في فضلها، وما إن يقترب الشهر الكريم حتى تكتظ مكاتب الحملات بالزوار الراغبين في الحصول على تأشيرة لدخول المملكة العربية السعودية لأداء هذه الشعيرة الإسلامية، لكن بعض المعتمرين عبر عن امتعاضه من ارتفاع أسعار التأشيرات التي يبدو أنها لن تتوقف عند حدود معينة ما دامت المكاتب تضع زيادة كل سنة، الأمر الذي حدا ببعض المعتمرين إلى القول إنه في الأعوام القليلة القادمة سيقترب سعر عمرة رمضان من سعر الحج، وفي المقابل نفى أصحاب الحملات زيادة السعر، معتبرين أن الأسعار الحالية مناسبة نظراً للزحمة الكبيرة في الأماكن المقدسة هذه السنة والتي تعود لأسباب متعددة منها الهدم الحاصل في مكة للتوسعة، وتوجه المصطافين من الدول العربية إلى العمرة؛ لأن البلدان التي كانوا يقصدونها في مثل هذه الأيام غير مستقرة، ما سبب ضغطاً كبيراً على فنادق السعودية وعماراتها السكنية،
كل هذه الأسباب يرى أصحاب المكاتب أنها هي المسؤولة عن زيادة الأسعار البسيطة حسب رأيهم ، يضاف إلى ذلك عامل أهم وأخطر وهو قيام بعض المكاتب التي لا علاقة لها بتنظيم العمرة بالدخول على الخط وعملها من الباطن والسمسرة في استخراج التأشيرات فيما يشبه سوقا سوداء في هذا المجال.
متعة العبادة
لا يمكن للشخص أن يتجاهل مدى الشعور بالمتعة المصاحب لأداء مناسك العمرة في شهر رمضان والصوم والقيام في الأماكن المقدسة، هذا ما بدأ به ناصر عبد الله السويدي، وأضاف: بصفتي أقوم بهذه الرحلة الطيبة كل عام وفي مثل هذه الأيام لا يمكن إلا أن أعبر عن السعادة الغامرة التي تنتابني وأنا أصل إلى تلك الأماكن في شهر رمضان؛ حيث الطمأنينة والسكينة التي تعم المكان والزمان، فصيام رمضان أو جزء منه في مكة المكرمة أو المدينة يجعلك تعيش أجواء روحانية خالصة، لا بل إنك تتذكر المحشر عندما تجد نفسك محاطا بكل أصناف البشر وألوانهم ومن مختلف الجنسيات، الأمر الذي يجعلك تحس فعلا بلذة الطاعة في تلك الأماكن المباركة، ما يجعل بذل أي مبلغ من المال مهما كثر قليلا في سبيل عيش هذه الأوقات هناك ، لكن لا بد من الاعتراف أن قدرات الناس المادية غير متساوية وعلى أصحاب الحملات أن لا يستغلوا محدودي الدخل من المسلمين المعتمرين لأن هذا شهر رحمة وتعاطف وليس موسم استغلال.
أسعار مجحفة
ولدى تناوله لترتيبات العمرة في رمضان وما إذا كان يرى الأسعار مناسبة أكد السويدي أن سعر استخراج التأشيرة قد شهد ارتفاعا في السنوات الأخيرة، لا بل إنه ارتفاع غير مبرر لأن الفرق بين استخراجها في الشهور الأخرى أقل بكثير من استخراجها في شهر رمضان مع العلم أن نفس الخدمات التي يقدمها مكتب الحملة في غير رمضان هي نفسها التي يقدمها في شهر رمضان، وهذا استغلال يجب أن ينتهي حتى لا يجد الناس أنفسهم يوما وقد عجزوا عن تحمل هذا السعر المجحف.
ونبه إلى أن الجميع يعرف أن هذه التأشيرات تستخرجها المكاتب مجانا من سفارة المملكة العربية السعودية ولا يدفعون مقابلها أية رسوم، ما يعني أن أصحاب هذه المكاتب يرفعون الأسعار من تلقاء أنفسهم كلما أرادوا ذلك مستفيدين من استعداد الناس لدفع ما يطلب منهم مقابل الحصول على تأشيرة لقضاء أيام من هذا الشهر الكريم في أقدس الأماكن وأكثرها بركة، وهذا يعد استغلالا ما بعده استغلال ويجب أن يتوقف عند الحدود المعقولة التي لا تضر بأصحاب المكاتب ولا بالمعتمرين.
رأي أصحاب المكاتب
نقلنا شكاوى المعتمرين من زيادة الأسعار إلى بعض القائمين على مكاتب الحج والعمرة لمعرفة الأسباب وراء تصاعد الأسعار كل سنة وهل لهذا الارتفاع سقف معين سيتوقف عنده؟ فأجاب أبو خالد أن العوامل في تحديد أسعار العمرة تنحصر في الأسباب التالية:
1- التأشيرة: وقد تكون في غالبية المكاتب رسوم استخراجها متقاربة إلى حد كبير والفرق الأعلى يكون غالبا عند المكاتب التي تعمل من الباطن ففي هذه الحالة يكون الفارق في رسوم التأشيرة ملحوظا.
2- وسيلة النقل: حيث تمتلك بعض المكاتب حافلات متهالكة لا تتوفر على أبسط قدر من الراحة وموديلاتها قديمة للغاية، وهذه المكاتب التي تمتلك هذا النوع من الحافلات يمكن أن تقوم بحشر عدد غير محدد في حافلة واحدة وبأي سعر، كذلك الحافلات التي يستأجرها بعض المكاتب من المملكة العربية السعودية تعتبر رخيصة هي الأخرى وذات مواصفات عادية جدا، فهذين الصنفين من الحافلات يتيحان للمكتب تنظيم رحلة عمرة بأسعار بسيطة لكنها في المقابل لا تقدم من الخدمات سوى خدمة النقل غير المريحة، وقد يتعاقد المعتمر مع مثل هذه المكاتب على التوصيل فقط دون تقديم أية خدمات أخرى، فهذا السعر المقدم من طرف هذه المكاتب لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يستوي مع سعر الحملات المعتمدة التي توفر وسائل نقل متطورة جدا وفخمة وتقدم خدمات أكثر من ممتازة.
سوق سوداء
3- السكن: وهو المحدد الرئيس لأسعار العمرة وقد أصبح البعض يستغله فيما يشبه السوق السوداء؛ حيث تقوم بعض الحملات بتوفير سكن داخل فنادق أو عمارات فخمة قريبة من الحرم المكي أو المدني مع تقديم بقية الخدمات الأخرى، ويوجد بعض آخر يقوم بتوفير مساكن بعيدة عن الحرم ولا يوفرون خدمة النقل، لا بل أن حادثة وقعت في السنة الماضية توضح مدى الفوضى التي تطبع شعيرة العمرة، ما يستوجب على لجنة الحج والعمرة مراقبتها بشكل أكثر دقة؛ إذ لا بد من الاعتراف بأن استخراج التأشيرات للعمرة أصبح يتعامل به فيما يشبه السوق السوداء، وقد وقعت حوادث في العام الماضي تؤكد صحة هذا الكلام، وملخص هذه الحادثة هو أن أحد هذه المكاتب المرخصة تحت مسميات متعددة قام باستخراج العديد من التأشيرات وقام بنقل ما يناهز 50 معتمرا وبعد وصولهم إلى مكة المكرمة قام هذا الشخص باستئجار مبنى غير مرخص وبعد تجمعهم فيه تم فصل الكهرباء والماء عن هذا المبنى من طرف وزارة الحج والعمرة السعودية وتلقيت اتصالا بهذا الموضوع بتاريخ 10/7 /2010، وبعد التحري عن هذه القضية تبين لي أن المكتب الذي قام بتنظيم هذه الرحلة يشرف عليه شخص عادي ولا يوجد لديه مكتب مرخص وإنما هو مقاول يعمل من الباطن مع أحد المكاتب، وكان أغلب المعتمرين في هذه الرحلة من الجنسية البنغالية.
الحل
وشدد أبوخالد على أن الحل يكمن ضمن منع المكاتب غير المرخصة من العمل في هذا القطاع؛ لأنها هي التي تسبب تضارب الأسعار والفوضى الموجودة كل عام، فبعد التحري عن بعضها تبين أنها مكاتب مرخصة لجلب الخدم والأيدي العاملة، ومكاتب تأجير سيارات وخدمات عامة، وما زالت هذه المكاتب تمارس هذا العمل الذي أربك الجميع، وفي هذا الموسم بالذات لا تزال بعض مكاتب جلب الخدم تعمل على استخراج تأشيرات العمرة، وعلى ذكر ما سبق أعتقد أن الحل الوحيد لحسم موضوع ارتفاع أسعار العمرة ينحصر في قيام لجنة الحج والعمرة القطرية التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بوضع آلية لعمل المكاتب التي تعنى بتقديم خدمات العمرة بحيث توضع شروط ومواصفات وضوابط يجب توفرها في أي مكتب يقدم خدمات شعيرة العمرة، وأي مكتب لا تتوفر فيه هذه الشروط والمواصفات يتم منعه من الدخول إلى هذا القطاع، كذلك الحال بالنسبة لتحديد وتوحيد الأسعار، وإيجاد مكتب يستقبل شكاوى المعتمرين، فهذه الأمور هي التي ستنظم هذا النشاط وتحد من تضارب الأسعار الحاصل بين المكاتب.
الإشراف مطلوب
أما أشرف عبدالفتاح شاهين، مسؤول حملة القدس، فقد وافق من سبقه فيما يتعلق بضرورة إشراف لجنة الحج على العمرة وتنظيمها لرحلات العمرة كما تنظم رحلات الحج؛ لأن تضارب أسعار العمرة لا يمكن القضاء عليه إلا بقيام لجنة الحج بالإشراف الكامل على العمرة كما تشرف على الحج، ولا أخفي –والكلام لأشرف– أن وزارة الأوقاف ممثلة في لجنة شؤون الحج والعمرة قد وافقت على هذا المقترح الذي تقدمنا به والقانون سيصدر قريبا ، والموسم القادم بإذن الله سيشهد تنظيما للعمرة والإشراف عليها كما يتم تنظيم الحج، وهنا أتقدم بكل الشكر للقائمين على لجنة شؤون الحج على جهودهم الخيرة التي غالبا ما يقومون بها من أجل تنظيم الحج والعمرة.
أسباب اختلاف الأسعار
وفي رده على الاستفسار عن أسعار العمرة واختلافها أول رمضان، مع عمرة النصف الأخير منه، أجاب أشرف عبدالفتاح بأن سعر العمرة في أول الشهر يختلف عنه في آخره لعدة أسباب منها: أن إقبال المعتمرين من جميع أنحاء العالم في النصف الأخير يكون أكبر، ما يسبب زحمة سكن كبيرة في مكة المكرمة والمدينة، وبالتالي فنادق السعودية وعماراتها السكنية يمتلكها رجال أعمال يبحثون عن الربح كغيرهم من التجار وهم يقومون باستغلال الموسم وهذا من حقهم، أما ما يتعلق بأسعار العمرة في شهر رمضان هذه السنة فهي أسعار مناسبة للغاية ولا يمكن وصفها بالمجحفة؛ إذ تتراوح ما بين 1300 ريال في أول شهر رمضان، و 1600 ريال، إلى 2000 ريال في النصف الأخير حسب الإمكانات لكل معتمر، هذا بالنسبة لحملات البر، أما حملات الجو فموضوعها مختلف تماما؛ لأن السعر فيها يعود للمعتمر نفسه وما إذا كان سيمكث فترة طويلة أم قصيرة، فلكل فترة وما يرافقها من خدمات سعرها الخاص حسب مواصفات الفنادق التي يختار المعتمرون النزول فيها، لكن لا بد من الإشارة إلى أن أسعار تذاكر الطيران هذه السنة قد ارتفعت، ما زاد قيمة عمرة الطائرة هذه السنة.
كذلك لا يمكن إغفال عامل المشاكل الواقعة في بعض الدول العربية التي كان الكثيرون يذهبون إليها في مثل هذا الفصل من السنة، فغالبية هؤلاء عندما حدثت القلاقل في تلك الدول لم يجدوا بديلا مناسبا سوى الذهاب في فترة الإجازة -التي تصادفت مع شهر رمضان- إلى أداء العمرة والمكوث هناك فترة الإجازة، ما تسبب في ضغط كبير على فنادق الحرمين وأدى بالتالي إلى ارتفاع أسعارها ،خصوصا أن منطقة مكة المكرمة تشهد هدما كبيرا في بعض مناطقها، هذا عن تكاليف رحلة العمرة مع الحملات التي أعتقد أنها سهلة للغاية نظرا لما تقدمه من خدمات جيدة في مدة لا تقل عن خمسة عشر يوما.
سعر عادل
أما استخراج تأشيرة العمرة من السفارة السعودية فقد أكد أشرف أن السعر العادل لاستخراج التأشيرة يجب ألا يتجاوز 300 ريال لأن استخراج التأشيرة يعتبر عملية سهلة للغاية ولا توجد عليه أية رسوم من جانب سفارة المملكة العربية السعودية مطلقا لا بل إن السفارة تقوم كل سنة بكل الجهود التي تسهل سرعة استخراج التأشيرة، وتضارب أسعار استخراجها ينحصر بين الوكيل السعودي من جهة والمكاتب القطرية من جهة أخرى، فالمتعهد السعودي يتعاقد مع المكتب القطري على رسم معين للتأشيرة؛ حيث لا بد من تحصيل رسوم للمتعهد السعودي لا تقل عن 180 ريالا يضاف إلى هذا أتعاب المكتب القطري، وعندما نقوم بجمع رسوم المتعهد السعودي وأتعاب المكتب القطري نستنتج أن يبيع المكتب القطري للتأشيرة بـ250 أو 300 ريال يعتبر معقولا، لكن علينا أن لا نغفل عن أمر مهم هو أن المتعهد السعودي تقع عليه هو الآخر مسؤوليات كبيرة تتمثل في تقديم ضمان لوزارة الحج السعودية لا يقل عن 100 ألف ريال وتوفير السكن المرخص للمكتب إلى غير ذلك من الخدمات التي يوفرها المتعهد السعودي الذي يعتبر حلقة الوصل بين وزارة الحج السعودية والمكتب القطري.
غياب الكوتة
مسؤول حملة بدر أكد أن غياب نظام الكوتة المتبع سابقا وفتح المجال أمام الحملات لاستقبال طلبات كل المعتمرين دون تحديد عدد لكل حملة ساهم في استقرار الأسعار هذا العام؛ لأن الحملات في الأعوام السابقة والمكاتب كانوا يرفعون الأسعار كي يعوضوا خسائرهم الناجمة عن كثرة المصاريف مثل الإيجارات هنا في قطر وفي السعودية ورواتب العمال، وهذا ما لا يمكن تعويضه من 200 شخص مثلا، وأردف مسؤول حملة بدر يقول: في اعتقادي إن أسعار العمرة هذه السنة مستقرة ومنصفة ولم نلاحظ أية شكاوى.
أما عبدالرحمن عبدالله الهاجري مسؤول حملة الإيمان فيرى أن الأسعار هذه السنة تعتبر مستقرة؛ حيث تباينت واختلفت باختلاف أيام شهر رمضان، فسعر رحلة العمرة مع الحملة في النصف الأول من شهر رمضان وصل إلى 1200 ريال شاملة لكل الخدمات من استخراج للتأشيرة ونقل عبر حافلات مكيفة ومجهزة، وتكاليف الإقامة في مكة المكرمة، وقضاء ليلتين في المدينة المنورة، أما تكاليف الرحلة في النصف الأخير من شهر رمضان فقد وصلت إلى 1800 ريال شاملة لكل الخدمات أيضا. وفيما يتعلق بسعر استخراج التأشيرة فقد شهد استقرارا هذا العام ولم يتجاوز مبلغ 400 ريال حسبما أخبرنا به زملاؤنا في المكاتب التي تتعامل مع استخراج التأشيرات، وهذا سعر جيد مقارنة مع سعر السنة الماضية الذي وصل إلى 1000 ريال.