«مهرجان مسقط» يحاكي قصة شعب متشبث بتراثه وأصالته

alarab
محليات 06 فبراير 2017 , 01:41ص
اسماعيل طلاي
أيام قلائل ويسدل الستار على أضخم مهرجان ثقافي تراثي سياحي تحتضنه العاصمة العمانية مسقط، أكثر من 90 ألف زائر خلال عطلة نهاية الأسبوع الثاني من عمر المهرجان فقط! رقم قياسي لحدث سياحي عالمي من قلب الخليج بات في قناعة العمانيين «احتفالا وطنيا» بامتياز، يترقبونه سنويا، ولا يقل شأنا عن تعلقهم باحتفالات اليوم الوطني للسلطنة.
«العرب» وبدعوة من وزارة الإعلام بـ سلطنة عمان، وقفت شاهدة على قصة شعب «هادئ» لم تغره الحداثة، ولم ينسه عشقه للعصرنة والموضة، تعلقه بأصالته وتراثه، وعبر هذه السطور نرصد لكم مشاهد وصورا فسيفسائية لإبداعات الرجل والمرأة العمانيين، وفقرات فنية وتراثية زينت مهرجانا، نجحت «بلدية مسقط» على مدار 17 عاما منذ انطلاقه، في تحويله إلى أهم وأبرز مهرجان سياحي تراثي وثقافي وطني، يستقطب آلاف السياح، وتراهن عليه السلطنة، ليكون رافدا أساسيا للاقتصاد الوطني، ضمن استراتيجية وطنية لتطوير قطاع السياحة.

مبدعون تحت الأضواء
كان لافتا في جولتنا بمتنزهي «العامرات العام» و «النسيم» ذلك التنظيم المحكم، وسواعد الشباب العمانيين المتحمسين لإدارة فصول المهرجان، ونخبة من الصحافيين والإعلاميين المميزين الذين يتحركون كخلية نحل طيلة أيام المهرجان لتغطية مختلف فعالياته، وإبراز التنوع الثقافي والتراثي، وتخصيص مقابلات لأفضل المبدعين، وبخاصة هؤلاء الفنانين الذين يبدعون بعيدا عن الأضواء، وتنتج أناملهم تحفا فنية رائعة تحتاج من يسلط الأضواء عليها لتجد عناية أكبر من المسؤولين في الدولة.
ولأن كل مواطن عماني يؤمن بأن المهرجان هو رسالة وواجب يؤديه للتعريف بوطنه، فلا عجب أن تجد قوافل المنظمين مرابطة إلى ساعة متأخرة من الليل لتوفير أدنى الخدمات والسهر على راحة وأمن الجماهير المتدفقة، وصحفا وقنوات تلفزيونية تنقل بالصوت والصورة والكلمة قصة شعب «هادئ» لم تغره الحداثة، ولم ينسه عشقه للعصرنة والموضة، تعلق الشعب العماني بأصالته وتراثه. قصص كانت عين الإعلام تنقل تفاصيلها في تقارير صحافية وبرامج تلفزيونية مباشرة، وندوات حوارية حية، عبر تلفزيون عمان وقنوات إعلامية أخرى. وكانت «العرب» ضيفا على برنامج «هلا عمان» للحديث عن جمالية المهرجان وتنوعه وكيفية المساهمة في نقل هذا المشهد التراثي الرائع للمواطن القطري، ضمن رسالة خليجية مفادها: «خليجنا واحد.. وسلطنة عمان ترحب بإخواننا القطريين ضيوفا أعزاء بمهرجان مسقط».

«متنزه النسيم».. فضاء أسري بامتياز
كانت لـ «العرب» جولة في متنزه النسيم الممتد في ضواحي العاصمة العمانية الذي انفرد عن «متنزه العامرات» باستقطاب جمهور غفير جدا، ومشاركات دولية متنوعة، بفضل مساحته الكبرى وتنوع الأنشطة الثقافية والتعليمية والرياضية والترفيهية التي يحتضنها «متنزه النسيم»، إلى جانب معرض التسوق وبيع المنتجات الاستهلاكية التي شهدت إقبالا كثيفا جدا، بخاصة في إجازة نهاية الأسبوع بفضل ما تقدمه من عروض وأسعار مغرية، وعروض منوعة لمنتجات من دول مختلفة، أبرزها الهند واليمن وسوريا وإفريقيا وبلدان عربية وأجنبية أخرى، فضلا عن المنتجات العمانية.
نجح القائمون على «متنزه النسيم» في تقديم فسيفساء جميلة من الثقافات العربية والأجنبية، فكان حضور الفرق الفلكلورية الروسية لافتا، إلى جانب عديد الفنانين من دول إفريقية وغربية، بينما اختارت إدارة المهرجان أن تكون الحفلات الفنية الغنائية حكرا للفنانين العمانيين هذا العام، تشجيعا للمواهب المحلية التي تجد في مهرجان مسقط فرصة للقاء جماهيرها، وتقديم أفضل الأغاني الوطنية والتراثية، وآخر إبداعاتها الفنية.

«متنزه العامرات».. بيت التراث والأصالة
أصابت بلدية مسقط حينما اختارت تركيز فعاليات المهرجان في منطقتين من العاصمة فقط هما «متنزه العامرات العام» و «متنزه النسيم»، والحق أننا تفاجأنا للوهلة الأولى بقرار حصر المهرجان في منطقتين دون سواها من ربوع العاصمة مسقط، لكن سرعان ما انكشفت خيوط الدهشة لتتحول تقديرا لحنكة المنظمين! فلم يكن «سوء التنظيم» أو «ضيق المساحة» هاجسا أبدا، ذلك أن المساحة التي خصصت لاحتضان فعاليات المهرجان بالمنطقتين شاسعة للغاية، بل إن «متنزه العامرات العام» الذي زارته «العرب» تحول إلى قرية تراثية متكاملة تدفق عليها مئات الفنانين العمانيين للتنافس على عرض أبرز منتجاتهم التراثية والثقافية التي تحاكي قصة السلطنة عبر مئات السنين، فينتابك شعور بالانبهار لهؤلاء العمانيين الذين يملكون في بيوتهم كنوزا تراثية، جاؤوا لعرضها عبر أرجاء متنزه العامرات الفسيح، الذي تزين بفسيفساء ثرية من الموروث العماني الشعبي والتراث.
يضم متنزه العامرات العام باقة متنوعة من الفعاليات المختلفة مثل القرية التراثية العمانية التي تعنى بتجسيد وإبراز الموروث العماني الشعبي والتراث والمكونة من أركان عديدة يعرض فيها مختلف الفنون الشعبية والأعمال التراثية التي تبرز ما تتمتع به السلطنة من موروث شعبي، بالإضافة إلى الآثار التاريخية والمصنوعات الحرفية والفنون والألعاب الشعبية والسوق الشعبي في القرية وإلى جانب المعرض الاستهلاكي التجاري الذي يضم سلع ومعروضات متنوعة من مختلف الجنسيات وبمشاركة من أصحاب المشاريع الصغيرة الوطنية.
وعلى الرغم من ضعف إقبال مشاركة الدول الأجنبية في طبعة 2017، إلا أن إقبال العمانيين لم يخف، بل استوقفتنا قوافل المواطنين والمقيمين من مختلف الجنسيات، ممن جاؤوا لاكتشاف كنوز تراثية بديعة، طيلة أيام الأسبوع. وكان لافتا تنافس اهتمام المواطنين العمانيين بتراثهم، حينما يستوقفك منظر شباب من مختلف الأعمار، يحملون كاميراتهم الخاصة لالتقاط صور تذكارية مع تحف تراثية، وتجهيزات، وأدوات تقليدية، ربما لم تعد اليوم متوفرة في بيوت العمانيين جميعا، بفعل العصرنة والتطور، لكن إقبالهم اليوم عليها يشعرهم بالحنين إليها، مشهد يلخصه صديقي العماني قائلا: «نحن تأثرنا كثيرا بفكر جلالة السلطان قابوس الذي يحرص دوما على الحفاظ على التراث العماني، الأمر الذي يمكنك أن تلمسه وتراه بعينك في العمران، والعادات والتقاليد، وحتى بيوت العمانيين الفاخرة».

مهرجان «الشعب» يقاوم الأزمة الاقتصادية

على خلاف العديد من المهرجانات العربية والدولية التي انطفأ بريقها فجأة أو تم تقزيمها، فإن اللافت في مهرجان «مسقط» الذي احتفل هذا العام بطبعته الـ17 ونجح في انتزاع لقب «المهرجان الأقرب لقلوب العمانيين» يرى الكثير من العمانيين الذين تحدثت «العرب» إليهم أن أحد أسرار نجاح «مهرجان مسقط» يكمن في «شعبيته» وقربه للناس، خلافا لمهرجانات دولية تقام في عواصم عالمية مختلفة وتحاط بهالة إعلامية ضخمة، وحضور رسمي ودولي يفقدها نكهتها الشعبية وتعلق عامة الناس بها!
ولد «مهرجان مسقط» بفكرة إبداعية لبلدية مسقط التي رفعت التحدي، وكسبت الرهان بتنظيم هذا المهرجان الذي أضحى اليوم، أبرز مهرجان سياحي تراثي في سلطنة عمان، ينتظره أهل السلطنة سنويا، مواطنين ومقيمين، لإضفاء نكهة ترفيهية، تزامنا وإجازة الشتاء.
وعلى خلاف العديد من المهرجانات العربية والعالمية التي ألغيت في عواصم عالمية مختلفة، بداعي «التقشف» والأزمة الاقتصادية التي ضربت اقتصاديات الدول، كان إصرار «بلدية مسقط»، ومن ورائها الجهات الحكومية في سلطة عمان «ثابتا» على إقامة المهرجان في موعده السنوي، لما أبانه الجمهور العماني من تعلق بفعالياته، بل إنه أضحى اليوم، أبرز حدث سياحي، يستقطب سياحا من مختلف الدول، ومنهم من يبرمج إجازته الأسبوعية، أو إجازة فصل الشتاء لأجل حضور فعاليات المهرجان، في أجواء مناخية جميلة، تعم السلطنة خلال هذه الفترة من كل عام.

17 طبعة مميزة للمهرجان
أعطيت إشارة انطلاق فعاليات مهرجان مسقط 2017، تحت شعار «لنحتفل بعمان»، ويستمر في دورته الـ17 لغاية 11 فبراير الجاري، إذ تشكل هذه الفعالية السنوية فرصة للسلطنة لجذب السياحة وتعزيزها. كما يعول المسؤولون العمانيون على قيام المهرجان بإبراز الجانب التراثي لعمان وإنجازاتها في التنمية، وكذلك تكريس مكانتها في استقطاب مختلف الثقافات العالمية ما يعكس تجانسا حضاريا على الأرض العمانية. ويضم مهرجان مسقط فعاليات رياضية وفنية وتعليمية وترفيهية واقتصادية ما يجعله وجهة مطلوبة وملبية لرغبات مختلفة. وأكد رئيس بلدية مسقط ورئيس اللجنة الرئيسية المنظمة المهندس محسن بن محمد الشيخ أن المهرجان أفرد مساحة ملائمة للأسر المنتجة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الواعدة للمشاركة والاستفادة من معطيات هذا الحدث، تأكيدا لرغبة السلطنة في تعزيز القطاع الخاص. كما يضم المهرجان صورا من الآثار التاريخية والصناعات الحرفية والفنون والأسواق الشعبية، فضلا عن المعرض التجاري الذي يقدم سلعا تنتمي إلى جنسيات مختلفة. إلى جانب فعاليات ثقافية وندوات أدبية وشعرية وملتقى للمصورات من دول الخليج العربية، وفعالية فنية بالتعاون مع دار الأوبرا السلطانية.

91 ألف زائر خلال عطلة نهاية الأسبوع
لأن لغة الأرقام أبلغ دليل، فقد أعلنت إدارة المهرجان أن مواقع فعاليات مهرجان مسقط شهدت تدفقا جماهيريا حاشدا من شتى الجنسيات والأعمار لمتابعة الفعاليات والأنشطة، وبلغ أعداد زوار مهرجان مسقط 2017 الذين ارتادوا مواقع فعاليات المهرجان خلال إجازة نهاية الأسبوع فقط، في كل من متنزه النسيم العام ومتنزه العامرات العام حوالي 91591 زائرا في كلا الموقعين. وقد توزع الزوار على مواقع المهرجان حيث بلغ عددهم في متنزه العامرات العام يوم الخميس 13104 زوار، وبلغ عددهم يوم الجمعة 24809 زوار، فيما بلغ عددهم في متنزه النسيم العام يوم الخميس 17990 زائرا، وبلغ مجموع الزوار يوم الجمعة في الموقع نفسه 35688 زائرا. وعزا القائمون على المهرجان الإقبال الجماهيري اللافت «إلى ما يقدمه المهرجان من فعاليات متجددة ومتنوعة في مجالات التراث والثقافة والفنون والترفيه والرياضة والتي ترضي أذواق جميع فئات المجتمع من المواطنين والمقيمين والزوار من خارج السلطنة».