وصلت الأوضاع المالية في الاقتصادات المتقدمة إلى أقصى درجات التشديد منذ تفشي جائحة كوفيد. ويعتبر مؤشر الأوضاع المالية دليلاً جيداً في هذا الصدد، فهو يوفر معلومات عن أسعار الفائدة قصيرة وطويلة الأجل وهوامش الائتمان، وبالتالي فإنه يلخص تكاليف الائتمان في النظام المالي. وقد بدأ هذا المؤشر في التصاعد بوتيرة ثابتة في مطلع عام 2022، وظل مرتفعاً منذ نهاية العام الماضي.
إلى جانب ارتفاع تكاليف الائتمان، أصبح توافر الائتمان محدوداً بشكل متزايد، كما أصبحت شروط الإقراض المطبقة من قبل البنوك التجارية في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو أكثر صرامة منذ النصف الثاني من العام الماضي. في منطقة اليورو، وصلت وتيرة التشديد إلى أعلى مستوياتها منذ أزمة الديون السيادية في عام 2011.
ويضيف التقرير الأسبوعي لمجموعة QNB: ويؤدي هذا الأمر إلى تزايد معدلات رفض طلبات القروض، وانخفاض حجم الائتمان الممنوح للشركات والأسر.
في رأينا، ستستمر الأوضاع المالية المشددة من حيث ارتفاع تكاليف الائتمان ومدى توفره حتى العام المقبل. وسنناقش في هذه المقالة العوامل الرئيسية الثلاثة التي تدعم تحليلنا.
أولاً، لن تتراجع البنوك المركزية في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو عن دورات زيادة أسعار الفائدة في المستقبل القريب. في الولايات المتحدة، رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة الرئيسية بواقع 500 نقطة أساس حتى الآن منذ مارس من العام الماضي، في حين رفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة الرئيسية بمقدار 375 نقطة أساس منذ يونيو. لكن مقاييس التضخم الأساسي لا تزال مرتفعة، ولا تزال الضغوط المرتبطة بضيق سوق العمل مستمرة.
ثانياً، تعمل البنوك المركزية على إلغاء إجراءات توسيع الميزانيات العمومية التي تم اتخاذها خلال جائحة كوفيد - 19، الأمر الذي سيزيد من محدودية الائتمان. قدمت هذه البرامج الدعم النقدي من خلال مجموعة من برامج شراء الأصول والتسهيلات الائتمانية، والتي تم إطلاقها لتعزيز تدفقات الائتمان وتسيير أعمال الأسواق المالية. في منطقة اليورو، شهد يوليو 2022 نهاية مشتريات الأصول الصافية للبنك المركزي الأوروبي، وفي مارس 2023 تحولت السياسة من إعادة الاستثمار الكامل إلى إعادة الاستثمار الجزئي للمبالغ الأساسية بعد عمليات الاسترداد، .
ثالثاً، أدى انهيار 3 بنوك إقليمية في الولايات المتحدة (سيليكون فالي، وسيغنيتشر، وفيرست ريبابليك) وبنك كريدي سويس في أوروبا إلى إثارة المخاوف بشأن قوة المؤسسات المالية، وتسبب في استنزاف الودائع. في الولايات المتحدة، تنتقل الودائع المصرفية بشكل ملحوظ من البنوك إلى صناديق أسواق المال بحثاً عن الأمان والعوائد التي توفرها سندات الخزانة.