

تنطلق صباح الخميس المقبل فعاليات الدورة الرابعة والثلاثين لمعرض الدوحة الدولي للكتاب، وسط أجواء ثقافية نابضة تعيشها الدوحة بمشاركة 522 دار نشر من 43 دولة وبحضور متميز من الناشرين الفلسطينيين حيث تحل فلسطين ضيف شرف هذه الدورة في دلالة واضحة على تأكيد دولة قطر على أهمية الحفاظ على دعم القضية الفلسطينية لتبقى حاضرة في الوجدان العالمي من خلال المقاومة بالفكر والقلم قبل كل شيء تأكيدا على حقها في البقاء وفي إقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
ويواصل معرض الدوحة الدولي للكتاب هذا العام أداء دوره الرائد كمنصة حضارية ومهرجان ثقافي عالمي، لا يقتصر على بيع الكتب فحسب، بل يتجاوز ذلك ليكون ملتقىً فكريًا يعكس هوية المجتمع وانفتاحه على العالم وفي هذا الصدد استضاف المعرض رموز الابداع والفكر في الوطن العربي فكان منارة للفكر والحوار الثقافي البناء.
فمنذ انطلاقة المعرض عام 1972، لم يكن معرض الدوحة مجرد سوق لتداول الكتب، بل جسّد مشروعًا ثقافيًا طويل الأمد، أسهم في ترسيخ القراءة كعادة مجتمعية، وفي دعم صناعة النشر محليا وعربيا، وفتح آفاق الحوار والتلاقح الفكري بين الشرق والغرب، وبين مختلف التيارات الفكرية.
ويعتبر معرض الدوحة الدولي للكتاب رابع معرض عربي بعد معارض بيروت والقاهرة وبغداد، ثم جاء من بعده معرض الكويت ثم باقي المعارض العربية، ولقد جاء تنظيم معرض الدوحة للكتاب بعد طلب من اللجنة الوطنية القطرية للتربية والثقافة والعلوم التابعة لليونسكو بتسهيل تداول الكتاب العربي فتمت الموافقة على تنظيم المعرض والذي شارك فيه عدد من الدول العربية و20 دار نشر وقتها، بالإضافة إلى اليونسكو.
وقد أقيمت النسخة الثانية من المعرض تمت في عام 1977 ثم النسخة الثالثة في عام 1980، فيما بين هاتين النسختين عدة معارض في قطر مثل معرض كتاب الطفل ومعرض الكتاب الإسلامي، ليقام بعد ذلك كل عامين. وقد كان المعرض كان تابعا لوزارة التربية والعليم آنذاك حتى تأسس المجلس الوطني للثقافة والفنون عام 1998، ثم بدأ يقام سنويا منذ عام 2002. وقد تطور المعرض من بداياته الأولى التي كانت تحت إشراف دار الكتب القطرية، إلى أن أصبح اليوم من أعرق معارض الكتب في المنطقة، تشرف عليه وزارة الثقافة، ويستقطب سنويًا مئات الناشرين من مختلف القارات.
ولطالما تميز المعرض ببرامجه الثقافية المصاحبة، التي تشمل ندوات فكرية وأمسيات شعرية وورش عمل، فضلًا عن توقيع الكتب والحوارات المفتوحة مع المؤلفين، ما حوله إلى تظاهرة فكرية متكاملة. كما كان له دور محوري في اكتشاف المواهب الأدبية القطرية ودعمها، وتقديمها للقارئ العربي عبر منصات النشر والمشاركة.
كما كان المعرض محطة انطلاقة جديدة في مجال صناعة النشر في قطر حيث ظهرت دور النشر القطرية منذ نحو 10 سنوات لتبدأ بخمس دور نشر ليتطور الأمر إلى أن يتجاوز 20 دار نشر ومكتبة قطرية؛ منها المعني بالمعارف والفنون المختلفة ومنها الأكاديمي إلى جانب المتخصص في نشر كتاب الطفل لتكون منظومة النشر في قطر متوافقة منم التقدم الثقافي الذي تشهده الدولة في مختلف مجالات المعرفة.
ضيف الشرف
ودأب معرض الدوحة الدولي للكتاب فيما بعد على اختيار إحدى الدول لتكون ضيف الشرف وكانت البداية مع الولايات المتحدة الأمريكية ثم تركيا، ايران، اليابان، بريطانيا،ألمانيا، روسيا، فرنسا، المملكة العربية السعودية، سلطنة عمان وتحل دولة فلسطين ضيف الشرف للمعرض في دورته الرابعة والثلاثين.. ويقام المعرض هذا العام تحت شعار “من النقش إلى الكتابة» ليظهر هذا الشعار اهتمام الحضارة العربية والإسلامية كونها حضارة قراءة وكتابة، مُبدّدة بذلك القول بسيادة الثقافة الشفاهية وضعف التدوين، فقد عُرف العرب والمسلمون على اختلاف العصور بانشغالهم بفنون الكتابة مهتدين في ذلك بقوله تعالى: «ن والقلم وما يسطرون « [ القلم: 1]، فكانت صناعة «القلم» من أفضل الصنائع الشريفة لديهم، فاهتموا بأدوات الكتابة على أنواعها، وعكفوا على التأليف في صنوف العلم والمعرفة من علوم الدين إلى علوم الطبيعة والإنسان، والآداب والفنون، وأمدّوا الحضارة الإنسانية بما قامت عليه نهضتها وتقدمها.
ويعكس شعار المعرض هذا العام “من النقش إلى الكتابة” عمق الوعي بتاريخ الكلمة والكتابة العربية، ودورها في بناء الحضارة. إذ لا يكتفي المعرض بعرض الكتب، بل يفتح نافذة على جذور الثقافة، ويوجه بوصلته نحو المستقبل، مجسدًا الرؤية الثقافية لدولة قطر التي تسعى إلى جعل الثقافة أداة للتنمية والتواصل الإنساني. ففي كل دورة، يؤكد معرض الدوحة الدولي للكتاب أن الثقافة ليست ترفًا، بل هي نبض الشعوب وروح التقدم، وهو ما يجعله أكثر من حدث سنوي، بل تقليد راسخ في الوعي الجمعي للمجتمع القطري والعربي.