أصدرت إدارة التراث والهوية بوزارة الثقافة أمس الثلاثاء تعميمًا إلى جميع الفرق الشعبية المعنية بفن العرضة القطرية، وذلك في إطار حرص الوزارة على الحفاظ على أصالة العرضة القطرية ومكانتها الثقافية، ودعماً لجهود تطوير الأداء التراثي بما يليق بهويته ورمزيته الوطنية، دعت فيه إلى الالتزام التام بالشروط والمعايير الواردة في لائحة تنظيم فرق فن العرضة، والمتمثلة في: الالتزام بالزي الوطني الرسمي المعتمد، استخدام الطبول والدفوف وفق النمط التقليدي المتعارف عليه في قطر، التقيد بالحركات والإيقاعات الأصيلة المرتبطة بالعرضة القطرية.
ويشمل القرار الاقتصار على الشيلات التراثية القطرية فقط، وعدم استخدام أسلوب “النزاع” أو المطرب المنفرد في أداء الشيلة، منع استخدام السيوف داخل الصف أثناء الأداء.
وشدّد التعميم على أن أي مخالفة لهذه البنود ستقابل بإجراءات حازمة تشمل: توجيه إنذار كتابي رسمي للفرقة المخالفة، وإيقاف ترخيص الفرقة عن ممارسة النشاط الفني حتى إشعار آخر. من جانبهم ثمّن خبراء وباحثون في التراث الشعبي القرار الصادر بشأن ضرورة التزام الفرق الشعبية بالضوابط والمعايير الأصيلة لفن العرضة القطرية.
وأكدوا في تصريحات خاصة لـ العرب أن القرار جاء في وقته المناسب وفي المسار الصحيح لوضع حد للتشوهات والممارسات غير اللائقة التي طالت هذا الفن العريق خلال السنوات الأخيرة، خصوصًا في قاعات الأفراح.
صالح غريب: حماية للهوية وتقدير للتراث
قال صالح غريب الإعلامي والباحث في التراث إن القرار الصادر عن وزارة الثقافة، ممثلة في إدارة التراث والهوية، يعكس وعيًا مؤسسيًا متقدمًا بضرورة صيانة الهوية القطرية من الممارسات الدخيلة التي بدأت تتسلل إلى الفنون الشعبية، وعلى رأسها العرضة القطرية، أحد أهم رموز الفخر الوطني والكرامة.
وأضاف: رصدنا في السنوات الأخيرة تجاوزات واضحة في أداء العرضة، خصوصًا خلال المناسبات الاجتماعية والأفراح، حيث أصبحت بعض العروض تفتقر إلى الرصانة والالتزام، سواء من حيث الإيقاعات أو طريقة أداء الشيلات، وحتى من حيث استخدام ألفاظ لا تمت إلى التراث بأي صلة. بعض المشاركين، من باب التسلية أو لفت الانتباه، يستخدمون تعبيرات غير لائقة أو يؤدون العرضة فيها نوع من « الاستهبال»، وهو ما يضر بالهوية الثقافية أكثر مما يُبهج.
وتابع، ان القرار الذي أصدرته إدارة التراث والهوية برئاسة الشيخة نجلا بنت فيصل آل ثاني، لا يضبط فقط الأداء الفني، بل يؤسس أيضًا لمسؤولية ثقافية تجاه التراث، كما أنه بمثابة رسالة واضحة بأن فن العرضة ليس متروكًا للارتجال، بل هو ممارسة محكومة بأصول ومعايير راسخة يجب احترامها. كما أنه يضع الفرق الشعبية أمام مسؤولية أكبر في تمثيل هذا الفن بما يليق بتاريخه وبمكانته الوطنية.
عتيق السليطي: إعادة اعتبار بعد سنوات من العشوائية
أعرب عتيق السليطي الباحث في التراث عبّر عن ارتياحه الكبير للقرار، واعتبره “خطوة تصحيحية طال انتظارها”، وأكد أن القرار يعيد الاعتبار لفن أصيل كان عرضة لحالة من العشوائية في الأداء، خصوصًا من قبل بعض أفراد الجيل الجديد المتحمسين، ولكن غير الملمين بطقوس العرضة وأدبياتها. العرضة ليست غناءً شعبياً عابراً، إنها موقف، وشرف، وانتماء، وأداء جماعي له هندسة وتوازن وحضور لا يمكن التلاعب به”.
وأضاف السليطي: “من المؤسف أن نرى بعض شعراء الفرق وقد تحولوا إلى مطربين يعلو صوتهم على الصف، مما يخلّ بالتوازن الجمالي والمعنوي للعرضة. في السابق، كان الشاعر يتنقل بين الصفوف، يلقي الشطر الأول بصوته الطبيعي دون تلحين، ويقوم الصفان بالرد، وهكذا تستمر الشيلة في نسق تراثي جميل ومحترف. وعبر عن أمله في أن يكون هذا القرار بداية لوضع دليل توجيهي مصور ومكتوب، يتم تدريسه أو توزيعه على الفرق، لضمان أن العرضة تبقى كما كانت: مرآةً للفروسية القطرية.
فيصل التميمي: الدولة واعية بحماية عناصر تراثنا
حذّر الفنان والباحث المتخصص في الفنون الشعبية فيصل التميمي من خطورة ما سماه “تغريب الأداء الفني في قطر”، مشيرًا إلى أن “بعض الفرق والأفراد، بحسن نية أحيانًا، نقلوا العرضة من كونها فنًا عميقًا نابعًا من البيئة القطرية إلى استعراض غنائي قد لا يختلف عن أي فقرة ترفيهية عابرة”.
وقال التميمي: “العرضة فن لا يجوز اللعب به، لأنه أحد الأعمدة الثقافية التي تُعبر عن هوية الإنسان القطري، تاريخيًا ومعنويًا. الخطأ في تأديته لا يُفقده قيمته فقط، بل يُرسّخ صورة خاطئة عند الآخرين، خصوصًا أن هناك غير قطريين يحضرون هذه المناسبات، وقد يأخذون انطباعات غير دقيقة عن تراثنا. لذلك فإن التدخل من وزارة الثقافة عبر هذا التعميم يُعد صائبًا في توقيته، وضروريًا من حيث مضمونه”.
وأكد أن القرار “يضع حدًا للممارسات العشوائية أو العبثية، ويعيد الثقة بأن الدولة واعية لحماية عناصر تراثها، ولن تتركها للارتجال أو التشويه غير المقصود”.
وختم بالقول: نحتاج إلى خطوات تكميلية لاحقة، منها تنظيم ورش لتأهيل الفرق، وربما مبادرة وطنية لتوثيق العرضة القطرية بالصوت والصورة، وتقديمها للعالم باعتبارها فنًا تراثيًا مصونًا.
نايف مال الله: وضع حد للانفلات.. والرقابة مطلوبة
اعتبر السيد نايف مال الله، رئيس فرقة شباب المها للفنون الشعبية، أن القرار الصادر عن إدارة التراث والهوية “جاء متأخرًا، لكنه يمثل خطوة حاسمة طال انتظارها”، مضيفًا: “نحن كفرق شعبية نعاني منذ سنوات من حالة من الانفلات في أداء العرضة القطرية، سواء من بعض الأفراد أو حتى بعض الفرق التي ابتعدت عن روح الفن الأصيل، نتيجة غزو ثقافي، حيث وجدنا بعض الفرق التي تعتبر الموضوع مصدرا للرزق لأنه ليس من موروثهم.وأوضح أن الفرق الشعبية الجادة تطالب منذ فترة طويلة بتدخل رسمي، يضع حداً للمخالفات التي شوهت صورة العرضة أمام الناس، مشيرًا إلى أن بعض المخالفين كانوا يحاولون تمرير الأداء المبتدع باعتباره تطويرًا، بينما هو خروج عن السياق التراثي والموسيقي والأخلاقي للفن”.وأكد أن القرار ينصف الفرق التي التزمت طيلة السنوات الماضية بالهوية القطرية، وحافظت على خصوصية العرضة، ويشكل في الوقت ذاته تحذيرًا صارمًا لكل من يحاول العبث بهذا الفن، داعيا إلى أن يتبع هذا التعميم خطوات أخرى مثل تشكيل لجان تقييم مستقلة تراقب أداء الفرق.
سلمى النعيمي: مطلوب مظلة حماية أكاديمية
قالت السيدة سلمى النعيمي مستشار ثقافي في المؤسسة العامة للحي الثقافي «كتارا» إن قرار إدارة التراث بوزارة الثقافة مهم وإن جاء متأخرا لما يعانيه تراثنا الغنائي في دولة قطر من اندثار وتشويه وبحكم كوني باحثة في مجال التراث الغنائي وصاحبة مشروع في هذا المجال تواصلت مع عدد من الجهات الثقافية بما فيها كتارا ووزارة الثقافة للعمل على الحفاظ على تراثنا الغنائي ولكن لم أجد التعاون الكافي.
وأضافت أن الجهود في حماية التراث مبعثرة وتحتاج إلى مظلة علمية أكاديمية حقيقية تحتويها وتحافظ عليها، فلا ينبغي التعامل مع التراث كمواد ترفيهية وتسلية في المحافل المحلية والدولية لأن هذا يهدد تراثنا.وطالبت النعيمي المؤسسات الثقافية في الدولة بتحمل المسؤولية دائما والتصدي لأية محاولات لتشويه الفنون الشعبية وتراثنا الغنائي.