أول يوم صيام: كنت في الصف الرابع وإحساس الجوع والعطش شديد... وكانت والدتي تحاول إلهائي بمساعدتها في المطبخ
لا أنسى ليلة القرنقعوه والاحتفال الترفيهي الذي كنا نتوج به جهودنا في الصيام
التوزيعات حالياً في «القرنقعوه» مبالغ فيها... وتوزيعات زمان وأكياسه على بساطتها كانت أكثر بهجة
صباح العيد كنا ننتظر زيارة الأعمام والأخوال... أما العصر فنتفرغ لـ «تسيورة الحريم»
هذا اللقاء مع روضة القبيسي، خبيرة التنمية البشرية وتطوير الذات، مختلف عن حواراتها السابقة التي تتمحور كلها حول مجالات عملها.
لكنها هنا تستعيد ذكرياتها مع رمضان في طفولتها ومرحلة الصبا، وكيف تغيرت العادات والتقاليد التي كانت تشكل تلك الذكريات في هذا الشهر الكريم الذي حل هذا العام على قطر ومختلف أرجاء العالم الإسلامي في ظل متغيرات كثيرة فرضها تفشي فيروس كورونا وتدابير الحد منه.
تقول روضة لـ «العرب»: إن للشهر الفضيل طعماً مختلفاً في قطر كمثيلاتها في العالم الإسلامي، فله طقوسه الخاصة على جميع الأصعدة، وخصوصاً الاجتماعية والثقافية، فقبل أيام من حلول الشهر الفضيل، تتزين الأسواق، فيما كانت العائلات -قبل وباء كورونا- تفتح مجالسها طوال الشهر الكريم لاستقبال الضيوف والأقارب وتبادل الزيارات الرمضانية، كما تتزين موائد الإفطار القطرية بأهم الأطعمة التراثية، من الثريد والهريس والخبيص والخرفوش والمرقوق والبرنيوش وكبسة اللحم أو الدجاج أو السمك.
وعن ذكرياتها خلال رمضان، تقول روضة: بعض ما أحفظه في ذاكرتي من رمضانات الطفولة، تلك العادات والطقوس بعد السحور الخفيف الذي تحرص العائلة على أن يحتوي على التمر والماء، نقوم بالصلاة ثم قراءة القرآن لمدة قصيرة ثم ننام ونفيق قبل مواعيد المدرسة أو الأعمال، وما زلت أذكر عندما كنت أعود من مدرستي فتحثني والدتي على قراءة القرآن، ثم أدخل المطبخ لمساعدتها في بعض الأطباق السهلة والبسيطة مثل الشوربات والسلطات أو بعض الحلويات وإعداد المائدة وترتيبها.
وتضيف: وبعد صلاة المغرب تجتمع العائلة على مائدة الإفطار إلى أن يحين وقت صلاة العشاء والتراويح، وكنا ساعتها نقوم بالتجهز والتعطر والتبخر والتوجه لمصليات النساء لأداء صلاة الفرض والتراويح، وكنا دوماً نحرص على تغيير المساجد وأداء الصلاة كل مرة في مسجد مختلف، وذلك لنتلاقى مع أكبر عدد ممكن من المعارف ووصلهم، وأذكر حين كان والدي يأخذ عوداً من البيت ليبخر المسجد، وكان يبتغي من ذلك أن ينال ثواب تعطير المسجد للمصلين.
«قرنقعوه»
تواصل روضة: لا أنسى ليلة القرنقعوه وتلك الطقوس التي كنا نعيشها بكل سعادة في طفولتنا، ففي اليوم الرابع عشر من شهر الصيام، يحتفل المجتمع ككل في قطر بليلة «القرنقعوه»، وهي بمثابة الاحتفال الترفيهي الذي يتوج جهود هؤلاء الأطفال في الصيام خلال الشهر الفضيل، وتشتق هذه الكلمة من العبارة الخليجية «قارا»، التي تعني صوت طرق الأشياء مع بعضها البعض، ويرتدي الأطفال ملابسهم التقليدية مباشرة بعد الإفطار وصلاة المغرب، ويحملون أكياساً ملونة عادة ما تكون من القماش، ثم ينطلقون في جولة في الأحياء المجاورة ويغنون أغنية القرنقعوه ويضربون حجرين ببعض لخلق إيقاع مميز.
وفي الماضي، كان الأهالي -والكلام ما زال على لسان روضة- يقدمون التمر والأرز والقمح والمكونات المستخدمة للطبق القطري التقليدي المسمى «الهريس»، أما في الوقت الحالي فيقدم للأطفال المكسرات والحلويات، وما زلت أذكر كيف كانت جدتي تملأ «خيشتها» بالمكسرات والحلويات، وتوزع علينا في أكياسنا مما جادت به خيشتها، وكنا ندور على بيوت الجيران رفقة أبناء عمومتنا و»نقرقع» مع بعض، أما حالياً فالاحتفالات صارت بسيطة تفتقر للبهجة وبساطة الماضي، فهي تقتصر على أقرب المقربين وأهل البيت فقط، ورغم أننا ما زلنا نلبس أحلى الثياب، ونسمع الأغاني والأناشيد الخاصة بهذه المناسبة، ونقوم بتوزيع التوزيعات الخاصة بهذا اليوم، حيث نقوم بالتوجه إلى المساجد وانتظار خروج المصلين لإعطائهم أكياس «القرنقعوه»، فإن الاحتفالات بسيطة مقارنة ببهجة الماضي.
تضيف: قديماً كانت النساء خصوصاً الكبيرات في العمر، يقمن بزيارة بيوت أبنائهن من الكبير إلى الصغير، ونحن الأطفال نتباهى بأكياسنا، وبكثرة ما جمعناه من مكسرات وحلويات، ورغم أن التوزيعات حالياً مبالغ فيها من ناحية الديكور والزينة والكميات، فإن توزيعات الماضي وأكياسه على بساطتها كانت تبهجنا أكثر.
العشر الأواخر مختلفة
وعن العشر الأواخر من رمضان توضح: لشهر رمضان كاملاً رونق خاص ولذة لا يعرفها إلا الصائمون القائمون، لكن العشر الأواخر مختلفة، ففيها تزيد لذة وحلاوة العبادات والطاعات، وكنا نحرص على قضاء العشر الأواخر في بيت الله قاصدين أداء العمرة، ونعيش أجواء الروحانيات الخالصة والمخلصة، إضافة إلى تحري ليلة القدر التي كنا نسمع قصصها من الكبار، حيث يخبروننا عن فضل هذه الليلة على سائر الأيام، وكيف يمكن أن نغتنم هذه الفرصة لتحصيل الأجر والثواب وفي الدعاء، إضافة إلى قيام ليالي رمضان، التي كنا نعيش من خلالها صفاء لا نعرفه طيلة أيام السنة.
أجواء العيد
عن العيد وأجوائه، تقول روضة القبيسي: فرحة العيد هي الفرحة الكبرى بالنسبة للصائمين وللأطفال، صباح العيد مخصص للرجال، ننتظر نحن النساء في البيوت زيارة الأعمام والأخوال الذين يأتون لزيارتنا في البيت، أما العصر فنسميها عندنا ما يُعرف بـ «تسيورة الحريم»، حيث نقوم نحن النساء بزيارة الأهل والصديقات، ومعايدتهن ونلتقي في بيت الجدة، ومنه نقرر إلى أين سنذهب، ثم تصبح تلك الزيارات عادات تتكرر في كل عيد، فنحن نعلم مسبقاً زيارات الرجال تبدأ من أي بيت وتنتهي في أي بيت، وكذلك خط سير النساء والفتيات، وما أول عائلة نزورها وما آخر عائلة.
إلى ذلك تضيف القبيسي: الاستعدادات تعتبر قيمة إنسانية واجتماعية كبيرة بين الناس، يشعرون بمدى التواصل والتهاني، ومن أهم الاستعدادات لدينا إعداد أهل البيت للحلوى والكعك والقهوة القطرية لضيافة الأهل والأصدقاء، وهذا ما يميز البيت القطري، وكنا نحس ببهجة العيد حتى قبل قدومه من خلال التجهيزات والاستعدادات، ومن خلال العيدية التي كانت تمثل بالنسبة لنا عبارة عن عيدية من الأهل والأقارب والجد والجدة، وبعد ذلك يأتي كل شيء، فهي تعتبر أهم مظاهر العيد التي تشعر الصغار بقدوم العيد وفرحته؛ لأنها من أهم العادات والتقاليد التي اعتدت عليها منذ الصغر.
عن الفرق بين الماضي والحاضر، تقول روضة القبيسي: العيد قديماً كان بسيطاً جداً، وكان جماله يكمن في بساطته، فكان يقتصر على المكسرات والكيسة، ولم تكن الزينة المبالغ فيها موجودة، لكن كانت الجمعات الجميلة والمحبة والألفة بين القلوب هي ما تشكل جمالية هذه المناسبات.
أول يوم صيام
وعن أول عهدها بالصيام، تقول روضة القبيسي: صُمْتُ لأول مرة في حياتي عندما كنت في الصف الرابع الابتدائي، وما زلت أذكر كم كان صعباً الصيام وقتها، وإحساسي بالجوع الذي كان يصعب عليّ مقاومته، صمت يومها إلى حين رجوعي من المدرسة، حيث كنت أعود عطشى جائعة، وفي أول يوم شربت الماء، وثاني يوم أكلت حلاوة، إلى أن تعودت شيئاً فشيئاً على الصيام، حينها كانت والدتي تحاول إلهائي بمساعدتها في المطبخ، لتمضية الوقت.
وتضيف: لم يكن الأمر بسيطاً وسهلاً خصوصاً في البداية، لكن بمساعدة الوالدة وبعض الصبر استطعت أن أتمكن من إتمام أول يوم لي في الصيام ليصبح بعدها الأمر عادياً.