حرمان «الصم» من التعليم الجامعي إهدار لـ «المساواة»

alarab
تحقيقات 03 فبراير 2016 , 02:02ص
امير سالم
لا يزال «الصم» محرومين من التعليم الجامعي مقارنة بباقي ذوي الاحتياجات الخاصة الآخرين الذين يحصلون على الشهادة الجامعية دون مشكلات تُذكر.. وربما يعود هذا الحرمان إلى تكاليف التعليم بهذه المرحلة التي تحتاج دعماً كبيراً يفوق القدرات المتاحة، وبحسب خبراء تحدثوا لـ «العرب» فإن هذه الفئة من المجتمع غير قادرة على الوصول إلى أهدافها في التعليم العالي من خلال المناهج الدراسية في المرحلة الابتدائية وحتى نهاية المرحلة الثانوية والتي تعادل –وفقاً للخبراء- ما يحصله طالب بالصف الخامس الابتدائي، وهو ما لا يليق بمن لديه طموح لاستكمال الدراسة الجامعية.

إن عدم حصول "الصم" على التعليم الجامعي لا يمكن قبوله أو السكوت عليه، ولا يمكن الاستكانة إلى كونه سبباً كافياً يدفع للإقرار بالأمر الواقع، وحرمان ذوي الإعاقة السمعية من حق إنساني تقره كافة الشرائع والدساتير، وهو المساواة مع الآخرين في الحقوق والواجبات، وإن التمييز حال وجوده يجب أن يكون -لهم لا عليهم- بحكم كونهم يعانون من مشكلات ليسوا سبباً فيها ويحتاجون دعماً إضافياً حتى يقدموا ما لديهم من قدرات ومواهب ويضعوها في خدمة المجتمع.

وقد أكد خبراء ومسؤولون بمجال الإعاقة السمعية أن استمرار حرمان هذه الفئة من التعليم الجامعي أمر غير مقبول ولا مبرر، وأن من واجب الجهات المعنية إيجاد حلول توفر هذا الحق الإنساني لهذه الفئة، لافتين في حديثهم مع "العرب" إلى ضرورة الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي أتاحت التعليم الجامعي لفئة "الصم"، وأن يتم ابتعاث الطلاب من ذوي الإعاقة السمعية للدراسة بالخارج للاستفادة من البرامج الموجودة هناك.

وطرح خبراء تحدثوا لـ "العرب" إمكانية إلحاق هؤلاء الطلاب بالجامعات السعودية التي تقدم برنامجاً تعليمياً جامعياً لأقرانهم من ذوي الإعاقة السمعية، وأن يتم تشكيل فريق من الخبراء للسفر إلى الدول المجاورة وغير المجاورة لدراسة تجربتها في هذا المجال وتطبيقها، وقالوا إن تكاليف تعليم ذوي الإعاقة السمعية بالمرحلة الجامعية ليست باهظة في ظل محدودية عدد هؤلاء الطلبة، وهو ما ينهي أية عقبات قد تحول دون استمرار حرمانهم من التعليم الجامعي.

ضعف المستوى التعليمي
"هذا الموضوع قُتل بحثاً على مدار سنوات مضت، ولا يوجد حتى الآن تعليم جامعي لـ "الصم" رغم وجود برامج دعم ودمج لفئات أخرى من ذوي الإعاقة.". هذا ما أشار إليه محمد البنعلي خبير لغة الإشارة ومسؤول الإعاقة السمعية بالجمعية القطرية لتأهيل ذوي ا?حتياجات الخاصة، موضحاً أن مشكلة فئة الصم أنهم ليسوا ضمن برامج وخدمات قسم الدعم بجامعة قطر؛ نظراً لأن مستوى تحصيلهم العلمي خلال مراحل التعليم ما قبل الجامعي لا يؤهلهم للانضمام إلى الجامعة.

وقال: إنه قد تم تطبيق خطة في المملكة العربية السعودية لتأهيل الصم، تشمل برنامجا تأهيليا مدته عام قبل الالتحاق بالدراسة الجامعية، وهذا البرنامج يمكن الاستعانة به للتعامل مع الصم وتأهيلهم للدراسة الجامعية"، منوهاً بأن الأصم يحتاج متطلبات خاصة وخدمات مساعدة كبيرة تعادل قسماً تعليمياً كاملاً للدعم من أجل إنجاح المهمة.

تعاون مجتمعي
ودعا البنعلي إلى ضرورة التكاتف مجتمعياً من أجل تحقيق هذه الخطوة، حتى يكون صاحب الإعاقة السمعية مؤهلاً بمجموع الدرجات لدخول الجامعة مثل باقي الأصحاء من الطلبة، لافتاً في الوقت نفسه إلى ضرورة أن تبادر جامعة قطر بتخفيف شروط القبول بالدراسة الجامعية لهذه الفئة وخفض درجات القبول بما يؤدي إلى إتاحة الفرصة أمام الطلاب من أصحاب الإعاقة السمعية للدراسة الجامعية.

وبيّن مسؤول الإعاقة السمعية بالجمعية القطرية لتأهيل المعاقين، أن الكم التعليمي للطلاب من هذه الفئة في مرحلة ما قبل التعليم الجامعي أقل بكثير من الأصحاء وغيرهم من باقي أصحاب الإعاقات الأخرى في كافة المراحل التعليمية، كاشفاً عن أن المستوى التعليمي للطالب الأصم في الشهادة الثانوية يعادل مستوى الطالب في الصف الخامس الابتدائي، قراءة وكتابة، موضحاً أن هذه المستوى لا يخص الطلبة القطريين من ذوي الإعاقة السمعية، وإنما هو مستوى عالمي يشمل كافة الحالات من الطلاب، موضحاً أن الإشارة هي اللغة الأم بالنسبة للطالب الأصم، وطرق توصيل المعلومة إليه في منتهى الصعوبة بهذه الطريقة.

التجربة السعودية
وقال البنعلي": إن الحل يكمن في ضرورة العمل على تغيير النظام التعليمي لهذه الفئة بالتنسيق بين المدرسة والمجتمع والأسرة من أجل إنجاح هذه الخطوة" منتقداً عدم وجود تعاون كبير بين هذه الأطراف، وعدم وجود حلول إيجابية حتى الآن.

وعاد ليؤكد إمكانية الاستفادة من الخبرات السعودية في هذا المجال بابتعاث الطلاب من ذوي الإعاقة السمعية للدراسة بالجامعة هناك والاستفادة من البرامج المتخصصة، موضحاً ضرورة تشكيل فريق من المتخصصين للسفر إلى السعودية من أجل الحصول على الخبرات الكافية لنقل التجربة وتطبيقها في جامعة قطر.

إهدار حق إنساني
"لا بد من المساواة في الحقوق الإنسانية لفئة الصم مع باقي فئات المجتمع، وتحقيق هذه المساواة مسؤولية الجميع دون استثناء" هذا ما أشار إليه عبدالله بلال رئيس لجنة التقييم بالحملة الوطنية التوعوية "دلني" التابعة لوزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية، موضحاً أن الوزارة هي المعنية بتبني مطالب هذه الفئة بالمشاركة مع وزارة الثقافة والشباب.

وقال: "صراحة أشعر بالأسف من استمرار معاناة هذه الفئة خاصة في ظل الخطوات المتقدمة التي تقوم بها الدولة في كافة المجالات، ولا يمكن أن نتجاهل حقوق هذه الصم في التعليم الجامعي"، موضحاً أن الصم لديهم رغبة قوية واحتياجات نفسية تجعلهم قادرين على العمل والإنجاز والتفوق لتعويض إعاقتهم، مشدداً على أهمية التركيز على تقديم خدمات تعليمية جامعية لهذه الفئة وهي لن تكلف الدولة كثيراً في ظل محدودية عدد المحتاجين من ذوي الإعاقة السمعية لهذا الحق الإنساني.

الإمكانات متوافرة
وبيّن "بلال" أن الحكومة قادرة على تحقيق طموحات هذه الفئة التي تمتلك مهارات خاصة، لافتاً إلى أن هناك تطورا في الخدمات المساعدة لهم، لكن الأهم هو تنفيذ برامج طموحة لتلبية احتياجات ضرورية تساهم في بناء الأصم تعليمياً، مشدداً على ضرورة أن يكون التعليم الجامعي خطوة أولى يليها التوظيف في المرحلة التالية بالنسبة للصم، وقال: "لم يعد لدينا رفاهية إهدار مزيد من الوقت لأن قطر لديها استحقاقات كبرى خلال المرحلة المقبلة تستدعي إسهام الجميع، كل بدوره من أجل النهوض بها"، موضحاً أن الوزارات المعنية بهذا الشأن تمتلك كافة الصلاحيات والإمكانات اللازمة لمنح الصم حقهم في التعليم الجامعي.

ثقافي الصم يؤدي دوره
"لا مكان للأصم بالجامعة، ولا توجد برامج دراسية متخصصة تستوعبه في هذه المرحلة، ورغم امتلاكه قدرات خاصة ينتهي تعليمه بإتمام الشهادة الثانوية" هذا ما أكدته السيدة إيمان صالح ناجي، أمين السر العام بالمركز القطري الثقافي الاجتماعي للصم، موضحة أن المركز يقوم بدوره في حل كافة المشكلات وتقديم التسهيلات الضرورية بالنسبة لأعضائه من الصم، ولديه جهود تعاون مع عدة جهات ومؤسسات من أجل إتاحة التعليم الجامعي لهذه الفئة، لافتة إلى أسبوع الأصم المقرر عقده في أبريل المقبل سوف يدرس أطروحات جديدة تسهم في حل هذه المشكلة.

وكشفت عن أن طالباً من أعضاء المركز حصل على منحة للدراسة في جامعة جالوديت بالولايات المتحدة الأميركية، وهي جامعة متخصصة في تعليم ذوي الإعاقة السمعية، موضحة أن هناك آخرين يمتلكون قدرات مشابهة لهذا الطالب ويحتاجون الفرصة للتعليم داخل قطر، وأن يحصلوا على المؤهل الجامعي أسوة بأقرانهم في عدة دول عربية.

وقالت "إيمان": إن المركز القطري للثقافي الاجتماعي للصم يتبنى حق أعضائه في التعليم الجامعي، وتبني كافة قضاياهم، كما يسعى إلى نشر ثقافة الأصم ودمجه وتوعية المجتمع بكيفية التواصل معه، بما ينهي عزلته ويجعله عضوا فاعلا ومؤثراً فيه.

تطور في الخدمات
"هناك تطور كبير في البرامج والخدمات المقدمة للصم من جانب كافة المؤسسات بالدولة ولا يمكن مقارنته بالسنوات السابقة، ولكن بالمقابل لا بد من التوعية بحقوق الصم على المجتمع، ومعرفة كيفية المطالبة بهذه الحقوق" هذا ما أشارت إليه الخبيرة النفسية الدكتورة موزة المالكي، موضحة أن المركز الثقافي الاجتماعي للصم يقوم بدور كبير في تبني قضايا هذه الفئة كما يقدم خدمات متنوعة في إطار صلاحياته اعتماداً على وجود مواهب وقدرات خاصة ينبغي الاستفادة منها.

وقالت: "إن هناك مبدعين من ذوي الإعاقة قدموا خدمات عظيمة للعالم بأسره؛ لأن لديهم قدرات خاصة" لافتة إلى ضرورة اكتشاف هذه القدرات لدى الصم وتطويرها بما يؤدي إلى خدمة المجتمع، وأن الفئة التي يطلق عليها ذوو الاحتياجات الخاصة تشمل نوعين من البشر: الموهوبين أصحاب الذكاء الحاد، والمتخلفين عقلياً، بينما يقف الأشخاص العاديون في المنطقة الوسطى بين الحالتين.

وتابعت أن الصم يحتاجون إلى اهتمام أكبر ومعاملة خاصة وتهيئة الأجواء حولهم بما يؤدي إلى اكتشاف مواهبهم، ومعرفة كيفية الاستفادة منها، لافتة إلى أن التعليم يحقق هذه الجزئية ويساهم في الارتقاء بالموهبة بشرط تحديد نوعية هذا التعليم وكيفية توصل المعلومة، واختيار المجال التعليمي المناسب لكل حالة.