


عدد المقالات 1
وفقاً لتقرير صادر عن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، ساعدت مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين -بما تنطوي عليه من احتياج إلى تنسيق معقد- على خلق الحيز السياسي المثالي لازدهار المراكز والمؤسسات البحثية التي «تروي قصة صينية حسنة»، وهذه تشمل شبكات مثل «SiLKS» ومؤسسات بحثية فردية مثل معهد تشارهار، الذي أنشأ أيضاً «لجنة وطنية للعلاقات الصينية الأميركية» مؤخراً. ونظراً لارتباط هذه المنظمات بالحكومة الصينية، فإنها تهدد بتعكير صفو الأجواء التي تعمل فيها المؤسسات البحثية المستقلة حقاً. لكن التهديد الأكبر على الإطلاق الذي يواجه المؤسسات البحثية يأتي من ردة الفعل الشعبوية العالمية ضد «الخبراء» والأبحاث المستندة إلى الأدلة. وكما يزعم د. مايكل ريتش وجينيفر كافانا من مؤسسة «راند»، فإننا نعيش الآن فترة من «انحلال الحقيقة». فقد أصبح الخط الفاصل بين الحقيقة والرأي غير واضح، وأصبح الناس على نحو متزايد فاقدين الثقة في مصادر محترمة للمعلومات والبيانات. وقد استغل الساسة الشعبويون هذه الظاهرة وعملوا على تسريع وتيرتها في الوقت ذاته، من خلال تصوير الخبراء على أنهم «أعداء الشعب» والمؤسسات الفكرية والبحثية على أنها «مؤسسات عاجية» بعيدة كل البعد عن مخاوف واهتمامات الناس العاديين. لكي يتسنى لها البقاء، يتعين على المؤسسات البحثية التقليدية أن تبدع في حين تتمسك بمبادئها. بادئ ذي بدء، ينبغي لها أن تستفيد من قدرتها الفريدة على الجمع بين المفكرين من مختلف أشكال الطيف السياسي. ومن خلال إنشاء منتدى لأعضاء المجتمع المدني لمناقشة قضايا السياسة الرئيسية، تستطيع المؤسسات البحثية والفكرية أن تساعد في بناء الإجماع وتشجيع التعاون بين الأحزاب. الواقع أن احتياج المؤسسات البحثية إلى إعادة التأكيد على غرضها الأساسي المتمثل في التثبت من صحة الحجج القائمة على الأدلة لم يكن في أي وقت مضى أكثر إلحاحاً مما هو عليه الآن. وفي حين تؤثّر مصالح الشركات غالباً على النتائج التي تتوصل إليها المراكز البحثية الربحية، فإن المؤسسات البحثية غير الربحية تستطيع، بل يتعين عليها، أن تقدم تحليلات مستقلة ودقيقة لمساعدة عامة الناس في فهم العالَم المتزايد التعقيد. ينبغي لمؤسسات الفِكر والبحث أن تعمل أيضاً على تعظيم إمكانيات التكنولوجيا في الكشف عن النفوذ الاستبدادي. ففي ظل الظروف الحالية، يعود نقص المعلومات حول الحكومات الاستبدادية بالفائدة على مثل هذه الأنظمة. ومن النماذج الواعدة في التصدي لهذه المشكلة مبادرة الشفافية البحرية في آسيا التابعة لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، والتي تستخدم صور الأقمار الصناعية لتتبع وفضح عسكرة الصين لبحر الصين الجنوبي وبناء الجزر الاصطناعية هناك. أخيراً، يتعين على الدول الديمقراطية متقاربة الفكر أن تتعاون لحماية الوضع القانوني للمؤسسات الفكرية والبحثية، باعتبارها ركيزة حيوية للنظام الليبرالي. وحتى في الأوقات المالية العصيبة، عندما تبدو فكرة دعم الأبحاث المستقلة وكأنها نوع من التَرَف والرفاهية، يصبح دور المؤسسات البحثية في تعزيز عملية صنع السياسات القائمة على الأدلة لا غنى عنه. لا ينبغي لنا أن ننسى أن المؤسسات البحثية الفكرية تنشأ وتزدهر في أوقات الأزمات. وكما أدت الحرب العالمية الأولى إلى ظهور مجلس العلاقات الخارجية وتشاثام هاوس، تسببت كارثة فوكوشيما النووية في عام 2011 في تشكيل مؤسسة مبادرة إعادة بناء اليابان (المعروفة الآن باسم مبادرة آسيا والباسيفيكي، التي أتولى قيادتها). وفي نهاية المطاف، من غير الممكن أن ينشأ نظام دولي ليبرالي في غياب مناقشات سياسية حاسمة. ومن الواضح أن مساهمات المؤسسات البحثية والفكرية شديدة الأهمية لإنجاح هذه المناقشات.