خبراء: «التحرش الإلكتروني».. إساءة وتشهير وابتزاز

alarab
تحقيقات 30 نوفمبر 2015 , 02:29ص
ولي الدين حسن
يمثل التحرش الإلكتروني أحد أبرز المشكلات التي يتعرض لها مستخدمو الشبكة العنكبوتية يوميا، وفي ظل ثورة الاتصالات التي يشهدها العالم هذه الأيام، فقد بات من السهل الوصول إلى البيانات الشخصية لمستخدمي الإنترنت وبكبسة زر واحدة، فتجد أن الكثير من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي -خاصة السيدات- يتلقون رسائل غير لائقة، حتى بلغت مستوى متدنيا صريحا وصولا للدعوة المباشرة لممارسة أفعال ذات طابع غير أخلاقي. ومع الاتساع الواضح في عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي حتى بلغ عدد مستخدمي فيس بوك مثلا أكثر من مليار شخص حول العالم، إضافة إلى مئات الملايين على تويتر، فقد صار استخدامها جزء من حياتنا، ومع هذه الزيادة تضاعفت حالات التحرش الإلكتروني.

خبراء نفسيون واجتماعيون حذروا خلال حديثهم لـ «العرب» من المخاطر النفسية والصحية جراء التعرض لتلك المضايقات والأفعال، مرجعين الأمر إلى ضعف التوعية من خلال القنوات المختلفة، وضعف الرقابة الأسرية، والانفتاح الاجتماعي وانتشار وسائل التواصل الإلكتروني، مشددين على ضرورة أخذ الحيطة والحذر من الاستخدام السلبي للتكنولوجيا بكافة مجالاتها.

وعرفوا التحرش الإلكتروني على أنه استخدام الوسائل الإلكترونية وشبكة الإنترنت في إزعاج الآخرين أو إيذائهم. ويعرف تشريعيا بأنه استخدام وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من جانب فرد أو مجموعة في إيذاء الآخرين في شكل متعمد.

وأكدوا على أن التحرش الإلكتروني له عدة أشكال أبرزها ملاحقة الآخرين أو التشهير بهم، كتوجيه الرسائل التي تحتوي على مواد تسبب الإزعاج لمستخدم شبكة الإنترنت، ومنها الرسائل التي ترد لبعض المستخدمين والتي تطلب بياناتهم بحجة تحويل أموال إليهم، وهي متكررة على حسابات الكثيرين، وإن لم يلتفت إليها فهي سبب تخوف الكثيرين على سرية بياناتهم أو قدرة الأشخاص للوصول إليها، إضافة إلى التحرش المباشر بإعلان الرغبة بالتعرف إلى المتلقي، لأهداف سلبية، أو كانت تحتوي على عبارات أو شتائم، أو نشر صور الشخص من دون علمه، أو التهديد والابتزاز، أو الملاحقة والتجسس، أو التتبع بالتعليقات المسيئة، وغيرها من الوسائل التي تتسع دائرتها بصورة مستمرة لتضايق مئات الآلاف بصورة مستمرة.

الانفتاح الاجتماعي
ومن جهته قال الدكتور سيف الحجري رئيس مجلس إدارة مركز أصدقاء البيئة: «ساهم الانفتاح الهائل والمفاجئ على خصوصيات الأشخاص الآخرين، من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، والأجهزة الإلكترونية التي يتوافر لديها اتصال مستمر بشبكة الإنترنت، وسهولة الوصول إلى الآخرين في أي زمان ومكان، من خلال وسائل التواصل الفوري، في حدوث ما يعرف بالصدمة الثقافية لدى مستخدمي هذه الشبكات، وعدم القدرة على إدارة العلاقات مع الآخرين من خلال هذه الوسائل في شكل صحي».

وأضاف د. الحجري تشير دراسات أجريت على أشخاص يستخدمون التحرش الإلكتروني كوسيلة لإزعاج ضحاياهم، إلى أنهم يعانون من تقدير ذات متدن، وليست لديهم قدرة على المواجهة وجها لوجه، وأن لديهم مقدارا من اضطراب الشخصية الذي يقلل من قدرتهم على تقدير نتائج أفعالهم، فيرتكبون أفعالا لا سقف لدرجة السوء الذي قد تؤدي إليه، طالما أنها تخدم شهوتهم للانتقام.

كما أن استخدامهم التحرش الإلكتروني يشعرهم بمزيد من القوة والسيطرة التي تتطلبها نرجسيتهم، وهوسهم المرضي بملاحقة ضحاياهم في كل زمان ومكان، وهو ما يوفره بسهولة الاتصال الدائم لهم ولضحاياهم على الشبكة العنكبوتية من خلال أجهزة الهواتف والأجهزة المحمولة الأخرى، المرتبطة في شكل دائم بالإنترنت، حيث تقوم استراتيجيتهم في إيذاء الآخرين على الإصرار والمطاردة، وتتبع أصدقائهم ومن يتفاعلون معهم على شبكات التواصل الاجتماعي ليروجوا إشاعاتهم عن ضحاياهم وتشويههم أمامهم.

وشدد د. الحجري على أن الدور الأكبر والأعظم في هذه الظاهرة يكون على عاتق الأسرة عامة والوالدين خاصة، موضحا أن المجتمعات الخليجية والعربية للأسف هي الأكثر سوء لاستغلال التقنية دون اتزان، فهي تتعامل مع التقنية إما بأسلوب المنع أو الحرية التامة، مشيرا إلى أنه يجب على الأسرة أن توفر كافة وسائل التقنية لأبنائها، ولكن بشرط أن تكون في مكان واضح ومرئي للجميع، وذلك لمحاولة منع الوقوع بالخطأ.

ويرى د. الحجري أن الأشخاص المستخدمين للإنترنت بشكل سلبي هم غير قادرين على إدارة مشاكلهم الشخصية في شكل صحيح، ولديهم ميل مرتفع إلى القلق الخارج عن السيطرة، والذي يؤدي إلى التهور في استخدام الوسائل الإلكترونية في شكل غير مدروس في تصفية الحسابات والإساءة إلى الخصوم، كما أن لديهم اعتقادا بأن الوسائل الإلكترونية أسرع في نشر الفضائح أو التشهير بالآخرين، وهم كذلك عرضة للاكتئاب أكثر وأسرع من غيرهم، ويشعرون بأن الإساءة الإلكترونية أكثر أمانا لهم، حيث يعتقدون أن من الصعب الوصول إليهم أو تحديد هويتهم الحقيقية.

التقنيات الحديثة
وبدورها تقول الدكتورة ظبية السليطي باحثة وناشطة اجتماعية: «إن التحرش الإلكتروني يعرف بأنه استخدام للوسائل الإلكترونية ووسائل التواصل في توجيه الرسائل التي تحتوي على مواد تسبب الإزعاج للمتلقي، سواء كانت هذه المواد تلميحا للرغبة بالتعرف على المتلقي، لأهداف ما، أو كانت تحتوي على عبارات أو شتائم، أو صورا، أو مشاهد فيديو، أو التهديد والابتزاز باستخدام صور الضحية، أو استخدامها فعلا دون موافقة صاحبها أو دون علمه، ومشاركتها عبر وسائل التواصل الإلكتروني المختلفة».

وأضافت د. السليطي يشير هذا التعريف إلى أن هناك صورتين للتحرش عبر الإنترنت، وهما: إما إزعاج المتلقي بالرسائل التي تتضمن محتوى غير أخلاقي، أو استخدام صوره ونشرها دون إذنه أو علمه في مواقع ذات طابع مغاير، أو مقرونة بعبارات غير مناسبة.

وأوضحت د. السليطي أن الانفتاح الهائل ساهم والمفاجئ على هامش الخصوصية التي يتمتع بها الأشخاص الآخرين، من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، والأجهزة الإلكترونية التي يتوافر لديها اتصال مستمر بشبكة الإنترنت، وسهولة الوصول إلى الآخرين في أي زمان وأي مكان، من خلال وسائل التواصل الفوري، في حدوث ما يعرف بالصدمة الثقافية لدى مستخدمي هذه الشبكات، وعدم القدرة على إدارة العلاقات مع الآخرين من خلال هذه الوسائل، بشكل صحي.

وأكدت د. السليطي أن تفاقم مشكلات غياب الرقابة الأسرية، ونقص الوعي والتوجيه، وعدم القدرة على الإشباع العاطفي للأبناء وحتى البالغين، والتربية بالمنع أو العقاب بدلا من التوعية والإشباع النفسي، وانتشار ثقافة الاستعراض من خلال نشر الصور والمعلومات الشخصية بحثا عن الاهتمام والانتباه من قبل الآخرين، والفراغ النفسي والعاطفي الذي يدفع الأشخاص لقضاء ساعات طويلة على شبكة الإنترنت أو في استخدام الأجهزة الإلكترونية، وتفاقم مشاكل الإدمان الإلكتروني، كل هذا أدى إلى زيادة التحريض على ممارسة التحرش من خلال الإنترنت، وبالتالي زيادة إمكانية تعرض مستخدمي الشبكة والأجهزة الإلكترونية لهذه الممارسات.

ونوهت د. السليطي إلى أن استخدام إعدادات تضمن تحقيق أعلى مستوى من الخصوصية على شبكة الإنترنت أو على الأجهزة الإلكترونية يساهم إلى حد كبير في الحد من التعرض للتحرش الإلكتروني، وذلك بعدم قبول طلبات الإضافة من أي شخص غير معروف، وعدم نشر الصور الشخصية أو أرقام الهواتف أو المعلومات الشخصية في نطاق أوسع من نطاق الأصدقاء، سواء كان ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، أو وسائل التراسل الفوري، ووضع نظام «فلتر» جيد للبريد الإلكتروني يضمن تحول الرسائل التي تحمل أسماء أو كلمات غير مرغوبة.

الفئات المستهدفة
ويؤكد المهندس أحمد علي (مختص بوسائل التقنية) أن التحرش الإلكتروني ناتج عن الاستخدام المستمر للوسائل التقنية، والتي تتأطر في عدة أشكال كالهاتف والبريد الإلكتروني والمواقع الإلكترونية، كفيس بوك، وتويتر وغيرهما من المواقع التي سهلت بصورة كبيرة الوصول للكثيرين حول العالم، ويرى على أن أحد أشكال التحرش الأكثر انتشارا هو بالأطفال عن طريق استخدام المواقع الإلكترونية والرسائل العشوائية المحتوية على روابط غير أخلاقية، حيث يسهل التعاطي مع الصغار في هذه القضايا، التي تشعر أغلبهم بأنه وصلوا لمرحلة المراهقة والشباب، فيكون من السهل إقناعهم بالتعاطي مع هذه المواد.

وأضاف: «أحد أبرز أسباب انتشار التحرش الإلكتروني وتعاطي الأطفال والمراهقين معه، الفراغ العاطفي في بعض البيوت والمعاملة الجافة للفتيات والأطفال، فبعض أولياء الأمور لا يولي اهتمام كافي بالطفل، بل إن الأمر بلغ ببعض الأمهات للاعتماد بصورة أساسية على الخادمات والسائقين في التعامل مع الطفل، ما أفقد الأطفال الدفء الأسري المطلوب لتخريج الصغير على الصورة المطلوبة من النواحي الأخلاقية والثقافية».

وأردف المهندس أحمد علي: «الفراغ الذي يجده الطفل في غياب الاهتمام الأسري يدفعه في بعض الأحيان للجوء للمواقع الإلكترونية، فيبتدئ بتصفح عادي وينتهي بمشكلات لا تلتفت لها الأسرة إلا بعد وصولها مرحلة متقدمة، أساسها «التحرش الإلكتروني» على «الإنترنت» والذي قد يكون له النصيب الأكبر بنشر الثقافة الإباحية والانحلال الأخلاقي».

ولفت إلى أن الأمر تطور من خلال ممارسات دخيلة على مجتمعاتنا، حيث انتشر التعرف بين الشباب والفتيات عن طريق كاميرات الويب، فالبرامج التي صممت لتسهيل التواصل بين البشر تطورت لاستخدامات خطيرة لها أبعاد سيئة على الكثيرين، وسهل منها أنها تتم في خلوة بعيدة عن الأهل.

وأكد على أن حالات التحرش الإلكتروني باتت سببا في خلق تأثيرات نفسية وثقافية لدى الأطفال المتعرضين لها، وبالتالي اجتماعية جعلت الشباب والأطفال في حالة اضطراب بين ما يرون وما تمليه عليهم الشريعة الإسلامية، فديننا الحنيف ينهى عن كل سبيل يؤدي إلى هذه التجاوزات الأخلاقية، ولكن ضعف الوازع الديني يظل مؤدا رئيسيا في توجه الأطفال والمراهقين لهذه التجاوزات المحرمة، والتي تشوه العلاقة بين المرأة والرجل، وتؤثر بصورة أساسية على العلاقة الزوجية.

وأكد على أن انتشار تلك الظاهرة يرجع في بعض الأحيان للإثارة المستمرة الذي يتعرض لها الشباب والأطفال، والتي باتت جلية في الكثير من المواد التي تعرض عليهم بصورة مستمرة، سواء من خلال الأفلام العربية والأجنبية والمسلسلات، وموجات الفيديو كليب التي تتسع لتغرق الملايين من شباب الأمة فيما هو غير مفيد لهم أو لأوطانهم.

مواقع الألعاب
ومن جانبه قال محمد المري: «إن التحرش الإلكتروني ينتشر بنسبة أكبر بين الأطفال والمراهقين عن طريق كثير من مواقع الألعاب الإلكترونية، التي تعد أبرز مصادر الترفيه عن الكثير منهم، فهم يحرصون على قضاء أوقات طويلة في اللعب، في حين أن من يديرها بعض كبار السن، ومنهم سيئو النوايا ينشدون هدفهم نشر الرذيلة بين الأطفال بصورة متعددة لا تأخذ صورة مباشرة، حتى بلغت مرحلة متقدمة حيث يطل من الصغير في بعض الأحيان أن يصور جزءا من جسده لتجاوز مستوى من اللعبة، وهذا أمر جد خطير يستوجب مراقبة الأسرة».

وأضاف: «يستغل بعض المبرمجين ما يحصلون عليه من صور مخلة للأطفال في بعض الأحيان في ابتزازهم، مما يسبب له العديد من الآثار الجانبية والأمراض النفسية الخطيرة التي تعزز بداخله رغبة الانتقام، ناهيك من كونه يعد مدخلا في بعض الأحيان لممارسة الطفل نفسه لنفس الأمر على آخرين، ما يهدد باتساع دائرة المتضررين».

واعتبر المري أن هذا أسوأ أثرا من التحرش البدني، حيث إنها تعد تجربة مؤلمة على المدى البعيد للطفل، وتؤدي في بعض الأحيان إلى عزوفه في الكبر عن سلك القنوات الطبيعية التي أجازتها الشريعة الإسلامية، مؤكدا على أهمية أن تشديد عقوبات مثل هذه الجرائم.

وحذر المري مما أسماه «ثقافة الاستعراض»، حيث يقوم الكثير من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بوضع صور ومعلومات خاصة بهم، ما يسهل على المتحرش طريقه لابتزاز الشخص، فالبعض يضعها من باب لفت الانتباه بسبب فراغ عاطفي أو لإدمان المواقع الإلكترونية التي يقضي عليها البعض ساعات يوميا، وغيرها من الأسباب التي ضاعفت من حالات التحرش الإلكتروني.

وأشار إلى أن ظاهرة التحرش الإلكتروني بدأت منذ بداية الإنترنت باستخدام البريد الإلكتروني، حيث بدأ مستخدمو هذا البريد بتلقي رسائل Spam تدعوهم إلى الصداقة والتعارف، أو تحتوي على مواد غير أخلاقية، ناهيك من الإزعاج الذي تسببه للكثيرين، حتى وإن كانت خالية، حيث يتلقاها بعض المستخدمين بصورة يومية.

ونوه المري بأن ثمة انتشار أوسع لحالات التحرش الإلكتروني في الآونة الأخيرة، خاصة مع ظهور الإنترنت بسرعة كبيرة، واكتشاف وسائل تواصل أكثر سرعة وانتشارا، فمن المواقع كالـفيس بوك وتويتر، إلى الرسائل الفورية على الهواتف المحمولة مثل الـ «واتس آب»، وبرامج الاتصال المجاني، والصور الرمزية، والإعلانات عبر الإنترنت، وغيرها من الأشكال التي حولت التحرش الإلكتروني لمشكلة يومية يتعرض لها الكثيرون.

سبل الحماية
ومن جانبه أكد عبدالرحمن أحمد (موظف في الشؤون القانونية بأحدي الشركات الخاصة) على أهمية استخدام إعدادات تضمن تحقيق أعلى مستوى من الخصوصية على الشبكة العنكبوتية، ما يساهم إلى حد كبير في الحد من التعرض للتحرش الإلكتروني، فلا يقبل الشخص طلبات الصداقة إلا من أشخاص يعرفهم بصورة جيدة، وعدم نشر الصورة الخاصة، خاصة مع تقنيات التعديل عليها التي تسببت في الكثير من المشكلات، إضافة إلى عدم وضع كلمات مرور سهلة وبسيطة لأن تيسر عملية اختراق الحساب، ومن ثم الحصول على كافة البيانات التي عليه.

وشدد على أهمية الاحتفاظ بكافة الأدلة التي تثبت حالة التحرش كالرسائل التي وردت من المتحرش وغيرها من الأمور، سواء كانت صور أو اتصالات هاتفية، الأمر الذي ييسر عملية التقاضي، وهذا في حال فشل المتحرش به في إقناع الطرف الآخر بالكف عن المضايقات، لأن الأمر متكرر ويصعب التقاضي بصورة مستمرة.

وأكد عبدالرحمن على ضرورة عدم إغفال حالات التحرش الإلكتروني، فعلى المتضرر أن يلجأ للقضاء للحصول على حقه، وأن يتذكر دائما أن إهمال الأمر يعني تمادي المتحرش في هذا الخطأ ما يعرض غيره لمشكلات، ربما تكون أكثر تعقيدا من مشكلته، خاصة مع التقنيات الحديثة التي تسهل الوصول للمتحرش بصورة دقيقة، عن طريق IP الجهاز الذي تواصل منه مع المجني عليه.