السفر صيفاً.. بين المظاهر والضرورة

alarab
تحقيقات 30 يوليو 2022 , 07:19م
حنان غربي

مواطنون ومقيمون لـ«العرب»: التباهي بالوجهات يفسد الغاية منه  

أخذ خبراء السفر والمعتادون عليه بتمجيد السفر والحث عليه متناقلين القول الشهير (سافر ففي الأسفار خمس فوائد) هذا فضلاً عن المباهاة بوجهة السفر، فأوروبا غير آسيا، مؤكدين ذلك بسيل من الصور التي ترسل من هناك عبر مواقع التواصل الاجتماعي لإظهار الأناقة والملابس الجميلة في أجواء ساحرة تنبئ عما عليه الشخص من فرحة وسرور، ما كان ليحصل عليها لو لم يسافر، أو لتشجيع الآخرين ليحذوا حذوه. مؤكدين أن هناك حاجة للناس إلى السفر والراحة بعد عناء عام كامل، مع الأخذ بالاعتبار أنه باعث على النشاط والتجديد في الحياة، عدا الفوائد الأخرى المعروفة لدى الجميع، بيد أن الأمر تحول عند كثير من الناس إلى عامل أساسي لا تستقيم الحياة من دونه، باعثه على ذلك المقارنة مع الآخرين، واتباع سننهم، بل الأدهى أن بعضهم أصبح يقيس مقدار الآخرين وفق عدد السفرات في حياته، فإن كان كثير السفر، فهذا شخص ناجح يعيش الحياة بطريقة مثالية، بغض النظر عن أعباء السفر وتكاليفه، وما يترتب عليه من ديون وتفريط في جوانب أخرى عند بعض الناس، وخصوصاً لدى غير القادرين على تحمل تكاليفه الباهظة. وعلى سبيل المثال يكلف سفر أسرة مكونة من ثمانية أشخاص لمدة شهر واحد إلى دولة أوروبية مبلغاً لا يقل عن مائتي ألف ريال على أقل تقدير، يقترضها البعض من البنوك لتغطية نفقات الرحلة، أما أحسنهم طريقة، فيلجأ إلى الجمعيات التكافلية بين الأفراد والتي تعمل بكل طاقاتها هذه الأيام.
ولكن قد يتساءل البعض: ومن منا لا يحب السفر والترحال، ويفضل أن يبقى هنا في هذه الأجواء الحارة والرطبة؟ والجواب كلنا نحب السفر، إلا أن الأولويات هي التي تحدد الموقف، فليس من المعقول توفير مبالغ بالديون وبشكل سنوي للسفر، وهناك حاجات أساسية للأسرة تبقى غير موفرة بسبب ضيق ذات اليد، من أجل نشوة قصيرة لا تستمر سوى أيام، يعود بعدها ربُّ الأسرة يحدث نفسه لأشهر عن ضياع مبالغ كبيرة كان يمكن استثمارها في جوانب أفضل تعود على الأسرة بالنفع الكثير.
أما المقارنة مع الآخرين، فهذا أمر يدعو للقلق، فهو لا يقتصر على موضوع السفر فحسب، بل تعداه ليشمل كثيراً من جوانب الحياة الأخرى.
«العرب» استطلعت آراء مواطنين ومقيمين، عن السفر خلال الصيف بين التباهي والحاجة الملحة، وعادت بهذه الحصيلة من الآراء:
بدأت مؤخرا عطلة المدارس، وبدأ قبلها الصيف حاراً كعادته وأمسى حديث الناس وشغلهم الشاغل السفر إلى الخارج للاستجمام، والبحث عن أجواء باردة في بلدان العالم المختلفة للهروب من أجواء الحرارة القاسية في مثل هذه الأيام من كل عام.

بريطانيا الوجهة المفضلة.. نايف الشهراني: التخطيط المسبق ضرورة

ذكر نايف زامل الشهراني أنه يسافر كلما استطاع ذلك، فهو يفضل الوجهات الأوروبية خصوصا بريطانيا، ويسافر مرتين في السنة لمدة طويلة نسبيا تكون خلال الاجازات الطويلة ويحاول أن يكسر الروتين من خلال رحلات قصيرة تكون لأيام معدودة في وجهات قريبة.
أما بالنسبة للتفاخر والتباهي بالسفر يقول نايف: أصبح الأمر معتادا في مجتمعنا وفي المجتمعات الخليجية ككل، فتجد الشخص كلما سافر إلى وجهة بدأ بالتصوير والنشر، وتحول السفر عند البعض إلى ضرورة للتصوير، وأمر إلزامي، بسبب المظاهر، ويصل الأمر في بعض الأحيان إلى الاستدانة أو القروض أو التكليف على النفس من أجل مجاراة الغير.
وعن تجربته مع السفر أضاف نايف: أفضل التخطيط المسبق لسفري، فمن الآن أنا أخطط لرحلتي القادمة والتي ستكون في بداية السنة القادمة، واخترت الوجهة والتذاكر وأماكن الاقامة وغيرها، وهذا هو ديدني في كل سفراتي وبالتخطيط المسبق أجدني أوفر كثيرا في أسعار التذاكر والاقامة كما أنني أقوم كل شهر باستقطاع مبلغ من الراتب وتوفيره للسفر وهو ما يمكنني من الاستمتاع أكثر برحلتي.

وجيدة القحطاني ناشطة اجتماعية: المتباهون أصحاب تفكير محدود

تذكر السيدة وجيدة القحطاني ناشطة اجتماعية أنها تسافر من مرتين إلى ثلاث مرات في السنة البعض منها للسفر والاستجمام وبعضها الاخر يكون في إطار مهني، وتؤكد أنها تختار وجهاتها وفق ما يناسبها بعيدا عن صيت المكان أو ما تروج له وسائل التواصل الاجتماعي، وتحب التنويع في البلدان والتعرف على وجهات وثقافات جديدة، وبعيدا عن المظاهر والتباهي ترى وجيدة أن السفر ضروري لتجديد الطاقة، واراحة النفس وتوسعة الأفق.
لكنها تستدرك قائلة: السفر ممتع في جميع وجهاته وقد أكون سعيدة جدا بزيارتي لدولة من دول الجوار دون الحاجة إلى دفع مبالغ والتوجه إلى أوروبا، إلى ذلك تضيف السيدة وجيدة قائلة: الأشخاص الذين يحرصون على السفر فقط من أجل المباهاة والمظاهر هم أصحاب تفكير محدود فالسفر راحة للشخص نفسه، وتغيير وأمر لا يدعو للمباهاة والفخر بقدر ما يجلب سعادة داخلية لا علاقة لها بالمظاهر فهو غير مرتبط بالاخرين.
وذكرت الناشطة الاجتماعية أن البعض يبالغ في اخذ الصور بدءا من صور الجواز وصولا إلى الأكل وأكواب القهوة، وقالت إن الصور جميلة هي توثق اللحظات السعيدة، وتحفظ الذكريات وقد تكون بهدف التعريف بمكان ما او الترويج لرحلة، لكنها قد تكون سلبية إذا استعملت بغرض التباهي والتفاخر.

أسافر 4 مرات سنويا.. حمد المطاوعة: نشر الصور بهدف «إبهار الغير»

يذكر حمد المطاوعة أنه يسافر في السنة من بين ثلاث إلى أربع مرات إلى وجهات مختلفة يكون فيها العامل المشترك هو التحليق بالمظلات وهي الهواية المفضلة لحمد.
وقال حمد: السفر ممتع وضروري لتجديد الطاقة والتصوير جزء من السفر، فهو توثيق للذكريات واللحظات الجميلة، وليس كل ما ينشر يكون بهدف التباهي والتفاخر فقد يكون الشخص يحب فقط مشاركة الآخرين فرحته وسعادته، ويحب أن ينشر تجربته ربما ليستفيد منها غيره.
واستطرد: لكن نرى بعض المهووسين بالمظاهر ممن يركبون الطائرة في الدرجة الاقتصادية ويصورون الدرجة الأولى أو درجة رجال الأعمال ليظهروا للناس بأنهم مرفهون، وربما تلك المظاهر قد تشكل عليهم ضغطا نفسيا وتجعلهم غير قادرين على الاستمتاع بسفرهم بسلام لأنهم يبحثون دوما عن إبهار الغير.

دلال الملا مدرب تربوي: 5 فوائد أولها تفريج الهم.. وتجنب هذه العبارات

ترى دلال الملا مدرب تربوي، أن السفر مصدر للراحة النفسية ولا يجب الانصياع للأفكار السلبية والمظاهر حتى لا يفقد فوائده، وتوضح دلال قائلة: من منا لم يسمع بقول الإمام الشافعي رحمه الله: سافر ففي الأسفار خمس فوائد: تفريج همٍ واكتساب معيشةٍ وعلم.. إلخ؟.
وأضافت: عندما ننظر للسفر من الناحية النفسية فلا يخفى علينا ما يشعر به معظم المسافرين من انفصال عن حياتهم العملية والهموم اليومية وبالانغماس في نشاطات وأماكن مختلفة عن تلك التي اعتادوها وهم في أوطانهم. هذه الفسحة النفسية التي يتمتع بها المسافر دون غيره تساعده في الاسترخاء وأخذ الأمور بروية ومن ثَم استجماع قوته وطاقته للعمل والعطاء من جديد. ومن ناحية أخرى فنرى السفر فرصة يعيش فيها الفرد حياة مختلفة عن حياته ويخوض تجارب جديدة تثريه وتغيره للأفضل.
وتابعت دلال الملا: وتشير بعض الدراسات فعلا إلى أن السفر قد يجعل منك شخصا أكثر ابتكاراً، انفتاحاً وتقبلاً. يقول أخصائي علم النفس العصبي بول ناسبوم أن من أعظم فوائد السفر هو تعزيز صحة الدماغ، حيث إنك عندما تنخرط في أمور جديدة عليك، وأكثر تعقيداً من المعتاد، وعندما تكون في بيئات غير اعتيادية بالنسبة لك فإن دماغك ينمو ويزدهر.
ونوهت بأنه من الناحية الاجتماعية والأسرية فإن السفر قد يقوي العلاقات ما بين الأفراد المرافقين في السفر ويجعلنا نفهم ونتقبل ذواتنا وبعضنا البعض أكثر. فالأسر والعائلات والأصدقاء ينهلون من فوائد السفر في تطوير علاقاتهم ببعضهم وذلك إن تم استغلال هذا الوقت بطريقة ذكية حقا لهذا الغرض؛ بالتقبل والاستمتاع باللحظات والاختلافات والابتعاد عن المشتتات. لحظات السفر مع من تحب هي ذكريات تصنعها بيدك؛ فأجِّل تغطياتك المباشرة وانقطع مؤقتاً عن مشتتات التواصل الاجتماعي لتستمتع باللحظة.
وتشير دلال الملا إلى بعض النقاط الهامة وهي:
1- «يجب» «لازم»: تفكير متعب.. هذا النمط من أنماط التفكير اللاعقلاني مزعج ومرهق لصاحبه ولمن حوله، ويلازم هذا النوع من الأفكار أذهان الكثير من الناس ويسبب إرهاقا على المنظومة النفسية للفرد. ومع انتشار نوافذ التواصل الاجتماعي من حولنا، زاد انتشاره كنمط من أنماط التفكير المزعج وغير العقلاني وذلك كنتيجة طبيعية للمنافسة الضارية ما بين الناس على إظهار أفضل وأفخم ما لديهم وإخفاء العكس.
2- «لازم نسافر كل سنة».
3- «ضروري أسافر على درجة رجال الأعمال».
4- «يجب أن أسكن في أفخم الفنادق».
قد نسمع هذه العبارات دائما أو نرى أناسا يطبقونها أو حتى تقبع لدينا كفكرة في اللاوعي لتوجه سلوكياتنا بأوتوماتيكية مخيفة وعبء يثقل كواهلنا بما هو ليس مهما أبداً. وبكل أسف، قد تتحول الرحلات من منبع للفوائد ومصدر للمتعة إلى ثقل وتكاليف باهظة تحيطنا بالتوتر والقلق. فمن قال إنك يجب أن تسافر كل سنة أو إنك يجب أن تكون على الدرجة الأولى لتكون سعيداً؟ هل تمتلك من المال حقا ما يجعل من سفرك استجماماً حقيقياً أم أنك تسافر وأنت في خضم ضائقة مالية سببها المباشر هو سفرك؟
5- باختصار شديد: زن الأمور والأولويات وقرر ما يناسبك - بناءً على قدراتك وراحتك - ولا تكترث بنظرة الناس للخيارات الخاصة بك ما دامت هي الأنسب لك.

«الفاخر» نوع من المباهاة.. أم عبد الله: متعة بغض النظر عن الدوافع

ترى «أم عبدالله»- مواطنة - أن المجتمع ما زال يتعايش على المنظومة السطحية والتقدير المادي للأشياء، وما زالت ثقافته قائمة على هوس المظاهر وفلسفة التفاخر، فتكاليف السفر أصبحت تستهلك ميزانية ضخمة قد لا يغطيها إلا ميسورو الحال، موضحةً أنّ هناك تقارير كثيرة كشفت أن الفرد في الخليج يصرف ضعفي ما يصرفه السائح الأوروبي في سفره، ومن هذا المنطلق سادت لديه ثقافة مادية للأمر، وهي أنّ كثرة السفر تتواءم مع المستوى المعيشي المرتفع، وعلى أثر ذلك جاء تقدير السفر كنوع فاخر من المباهاة الاجتماعية، والتي اختلف الناس في إظهارها أو إخفائها، فيما يعد ضرورة حياتية لدى الشعوب الأخرى من أجل الترويح عن النفس.
وأضافت أم عبدالله: عندما ينوي أي شخص السفر بقصد السياحة والاستجمام من الطبيعي أن يكون هناك مخطط للرحلة يشمل ذلك موعد السفر ومدته ووجهته، إضافةً إلى ذلك التعرف على الشخص الذي سيرافقه، خاصةً وأنّ السفر يُظهر حقيقة الإنسان؛ لأنه يرفع التكلف والتصنع، ويُظهر الأشخاص أو الأصدقاء على حقيقتهم، لكن هناك في الجانب الآخر أشخاصا عندما يخططون للسفر تجد السرية تُحيط كل شيء حتى أقرب الناس إليهم، مبينة أنّ هذا يعود لأسباب عدة، منها التجارب السابقة للسفر مع آخرين التي أدت إلى فشلها وحولت سفر الاستجمام إلى كابوس مزعج، يصل إلى مرحلة يرغب من خلالها الشخص في الرجوع إلى بلده، ومنهم من يقوم بإذاعة خبر سفره قبل وبعد وأثناء وتصوير كل شاردة وواردة في السفر بدءا بجواز السفر مرورا بالفندق وصولا للأطباق والطعام وحتى أكواب القهوة، وكل ذلك بهدف المظاهر.
وختمت أم عبدالله بقولها: نستطيع القول إنّ السفر متعة مؤقتة يكتسب الشخص فوائد عدة بغض النظر عن نوايا السفر ودوافعه.

تكلفة العودة إلى بلادنا ارتفعت جداً.. أمير فحصي: نسافر لإسعاد أنفسنا.. وليس للمظاهر

يواجه المغتربون صعوبات في قضاء إجازتهم داخل بلدانهم نتيجة ارتفاع غير مسبوق في كلفة تذاكر الطيران، ومع بداية موسم الإجازات الصيفية، أكد بعض المقيمين العرب بلوغ أسعار التذاكر مستويات قياسية هذا العام، مشيرين إلى أنهم يواجهون صعوبات في العودة إلى بلادهم لقضاء إجازات الصيف والأعياد، فيما ألغى بعضهم خططهم.
وفي هذا الصدد قال أمير فحصي: بعد سنتين من الجائحة والإغلاقات التي عرفها العالم والتي تعذر معها السفر كنا ننتظر الانفراجة والإجازة بفارغ الصبر، لكن الأسعار أبت غير ذلك، فأسعار التذاكر كانت وما زالت مرتفعة جدا وهو ما حرمني أنا وأسرتي من السفر لقضاء عطلة العيد مع الأهل، وإحياء شريعة عيد الأضحى في الوطن.
وأفاد فحصي بأن غلاء تذاكر الطيران عموما أصبح يحول دون لقاء المغتربين بأسرهم، ما يضطر العديد منهم إلى تغيير برامج إجازاتهم والانتظار إلى شهر سبتمبر أو أكتوبر على أمل انخفاض كلفة السفر. غير أن هذه الحلول غير متاحة للعديد من الأسر التي تخطط لإجازاتها خلال العطلة المدرسية لأبنائها.
إلى ذلك أضاف أمير أن السفر بالنسبة له مكافأة له ولأسرته بعد سنة طويلة من الجد والعمل والدراسة وفرصة لقضاء وقت ممتع والراحة والاستجمام، وقال: للسفر فوائد عديدة ليس من بينها التباهي فهذه صفة ذميمة يجب الابتعاد عنها، والسفر يحقق راحة نفسية لا تكتمل إذا كان الهدف منها المراءاة وليس إسعاد النفس، وقد كنت قبل فترة كورونا أسافر رفقة أسرتي إلى العديد من الوجهات السياحية في العالم لكن لم يكن ذلك يوما بهدف المظاهر.