

ما زالت بعض الأسر القطرية تعتمد السكن في بيت العائلة على الرغم من رفض بعض الأصوات له، واعتباره من المستحيلات، في زمن الأسرة النووية. زمن لم يغير الكثير في العادات والتقاليد الصامدة كتلك التي تتحدث عن العلاقات المتوترة بين الحماة والكِنَّة، علاقات لم ينصفها الواقع، ولا الإعلام، ولا الأمثال الشعبية، فالمسلسلات والأفلام والمقالات زادت من تأجيج الوضع، ورسم الطرفين على أنهما أعداء في حرب يكون السلاح فيها هو الزوج.
ومن الصور التشبيهية التي كثيرا ما نجدها عن العيش مع الحماة هو أن الإقامة مع الحماة وأهل الزوج أقرب إلى العيش على صفيح ساخن «إذا تفاهمت العجوزة والكِنة يدخل إبليس للجنة»، فالأمثال الشعبية جميعها تحذر من الجمع بين الكنة والحماة، القطبين المتنافرين والمتنافسين على قلب الرجل، لكن إلى أي مدى يمكن أن تعكس تلك الصور الواقع الذي نعيشه.
«العرب» استطلعت آراء البعض الذين في أغلبهم أنصفوا الحماة والكنة، وأكدوا عن تجارب أن الأسرة الممتدة هي أفضل الخيارات.
بيت الأمان
نوف النعيمي، كنة تعيش في بيت حماها لأكثر من عشر سنوات، ولا تفكر في التنقل أو تغيير البيت، وهي الموظفة التي تجد في إقامتها في بيت حماها الأمان، فهي تترك أبناءها الصغار في البيت تحت أنظار الجدة، ولا تقلق إن تأخرت، تقول نوف: لكلا الأمرين محاسن ومساوئ، ونجاح أو فشل الإقامة في بيت العائلة يرجع إلى شخصية الزوج ومكانته عند أهله، والثاني على أم الزوج وأخلاقياتها وقربها من الله عز وجل.
توافق على الحياة مع عائلة الزوج لكن بشروط حددتها في رقي الأهل الفكري، واتساع المنزل وخصوصية بقاء الزوجة بنطاقها الخاص، وكذلك العقل الراجح للزوج ومحافظة المنزل ككل على أسرار العائلة.
حل مؤقت
ولا ترى فاطمة الدوسري مانعا من السكن مع أهل الزوج ولا ترفضه رفضا قاطعا، خاصة إذا كان مع الوالد والوالدة فقط. حيث توافق على الحياة مع عائلة الزوج كحل مؤقت، بشرط أن يكون البيت قابلا للسكن ويحتمل أعضاء جددا، وأن يعتبر حلا مؤقتا بسبب الظروف مع وضع خطة مؤكدة للاستقلالية في أقرب وقت.
تقول فاطمة: تزوجت في بيت أهل زوجي وسكنت معهم لمدة ثلاث سنوات استطعنا خلالها أنا وزوجي تجهيز بيتنا وانتقلنا إليه فيما بعد.
ولا أعتقد أن السكن مع الحماة براء من السلبيات التي تشاع عنه، فقد عشت معها فترة هادئة وحتى الخلافات التي كانت تحدث بيننا كنا نتجاوزها بحكمة، وفي الأخير على الكنة أن تفهم أن ما يقع بين الحماة وكنتها من شجار يعكر هدوء المنزل، وينعكس بارتداداته السلبية على الزوج خاصة، فلا هو قادر على مسايرة والدته على طول الخط، ولا بإمكانه كبح جماح زوجة تعيش الكآبة.

د. أسماء علي القره داغي: السكن من حقوق الزوجة على الزوج
د. أسماء علي القره داغي محامية بالتمييز، أكدت أن العلاقات الأسرية هي بداية أنواع العلاقات في المجتمع؛ حيث ينشأ الطفل في ظل الوالدين ولقد نظم القرآن العظيم جميع أنواع العلاقات الأسرية بداية من العلاقة بين الزوج والزوجة والعلاقة بين الوالدين والأبناء والعلاقة بين الإخوان في النسب ثم العلاقة بين الأقرباء في النسب (الجد والجدة والأحفاد) وحث جميع أطراف العلاقات الأسرية على الاحترام والطاعة والود والتــــــفاهم والسكينة.
وأضافت: ومن أهم العـــــلاقات الأسرية علاقة زوجة الابن (الكنة) بوالـــــــدة الزوج (الحماة) ووالده، فالأصل فيها التبجيل والــتقدير وحسن المعاملة، إلا أنه أحيانا تشوبها بعض الخلافات بينهم وخاصة إذا كانوا يسكنون في بيت واحد، لذلك أوجبت الشريعة الإسلامية على الزوج توفير المسكن المناسب لزوجته وهو من حقوق الزوجة على الزوج حيث قال الله تعالى: (أَسْكِنُـــــــوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ) وهذا ما نص عليه القانون أيضا حيث إنه على الزوج أن يهيئ لزوجته المسكن المناسب الآمن الملائم لها، ولم يلزم القانون الزوجة بالسكن في ذات بيــــــــــت أهل الزوج (بيت العائلة الممتدة) إذا كان هذا يسبب ضرراً لها حيث نصت المادة (66) من القانون رقم (22) لسنة 2006 بإصدار قانون الأسرة: ويحق للزوج أن يسكن مع زوجته في مسكن الزوجية أبويه وأولاده من غيرها، متى كان مكلفاً بالإنفاق عليهم، بشرط أن لا يلحقها ضرر من ذلك، وهذا ما أكدته أحكام محكمة التمييز بهذا الشأن منها الطعن رقم 11 لسنة 2005م تمييز أحوال شخصية حيث أقر بحق الزوجة في أن تنفرد بسكن مع زوجها، حتى لو قبلت حينا من الوقت السكن مع أهل الزوج متى تضررت الزوجة بذلك.
واستطردت د. أسماء: أما إذا رضيت المرأة بالسكن مع أهل زوجها إحساناً لعشرة زوجها وهذا أفضل بكثير، وبرّا بوالديه لاسيما مع حاجتهما للخدمة والرعاية الصحية، فهذا من التقوى ولها الأجر العظيم من الله تعالى على صبرها وبرها بأبوي زوجها، وهذا ما أنصح به كل زوجة.

ياسر البلوشي: نصائح لتفادي الصراع بين الأجداد والأبناء
تفصيل آخر قد يكون سببا في إثارة المشاكل بين الكنة والحماة وهو تدخل الجد والجدة في تربية الأبناء، وفي هذا الصدد يرى ياسر البلوشي استشاري تربوي أن منزل الأجداد يعتبر الملاذ الآمن للأبناء بالنسبة إلى الآباء والأمهات العاملين في جميع الأوقات، وفي ظل تواصل تفشي فيروس كورونا تنامت حاجة الأسر إلى هذا المكان البديل للحضانات، التي تواجه عزوفا كبيرا من قبل الأسر؛ بسبب خوفها على سلامة أبنائها، ولكن يمكن أن يؤدي تدخل الأجداد في تربية الأحفاد إلى خلافات قد تؤثر على العلاقات الأسرية سلبا.
إلى ما سبق يضيف البلوشي قائلا: قد يكون الأطفال الذين يسكنون في بيت العائلة الممتدة أوفر حظا، فهم يحظون بكثير من الدلال من الأجداد، لكنهم قد يكونون سببا في إثارة المشاكل. فالأحفاد يحتلون مكانة مميزة لدى أجدادهم لدرجة قد تدفعهم للتدخل في شؤونهم وفي أدق تفاصيل تربيتهم؛ مما يجعل بعض الآباء والأمهات يرفضون هذا الدور من الأجداد والجدات بحجة إفساد الأبناء بالتدخل السلبي في طريقة تربيتهم لأبنائهم.
ويعتبر دور الأجداد خاصا في حياة العديد من الأطفال، ويمكن أن يكونوا سندا مهما للآباء من خلال الدعم والتوجيه ورعاية الأطفال؛ لكن يمكن أن تكون لديهم أفكار مختلفة حول أفضل السبل لتربية الطفل، وهذا يمكن أن يسبب التوتر بين العائلات، فإذا كانت اختيارات الأجداد تتعارض مع اختيارات الآباء أو يتدخلون فيها، فيمكن أن يشكل ذلك ضغطا خطيرا على العلاقة، وهنا أكدت نتائج دراسات على ضرورة سعي الأجداد جاهدين لفهم مطالب الوالدين والامتثال لها؛ ليكونوا أكثر انسجاما مع خياراتهما، ليس فقط لدعمهما في المهمة الصعبة المتمثلة في تربية الأطفال، ولكن تجنبا لتصعيد النزاع.
ويقدم البلوشي مجموعة من النصائح لتفادي الصراع بين الآباء والأجداد والأحفاد وهي:
1- يجب نقل كل الصراعات إلى تحت الطاولة، حيث لا يجب أن يشهد الأطفال صراع الكنَّة والحماة، ولا صراع الأب مع حماه؛ لذلك يجب أن تكون كل النقاشات أو المشاجرات خلف الكواليس، لأن مشاهدة وسماع الأطفال لهذه الشجارات تقلل من هيبة الأهل في نظرهم، وتضعف احترامهم للجدين.
2- يحتاج التعامل مع كبار السن إلى قدر كبير من سعة الصدر والهدوء، هذا الهدوء سينعكس على حياة الأسرة كلها، كما أن هناك حاجات صحية ونفسية لكبار السن يجب مراعاتها والتعامل معها بإخلاص لما قدمه العجوزان لأبنائهم، على الأقل لنقل هذا الإخلاص إلى الأبناء.
3- محاولة دمج الجد والجدة في العصر الحديث أمر يخفف التوتر الناتج عن صراع الأجيال، هناك الكثير من الأجداد والجدات يستعملون الواتساب والفيسبوك إن كانوا يراقبون تحركات الأحفاد أحيانا؛ لكن هذا الاطلاع على العصر الحديث، يساهم في انتزاع فتيل الخلاف بين 3 أجيال تعيش في بيئة مشتركة.
4- لا بد أن تحاول الأم الاستفادة من الجدة أو الجد الموجود في البيت في رعاية الأطفال؛ لأنهما أكثر حرصا عليهم من الخدم، وسوف يتعلمون منهم أصول دينهم وعاداتهم.

د. أمينة الهيل: تجاوز السلبيات البسيطة لاغتنام الإيجابيات الكثيرة
اﻻﺳــﺘــﺸــﺎرية اﻟﻨﻔسية اﻟﺘﺮﺑﻮية د. أمينة الهيل أكدت أن العيش في كنف الأسرة الممتدة يحمل الكثير من الإيجابيات، وقالت: يعتبر العيش في الأسرة الممتدة عرفا في المجتمعات الخليجية إجمالا بحكم أن الرجال قديما كانوا يتوجهون إلى الغوص ويغيب عن الأسرة لمدة أشهر، وفي الأسر الممتدة كان يحل العم أو الخال أو الجد مكان الأب، وذلك كان يمنح الأبناء الكثير من الإيجابيات في وجود القدوة الصالحة ووجود الرعاية، إضافة إلى التربية على الألفة، والعادات والتقاليد.
وأضافت: أمر آخر هو التنميط للأطفال وهنا أقصد أن الولد كان يتربى على الرجولة، حيث كان يزور المجالس مع الأب والخال والعم، والجد، والبنت كانت تربى على الأنوثة مع جدتها ومع النساء وكانت تتعلم «السنع» والعادات والتقاليد والحياكة، والطبخ.
إيجابيات عابرة للزمن
وتابعت الدكتورة الهيل أن الزمن الذي نعيشه أغلب السيدات يعملن وقد يكون السكن ضمن إطار الأسرة له هو صمام الأمان، ورغم وجود الاختلافات والخلافات بين الكنة والحماة وهو أمر طبيعي عند وجود شخصيات مختلفة، لكن يجب تجاوزها لأن ذلك يصب في مصلحة الأبناء. ولم تنكر الدكتورة أمينة أنه يوجد بعض السلبيات لسكن الكنة مع حماتها، لكنها مع ذلك لا تشجع على الأسر النووية، رغم أنه قد يكون لها جانب أكبر من الخصوصية، ودعت الدكتورة أمينة إلى التغلب على سلبيات العيش في أسر ممتدة من خلال إيجاد الحلول، مثلا السكن في ملحق قد يضمن الخصوصية دون الانفصال، ونوهت الدكتورة الهيل إلى أنه حتى الجد والجدة أصبحوا أكثر وعيا في هذا الزمن، وقادرين على التعايش مع الكنة والأبناء دون تصادم، وإن حدث يجب على الأبناء أن يكونوا حكماء وأن يتجنبوا الصدام والمشاحنات.

المحامي خالد المهندي: الطلاق.. غالباً يكون مصير النزاعات المتعلقة بالسكن
ليست كل الآراء مطابقة لما سبق، وليست كل الأسر تعيش في استقرار وأروقة المحاكم خير دليل على ذلك. من الناحية القانونية ذكر المحامي خالد عبدالله المهندي الخبير بقضايا النزاعات الأسرية أن السكن في منزل العائلة الممتدة قد يكون حلا مجديا جدا في بداية الحياة الزوجية. وقال: نظرا للترابط الأسري، ومع مرحلة بداية بناء الأسرة، وللسيطرة على غلاء المعيشة والإيجارات وتأثيث منزل، يبدأ في الأغلب الزوجان بالعيش في منزل أهل الزوج، وفي ملحق متسع وبموافقة من العروس وأهلها عند خطبتها، حتى يتم بناء منزل الزوجية مستقبلا.
وأضاف المهندي: كذلك أحيانا لكون الزوج أو المتقدم للخطبة هو مسؤول عن والدته أو والديه وهو وحيدهم، أو القائم على برهم وخدمتهم، فتكون الموافقات بين الزوجين والأسرتين والنظرة متفقا عليها، كما أنه أحيانا يوافق والدا الزوجة وبعد الطلب من الزوج، أن يسكن معهما لكون الزوجة ابنتهما الوحيدة، أو لكونها قائمة على رعاية والديها وبرهما، ويوافق الزوج على ذلك، وهناك حالة ثالثة كون المخطوبة أو الزوجة، تطلب منزلا مستقلا ويوثق ذلك في عقد الزواج، أو بعد فترة محددة منصوص عليها بعقد الزواج.
وتابع: كما أنه هناك حالة رابعة وهي موافقة الزوجة مبدئيا على السكن مع أهل الزوج، ثم طلب الخروج لاحقا إلى منزل مستقل، وهو ما يترتب عليه نزاعات أسرية، إما بسبب أن الزوج ليس في طاقته شراء أو تأجير منزل وتأثيثه لاسيما بعد التكاليف الباهظة لحفل الخطوبة والزواج وإما بسبب ادخاره لبناء بيت الزوجية الممول جزءا منه عبر قرض الإسكان.
وأكد خالد المهندي أن كل ذلك يسبب خلافا ماليا وانشقاقا في الأسرة الواحدة وينتقل للمحاكم التي أحيانا تصدر حكمها إذا رأت في حالة الزوج المادية أنه ميسور وظروفه العائلية تسمح بالاستقلال، في تخصيص منزل مستقل، وأحيانا يرفض القاضي تخصيص منزل مستقل لتعسر الزوج ماديا أو لظروفه العائلية برعاية والديه، ولكن ما إن ينتقل النزاع للقضاء حتى يصبح معه استمرار العلاقة الزوجية مستحيلاً، ويصيب الطرفين بأضرار معنوية، والشك في المستقبل.
وأردف: أما عن سبب النزاعات الأسرية فللأسف أحيانا أسبابه تدخُّل أهل الزوجة أو أهل الزوج في حياة الزوجين الأسرية.
كما أنه هناك سبب رئيسي بتحريض الأصدقاء وكما يطلق عليهم (خرابين البيوت) وهم شياطين، يفسدون العلاقة الزوجية، بالتحريض على السكن المستقل وعدم مراعاة الظروف الأسرية. إن من أكثر المشكلات الزوجية تدخل أهل الزوجين بشكل مباشر ومستمر في حياة الزوجين، وينتج عن ذلك تفاقم النزاعات الأسرية ووصولها للمحاكم وانتهاؤها بالطلاق.
رأي القانون
وعن رأي القانون في موضوع السكن قال المحامي المهندي: نص قانون الأسرة رقم 22 لسنة 2006 في مواد تتعلق بالسكن على:
المادة 64: على الزوج أن يهيئ لزوجته في محل إقامته مسكناً شرعياً ملائماً يتناسب وحالتيهما.
المادة 65: تسكن الزوجة مع زوجها في المسكن الذي أعده، وتنتقل منه بانتقاله، إلا إذا اشترطت في العقد خلاف ذلك، أو قصد من الانتقال الإضرار بها.
المادة 66: لا يحق للزوجة أن تسكن معها في مسكن الزوجية أولادها من غيره، إلا إذا لم يكن لهم حاضن غيرها، أو كانوا يتضررون من مفارقتها، ورضي الزوج بذلك صراحة أو ضمناً. ويحق للزوج أن يسكن مع زوجته في مسكن الزوجية أبويه وأولاده من غيرها، متى كان مكلفاً بالإنفاق عليهم، بشرط أن لا يلحقها ضرر من ذلك.
المادة 67: لا يحق للزوج أن يسكن مع زوجته ضرة لها في مسكن واحد إلا برضاها، ويحق لها العدول متى لحقها ضرر من ذلك. إلى ذلك أضاف المهندي: وأخيراً ومن خلال خبرتنا بالقضايا الأسرية ننصح بالتوافق والتفاهم بين الزوجين، وعدم تدخل ذوي الزوجين وعدم تحريض بعض الأصدقاء لهم، والتمسك بالدين والأخلاق والأعراف واحترام الشروط بعقد الزواج وعدم الانجرار وراء الماديات والكماليات لكون غالبا ما تنتهي النزاعات المتعلقة بالسكن بالطلاق، لتعنت الأطراف، وفقدان الثقة بينهم، وينعكس ذلك على الأسرة لاسيما الأطفال فيها. فالتفاهم والتنازلات والتضحيات والوساطة والتحكيم خارج المحكمة، أو قبل نقل النزاع إليها، يحافظ على الأسرة واستمراريتها.