دراسة حصلنا فيها على التسلسل الوراثي لعدد كبير من المشاركين
السيدات اللاتي اكتشفن الأورام في مرحلة مبكرة تمكنّ من إزالتها
نجاح التجربة يعني إمكانية تعميمها على عدد كبير من السرطانات العائلية
التجربة تشّكل نموذجًا رائدًا للانتقال من الأبحاث إلى الرعاية الطبية الوقائية
كشف الدكتور سعيد إسماعيل - رئيس معهد قطر للرعاية الصحية الدقيقة بالإنابة، عن دراسة أجراها المعهد شملت عددًا من المشاركين، حصل المعهد خلالها على التسلسل الوراثي لعدد كبير منهم، وبدأ المعهد في بحث الأمراض الوراثية التي هم معرضون لها وكيف يمكن تفاديها، حيث جرى البحث عن بعض السيدات يحملن طفرة في الجينين المسؤولين عن النمط العائلي لسرطان الثدي.
وأكد د. سعيد إسماعيل في حوار لـ «العرب» على التواصل مع عدد من السيدات وإخبارهن أنهن قد يكن معرضات للإصابة بسرطان الثدي بسن مبكرة أكثر من السيدات الأخريات اللاتي لا يحملن هذه الطفرة، مشيراً إلى أن التجربة ساهمت في إنقاذ حياة بعض السيدات، حيث تم تحويل بعضهن إلى مؤسسات الرعاية الصحية، ومن ثبت أن الأورام قد بدأت بالظهور لديهن، لكن في مرحلة مبكرة جدًا، تمكنّ من إزالتها، وقد قمن بتحفيز قريباتهن بالمشاركة.
ونوه إلى أن هناك اعتبارات أخلاقية يجب التمسك بها في الرعاية الطبية الدقيقة، وأهمها السرية والخصوصية، وأن للمريض الحق في أن يحتفظ ببياناته الجينية الخاصة به، وألا يتم استغلالها من قبل جهات معينة، كشركات الأدوية أو شركات التأمين، ولفت إلى أن أحد أهم الاعتقادات الخاطئة هو أن الرعاية الصحية الدقيقة تتعلق فقط بالأمراض الوراثية التقليدية، لكن الرعاية الدقيقة تشمل جميع الأمراض، بما في ذلك الأمراض الشائعة مثل: ضغط الدم، السّكري، أمراض القلب.. وإلى نص الحوار..
علاجات متخصصة
◆ بدايةً، ما هو التأثير الثوري المتوقع للرعاية الصحية الدقيقة على المنظومة الصحية ومستقبل العلاج؟
¶ ستحدث الرعاية الصحية الدقيقة ثورة في النظام الصحي من خلال التركيز على الوقاية من الأمراض بدلًا من علاجها بعد حدوثها، والانتقال من مفهوم «علاج واحد يناسب الجميع» إلى علاجات مخصصة وفعالة. هذا سيسمح بتقديم رعاية أكثر دقة وأقل في الآثار الجانبية وأقل كلفة، مما يعزز صحة الأفراد والمجتمعات بشكل عام.
◆ ما هي ممارسات الرعاية الصحية الدقيقة التي سيتم تبنيها أولًا؟
¶ أولى تطبيقات هذه الرعاية عادة تتعلق باستجابتنا للأدوية، فنظرًا لاختلاف استجابة الأفراد حسب اختلاف جيناتهم، سيكون أول تطبيق في المجال السريري هو تخصيص العلاج الأمثل لكل فرد بناءً على استجابته الشخصية. هذا يعني أن العلاج لن يكون موحدًا للجميع، بل سيتم تكييفه وفقًا لاحتياجات واستجابات كل شخص لتحقيق أفضل النتائج وتقليل الآثار الجانبية.
كما سيتم التوسع في برامج الفحص الجيني عند الولادة، مما يعني فحص المزيد من الأمراض منذ لحظة الولادة، والكشف المبكر عن أي مخاطر صحية محتملة.
◆ ما تأثير الرعاية الصحية الدقيقة على تجربة المريض، وما الذي يمكن أن يتوقعه المرضى فيما يتعلق بالتشخيص والعلاج؟
¶ سيستفيد المريض من علاجات أكثر ملاءمة وفعالية وأقل في الأعراض الجانبية. لكن سيكون المريض مسوؤلًا بشكل أكبر عن رعايته ووقايته من الأمراض. سينتقل جزء من المسؤولية من الطبيب أو من نظام الرعاية الصحية إلى المريض، الذي سيمتلك عندها المعلومات الكافية للقيام بدوره في تطبيق ما يعرفه عن صحته المستقبلية وتفادي الأمراض.
ستتمحور معظم زياراتنا للطبيب في المستقبل حول الأمراض التي قد نكون معرضين للإصابة بها، بدلاً من تلك التي أصبنا بها بالفعل، حيث سيتركز الاهتمام على التنبؤ والوقاية من الأمراض المستقبلية وليس فقط التاريخ المرضي للفرد. وهذا التغيير مهم جدًا، حيث سيلعب المريض دورًا أكبر في الوقاية من الأمراض، بالإضافة إلى ذلك، سيتعاون مع الطبيب لوضع نظام وقائي يهدف إلى تفادي الإصابة بالأمراض، وليس فقط علاجها بعد حدوثها، وهو ما سيقلل من تكاليف الرعاية كما سيوفر معلومات أكبر للمريض حول صحته، وستساعد تقنيات الذكاء الاصطناعي في تسهيل التعامل مع هذه البيانات.
الرعاية الدقيقة
◆ كيف يمكن ضمان استفادة الجميع من الرعاية الصحية الدقيقة مع عدم تفاقم الفجوات الصحية الحالية؟
¶ يجب أن تبنى الرعاية الصحية الدقيقة مستقبلاً على الفهم المفصل للمكون الوراثي لشعب ما، لذا هناك استثمار أولي ضروري في مجال الأبحاث الجينية على هذا الشعب أو المجموعة العرقية. وبناء على النتائج المستخلصة من هذه الدراسات الموسعة، يتم بناء الرعاية الصحية الدقيقة. ليس باستطاعة الجميع إنتاج مثل هذه البيانات، لذا يجب أن تتكاتف الدول المتقدمة القادرة على تقديم المساعدة للدول التي لا تملك الإمكانيات الكافية لإضافة بيانات جينية خاصة بها. وسيمكن ذلك تلك الدول من التقدم في هذا المجال، كما سيمكننا نحن أيضًا، من فهم الخارطة الجينية البشرية، وهو ما لا يمكننا تحقيقه إلا في حال قمنا بدراسة الخارطة البشرية بكل أعراقنا وجغرافيتانا.
◆ مع التطور المستمر في مجال الرعاية الصحية الدقيقة، ما هي الاعتبارات الأخلاقية التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار؟
¶ من أهم الاعتبارات الأخلاقية التي يجب التمسك بها، هي السرية والخصوصية. للمريض الحق في أن يحتفظ ببياناته الجينية الخاصة به، وألا يتم استغلالها من قبل جهات معينة، كشركات الأدوية أو شركات التأمين، والتي قد تمارس التمييز ضد المريض وتطالبه باشتراكات باهظة أو حتى تمتنع عن دفع تكاليف مرضه. وقد بدأت العديد من الدول والهيئات المعنية باتخاذ اجراءات مسبقة لمنع التمييز ضد المريض بناء على مكونهم الوراثي.
◆ ما هي الاعتقادات الخاطئة الأكثر شيوعًا حول الرعاية الصحية الدقيقة، وكيف يمكن تصحيحها؟
¶ أحد أهم الاعتقادات الخاطئة هو أن الرعاية الصحية الدقيقة تتعلق فقط بالأمراض الوراثية التقليدية. لكن في الواقع، ما هو قادم يشمل جميع الأمراض التي نتعرض لها، بما في ذلك الأمراض الشائعة مثل: ضغط الدم، السّكري، أمراض القلب، فحتى هذه الأمراض تؤثر بها جيناتنا بنسب متفاوتة وهذه أيضًا أمراض لها علاقة بالبيئة ونمط الحياة. لذلك، توجد معادلات رياضية معينة يمكنها الجمع بين هذه المؤثرات والخروج بنسبة الخطورة لنمط معين. هذه المعادلات ستصبح جزءًا من الرعاية الصحية الدقيقة. وفي فترة ما، سيصبح المواطن العادي على علم بهذه النسب والأرقام، مما يمكنه من معرفة الأمراض الشائعة التي قد يتعرض لها.
◆ ما المعارف والمهارات التي سيحتاجها مقدمو الرعاية الصحية في المستقبل من أجل تحقيق النجاح في مجال الرعاية الصحية الدقيقة؟
¶ هناك العديد من المهارات التي يجب أن يمتلكها العاملون في مجال الرعاية الصحية، لأن هذا المجال يتقدم بسرعة كبيرة جدًا. حتى المختصين يجب أن يبقوا على اطلاع بكلّ المستجدات الحديثة في هذا المجال.
حجم المعلومات كبير جدًا وتجميعها وتقديمها أمر معقد، مما يتطلب أن ينخرط مقدمو الرعاية الصحية في ورش عمل وبرامج تدريبية تختلف مدتها بحسب دور الشخص في نظام الرعاية. لن يكون القرار في كثير من الحالات بيد الطبيب وحده، بل سيشمل مجموعة متعددة التخصصات، مثل: الطبيب، عالم الوراثة، خبير البيانات الطبية والمعلوماتية، المستشار الوراثي، وغير ذلك، لاتخاذ القرار قبل الوصول إلى مرحلة التدخل الطبي.
يجب أن يكون الجميع على مستوى أساسي من الدراية حول كيفية عمل التسلسل الوراثي وكيفية تحليل البيانات بشكل عام، وكيفية التعرف على الطفرات المصاحبة لهذه الأمراض.
إحداث التغيير
◆ هل بإمكانك أن تشاركنا مثالاً عن دور الرعاية الدقيقة في إحداث التغيير على حياة المرضى في قطر؟
¶ في إطار مشروعنا، أجرينا دراسة شملت عددًا من المشاركين حيث حصلنا على التسلسل الوراثي لعدد كبير منهم. ومن منطلق أخلاقي، فكرنا، بما أننا حصلنا على هذه المعلومات الوراثية، لماذا لا نبحث في الأمراض التي هم معرضون لها وكيف يمكن تفاديها؟ بدأنا بما هو مثبت وراسخ علميًا، وهو أن بعض السيدات يحملن طفرة في الجينين المسؤولين عن النمط العائلي لسرطان الثدي.
وبالفعل، تواصلنا مع عدد من هؤلاء السيدات وأخبرناهن أنهن قد يكن معرضات للإصابة بسرطان الثدي بسن مبكرة أكثر من السيدات الأخريات اللاتي لا يحملن هذه الطفرة. وبدأنا التجربة لقياس مدى استجابة المشاركات. وخلاصة التجربة أننا كنا قادرين على المساهمة في إنقاذ حياة بعض السيدات. بعضهن تم تحويلهن إلى مؤسسات الرعاية الصحية في قطر، وبعضهن ثبت أن الأورام قد بدأت بالظهور لديهن، لكن في مرحلة مبكرة جدًا.
السيدات اللاتي اكتشفن الأورام في مرحلة مبكرة تمكنّ من إزالتها، وقد قمن بتحفيز قريباتهن بالمشاركة. نجاح هذه التجربة يعني إمكانية تعميمها على عدد كبير من السرطانات العائلية.
سيشّكل ذلك نموذجًا رائدًا لقطر، حيث ننتقل من مستوى الأبحاث إلى الرعاية الطبية الوقائية. كما سنتعرف على كل من يحمل طفرة وراثية قد تهدد حياته، ونوفر له في النظام الصحي إجراءات وقائية تقلل من احتمال حدوث هذا المرض.