في تطورات متلاحقة هزت الاستقرار السياسي في هولندا، واجه رئيس الوزراء ديك سخوف وحكومته المؤقتة اقتراح سحب الثقة في البرلمان، بعد سلسلة من الاستقالات المدوية داخل الائتلاف الحاكم. الاقتراح، الذي قدمه حزب «دينك» ذو التوجه اليساري والذي يمثل ثلاثة مقاعد في مجلس النواب، يأتي كرد فعل مباشر على رفض الحكومة فرض عقوبات أشد على الاحتلال الإسرائيلي بسبب انتهاكاتها في غزة، مما أدى إلى انسحاب حزب “العقد الاجتماعي الجديد” (NSC) بأكمله من الحكومة، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى استقالة الحكومة بالكامل، مما يؤدي إلى أزمة سياسية غير مسبوقة، خاصة مع اقتراب الانتخابات المقررة في أكتوبر المقبل.
وبدأت الأزمة يوم الجمعة الماضي، عندما استقال وزير الخارجية كاسبار فيلدكامب، عضو حزب NSC، بعد فشله في إقناع الائتلاف بفرض عقوبات جديدة على الاحتلال ردًا على حملته العسكرية في غزة. ووصف فيلدكامب موقف الحكومة بأنه «غير قادر على تنفيذ سياسة خارجية ضرورية»، مشيرًا إلى رفض اقتراحاته بمنع واردات من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وإلغاء تصاريح تصدير أجزاء سفن بحرية بسبب «تدهور الظروف» في غزة.
استقالة جميع وزراء ومسؤولي حزب NSC الثمانية، أدى إلى تفكك الائتلاف الذي يتكون من أربعة أحزاب، تاركاً الحكومة مع حزبين فقط يمثلان 32 مقعدًا من أصل 150 في البرلمان.
تجاهل الإبادة
ويربط الاقتراح هذه الاستقالات مباشرة بموقف هولندا من «عدوان الاحتلال الإسرائيلي» على غزة، حيث اتهم ستيفان فان بارل، زعيم حزب دينك، الحكومة بـ «تجاهل إبادة جماعية»، مطالبًا باستقالتها الفورية. وفقًا للسياسة الرسمية الهولندية، تدين الحكومة انتهاكات القانون الدولي الإنساني من قبل الاحتلال، بما في ذلك حظر المساعدات الإنسانية والكهرباء على غزة منذ 19 مارس 2025، وخطط التوسع الاستيطاني التي تعتبرها غير قانونية بناءً على رأي محكمة العدل الدولية في يوليو 2024. كما طلبت في مايو 2025 مراجعة اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل بسبب عدم الامتثال لحقوق الإنسان، وهو اقتراح دعمته غالبية وزراء خارجية الاتحاد.
وفي البرلمان الهولندي، رفض غالبية النواب يوم 23 أغسطس اقتراحات للاعتراف بالدولة الفلسطينية أو فرض حظر على المنتجات من الضفة الغربية، مما أثار غضب الأحزاب اليسارية والمؤيدة لفلسطين، ومع ذلك، ساهمت هولندا بأكثر من 82 مليون يورو في المساعدات الإنسانية لغزة منذ أكتوبر 2023، ودعمت تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية بمبلغ 3 ملايين يورو. وتستمر المناقشات في البرلمان، حيث يسعى سخوف للحصول على دعم أحزاب المعارضة مثل حزب جيرت فيلدرز اليميني المتطرف أو تحالف اليسار الأخضر-العمالي، لكن الخلافات حول الهجرة والموقف من إسرائيل تعيق ذلك.
وإذا نجح الاقتراح، قد يؤدي إلى تعيين مسؤولين غير حزبيين لإدارة الشؤون حتى الانتخابات، مما يعكس تصاعد الضغوط الداخلية بسبب الصراع في غزة. هذه الأزمة تكشف عن انقسامات عميقة في أوروبا حول التعامل مع الانتهاكات الإسرائيلية، التي أدت إلى آلاف الضحايا المدنيين وكارثة إنسانية مستمرة.