

توفير مواقف السيارات وأماكن جلوس مستخدمي الكراسي المتحركة ودورات المياه
شاركت الفريق الذي تفقد وقيّم المسارات المؤدية إلى استاد المدينة التعليمية
حددنا بعض التحديات المتعلقة بسهولة الوصول مثل النقص في اللافتات الإرشادية
جهد جماعي بُذل لتلافي التحديات لضمان تجربة ثرية لكل الجماهير دون استثناء
أكدت غنيمة الطويل، المدرس المساعِد في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر أن ذوي الإعاقة في قطر يترقبون بفارغ الصبر انطلاقة كأس العالم FIFA قطر 2022 ™، بعد أن قطعت دولة قطر وعدًا بأن تكون النسخة الأكثر شمولًا والأفضل من حيث سهولة الوصول والحركة في تاريخ البطولات الكبرى، خاصة مع تطبيقها معايير سهولة وصول غير مسبوقة يُنتظر منها أن تغير وجه البلد كليًا.
وقالت في تصريحات لـ «العرب» إنها شاركت في «منتدى التمكين»، الذي أطلقته اللجنة العليا للمشاريع والإرث في عام 2016 للوفاء بهذا الوعد، وضم في عضويته أفرادًا من ذوي الإعاقة من كل أنحاء قطر ليقدموا الدعم والمشورة للجنة حول ما يخص احتياجات الأشخاص من ذوي القدرات المختلفة واختبار معايير سهولة الوصول المطبقة في الملاعب، المادي منها والرقمي، لضمان أن تلبي احتياجات جميع الأفراد بغض النظر عن قدراتهم.
وتعاني غنيمة الطويل، البالغة من العمر 37 عامًا، من مرض غير مشخّص تسبب لها بتحدٍ جسدي جعلها تعتمد في الحركة على كرسي متحرك أو جهاز مشي، وتجدر الإشارة إلى أنها لم تولد مصابة بهذا المرض وكانت قادرة على المشي بدون مساعدة حتى مطلع العقد الثاني من عمرها.
وأشارت إلى من بين الملاعب الثمانية المخصصة لاستضافة منافسات كأس العالم FIFA قطر 2022 ™، زارت استاد خليفة الدولي، واستاد المدينة التعليمية، واستاد أحمد بن علي؛ بهدف اختبار مختلف تجهيزات سهولة الوصول، بما فيها مواقف السيارات، وأماكن جلوس مستخدمي الكراسي المتحركة، ودورات المياه، ومنافذ البيع المختلفة. ومن بين آخر تجاربها في هذا الإطار كانت عضويتها في الفريق الذي تفقد وقيّم المسارات المؤدية إلى استاد المدينة التعليمية.
وعن هذه الزيارة التفقدية، قالت غنيمة الطويل، الفلسطينية التي أمضت معظم حياتها في قطر: «حددنا بعض التحديات المتعلقة بسهولة الوصول مثل النقص في اللافتات الإرشادية، وبُعد موقف السيارات نسبيًا عن الاستاد، لكن ما كان أكبر من التحديات هو الجهد الجماعي الذي بُذل لتلافي هذه الأمور والتغلب عليها بهدف ضمان تجربة ثرية لكل الجماهير دون استثناء».
وأضافت: «على مدار الأشهر القليلة الماضية، وضع الكثير من اللوحات الإرشادية في أنحاء المدينة التعليمية. وقد كان هذا أمرًا رائعًا بالنسبة لي أن أرى عمليات التدقيق والمراجعة تتحول إلى إجراءات حقيقية تعزز سهولة الوصول إلى المنشآت. مما جعلني أشعر بأن ذوي الإعاقة باتوا يحظون باهتمام وترحيب أكبر».
وتحمل غنيمة الطويل درجة الماجستير في الترجمة السمعية البصرية من جامعة حمد بن خليفة، وتعد من أشد مناصري شعار «لا غنى عنا فيما يخصنا»، والذي يسلط الضوء على ضرورة إشراك ذوي الإعاقة في كل ما يعنيهم.
وتابعت غنيمة: «ذوو الإعاقة أدرى بطبيعة التحديات التي يواجهونها. حُسن النوايا أمرٌ رائع، لكنه غير كاف، ولهذا يجب أن نشارك وأن نكون قادرين على التعبير عن مشكلاتنا كُلما طرح موضوع التمكين وسهولة الوصول».
وبهدف توضيح مقصدها، تضرب غنيمة مثلًا قضية المنحدرات المخصصة لمستخدمي الكراسي المتحركة، وكيف أن الكثير من المنشآت والمرافق باتت تحرص على وضعها، غير أنها في كثير من الأحيان، ونظرًا لانحدارها الحاد، تكون غير قابلة للاستخدام عمليًا بالنسبة لمستخدمي الكراسي المتحركة أو من قبل الأشخاص الذين يحتاجون دعمًا لتسهيل حركتهم مثل كبار السن، أو الآباء والأمهات الذين يصطحبون أولادهم في عربات للأطفال.
وتضيف: بالنسبة للأفراد من غير ذوي الإعاقة، قد يبدو مجرد وجود منحدر أمرًا كافيًا بحد ذاته؛ ولن يخطر في بالهم ضرورة مراعاة زاوية الميل ليكون المنحدر صالحًا للاستخدام من قبل الفئة التي استحدث من أجلها. فكم من مرّة استخدمتُ فيها بعض هذه المنزلقات وانتهى بي المطاف بكفّين محترقتين نتيجة محاولتي إبطاء الكرسي المتحرك».
اهتمام متزايد
رغم ما سبق، أشادت غنيمة الطويل بالاهتمام المتزايد في جعل الأماكن سهلة الوصول أمام الجميع، ودعت جميع المؤسسات والمنظمات إلى إشراك الأشخاص من ذوي الإعاقة في كل النقاشات المتعلقة بتمكينهم: «أشركوهم من البداية، وليس في النهاية عندما يكون من الصعب جدًا إجراء تعديلات أو تنفيذ مقترحات. إذا عملنا معًا، سنتمكن من إنشاء مساحات حقًا سهلة الوصول».
خلال السنوات الست الأولى من مشكلة غنيمة الصحية، اعتقد الأطباء أنها تعاني من ضمور عضلي في الأطراف، ثم، وعلى مدى 15 عامًا، تم تشخيص حالتها بأنها مصابة بمرض ضمور العضلات الشوكي الوراثي، لكنها أجرت مؤخرًا اختبارًا جينيًا، وتم استبعاد ذلك أيضًا، لتبقى حالتها دون تشخيص.
وعن حالتها تبيّن غنيمة: «من الخصر إلى أسفل جسدي، ليس لدي أي قوة عضلية على الإطلاق. نظريًا، لم يكن من المفروض أن أكون قادرة على المشي إطلاقًا ولا حتى بمساعدة المشّاية. وصفني طبيب في ألمانيا ذات مرة «بـالمعجزة الحية» وقال إنه لا يوجد تفسير لكيفية تمكني من المشي».
لم يكن تقبل هذا التحدي أمرًا سهلًا بالنسبة لغنيمة، وتتذكر كيف دخلت في حالة إنكار لبعض الوقت: «أظن أحيانًا أن هذا أحد الأسباب التي جعلتني قادرة على المشي إلى الآن؛ أي سلطة العقل على الجسد».
وتتابع: «لم يكن سبب معاناتي الإعاقة بقدر ما كانت الطريقة التي يُنظر بها إلى ذوي الإعاقة، ولذلك بذلت قصارى جهدي حتى لا أكون واحدة منهم. آنذاك لم أفهم أنه لا حرج في أن يعاني المرء من إعاقة».
بالنسبة لغنيمة، بات كل ما سبق وراء ظهرها، وهي الآن مدافعة نشطة عن قضايا ذوي الإعاقة، واكتسبت سمعة بأنها تلك «المشاكسة» التي لا تلين في هذا الخصوص. تعلّق غنيمة: «إنه لقب أفتخر به وهو لقب نلته عن جدارة لأنني أرفع صوتي. أنا أطالب بالتغيير، والأهم من ذلك، أريد أن تُقدم الفرص والخبرات لمجتمع ذوي الإعاقة على قدم المساواة مع الآخرين. ولا أخشى أن أرفع صوتي حين يصمت الآخرون».
وتستطرد غنيمة: «ما زلت ذاك الشخص غير القادر على المشي دون مساعدة، لكن ما أفعله غيّر حياتي تمامًا، والأماكن التي يمكنني الوصول إليها، والأشياء التي يمكنني الاستمتاع بها. خذ مثلًا تجربة بسيطة مثل شراء الملابس؛ هذه تجربة لا يمكنني الاستمتاع بها لأن غرف قياس الملابس صغيرة جدًا ولا تتسع لي ولكرسيّ المتحرك، هذا في وقت تحوي فيه بعض المتاجر الكبرى أكثر من 10 غرف قياس ملابس؛ فهل نبالغ إن طالبنا بأن تخصص واحدة فقط من هذه الغرف العشر لذوي الإعاقة ليتمتعوا بتجربة تسوق طبيعية نوعًا ما؟».
مباراة كندا والمغرب
حصلت غنيمة على تذكرة لمشاهدة مباراة كندا ضد المغرب ضمن منافسات مونديال قطر 2022، وعندما سألناها عما إذا كانت تشجع ذوي الإعاقة الآخرين على حضور المباريات في الملعب، قالت: «بالطبع! أدعوهم جميعًا للحضور والاستمتاع بالتجربة. فليس هناك ما نخشاه. يجب أن تتوقف الوصمة الاجتماعية وألا تقف حاجزًا بيننا وبين الاندماج في المجتمع. فدعونا نستغل هذه الفرصة لتغيير الصورة النمطية عنا، ودعونا نلعب دورًا فاعلًا في خلق عالم أفضل لأنفسنا».
وعن الكيفية التي تأمل أن تؤثر فيها استضافة البلاد لمونديال 2022، تقول: «آمل أن تقود استضافة البطولة إلى بناء مجتمع شامل ومتنوع يلائم جميع أفراده على اختلاف قدراتهم، وآمل أن يعي المجتمع، بشكل أكبر، أن سهولة الوصول لا تتمحور حول فتح باب لنا أو دفع كرسينا المتحرك لعبور منحدر، بل إنشاء عالم يعيش فيه ذوو الإعاقة حياة كريمة، ويتمكنون من القيام بكل هذه المهام بصورة أكثر استقلالية».