صيام نهاراً وحجر مساءً.. فرصة لا تعوّض لقهر التدخين

alarab
محليات 28 أبريل 2021 , 12:15ص
حنان غربي

د. أمينة الهيل: للأسرة دور مهم في مساعدة المدخن للإقلاع 

دراسة «حمد الطبية» بشأن انتشار التبغ بين «ربع» البالغين بالدولة تدق ناقوس الخطر

أم سالم: رمضان بدون مقاهٍ ولا خيم أفضل وسيلة للتعافي من هذه العادة 
 

لم يكن منظر تلك الشابة الجامعية الجميلة التي تدخن الشيشة ليشكل أي حدث، لولا معرفتي بوجود والدتها معها، كان من الصعب أن يستوعب عقلي سماح الأم لابنتها بالتدخين وفي حضورها، وعند الحديث مع الوالدة ذكرت لي أنها عرفت أن ابنتها تدخن الشيشة، وبدون علمها، وبطريقة شرهة، وهي حالياً تسمح لها بتدخينها مرة واحدة في الأسبوع وتحاول من خلال هذا التقنين الوصول إلى أن تساعد ابنتها على الإقلاع عن التدخين.
طريقة هذه السيدة تحتمل الصح والخطأ، لكننا لسنا هنا لتقييمها، ولا للحديث عن تجربتها، فقد أقلعت فعلاً ابنتها عن التدخين، بسبب صبر الوالدة وجهودها، لكن كم من أم مستعدة لمساعدة ابنها أو ابنتها للإقلاع عن هذه العادة السيئة، خصوصاً في شهر رمضان الذي يعد فرصة للتخلص من الكثير من العادات السيئة، لا سيما تلك التي تسبب أضراراً بالغة بالصحة، وعلى رأسها التدخين، خصوصاً في الفترة الحالية، حيث لا مقاهي مفتوحة، ولا تجمعات مسموحة، فقد يكون كل ذلك في صف العائلة التي تستطيع أن تراقب أبناءها، ويكونون دوماً تحت نظرها، وبالتالي يمكنها مساعدتهم في التخلص من التدخين، تلك الآفة التي دقت الدراسة الأخيرة الصادرة عن مؤسسة حمد الطبية، ناقوس الخطر حولها، بعدما ذكرت أن نسبة انتشار منتجات التبغ بين البالغين في الدولة تبلغ 25 % .
«أم سالم» واحدة من النساء اللاتي قررن هذه السنة مساعدة أبنائهن على الإقلاع على التدخين، وتقول: رمضان هذه السنة في ظل الظروف الاستثنائية التي نعيشها حيث لا مقاهي ولا خيمات رمضانية، ولا تجمعات، هو فرصة حقيقية للتخلص من العادات السيئة، واستبدالها بعادات حميدة، فابني الذي كان يخرج بعد الإفطار مباشرة إلى المقاهي والمولات أصبح اليوم مرغماً على البقاء في البيت، وأحاول أن أحفّزه على قراءة القرآن، وممارسة العبادات والمطالعة، خصوصاً أنه لا يستطيع التدخين في البيت أمام أفراد الأسرة، فقد تمكن من الإقلاع عن هذه العادة السيئة، وأحاول أن أدعمه للاستمرار حتى بعد شهر رمضان.
تجربة صعبة كُللت بالنجاح
الفرصة التي يشكلها رمضان للراغبين في التخلص من التدخين ليست مقولة نظرية، وإنما حقيقة يؤكدها عبدالله الذي خاض هذه التجربة، ونجح فيها هو الآخر. ويعترف أن «البداية كانت صعبة»، ولكن إصراره على ترك العادات السلبية كان حافزاً مهماً في أن ينجح في النهاية بالإقلاع عن التدخين.
وبعد عشرة أعوام من التمسك بالسجائر، أنهاها عبدالله في أقل من شهر واحد، لينعم بالتالي بحاستي شم وتذوق صحيحتين.
ولا ينكر عبدالله التعب الذي شعر فيه في البداية، خصوصاً إذا كان هناك أحد إلى جانبه يدخن، لكن إصراره وعزيمته كانا عاملين مهمين في إكمال ما بدأه.
الفوائد الصحية
من المعروف أن الإقلاع عن التدخين ليس بالأمر السهل، وللوصول إلى حياة خالية من التدخين تماماً، يقول الدكتور إياد القاسمي إنه لا بد من تضافر عدد من العوامل الأساسية، ومنها: وضع استراتيجية واضحة، ووجود الحافز والوعي والدافع للإقلاع عن التدخين. قد يبدو الإقلاع عن التدخين صعباً، وخاصة بالنسبة للمدخنين منذ زمن طويل، ولكن الفوائد الصحية التي يجنيها المُقلعون عن التدخين ذات أثر كبير، ويتضح الكثير منها خلال الأيام القليلة الأولى من البدء بحياة خالية من التدخين.
وحول الفوائد الصحية الجمّة والأثر الذي يتركه التوقف عن التدخين في جسم المُقلعين عنه، يوضح د. القاسمي: «تبدأ التغييرات تطرأ على الجسم خلال أول 20 دقيقة من التوقف عن التدخين، حيث يبدأ ضغط الدم في الانخفاض، وتتحسن الدورة الدموية في غضون بضعة أيام إلى بضعة أسابيع، وتعود حاستا الشم والتذوق للعمل بفاعلية، ويصبح التنفس أسهل، وتتحسن وظائف الرئة بشكل ملحوظ بنسبة، تصل إلى 30 % خلال الأسبوع الأول».
ويشدد على الحرص على أن جعل شهر مضان فرصة لتعزيز الصحة والسعادة، والتحدث إلى الطبيب حول كيفية الإقلاع عن التدخين إلى الأبد.
تهذيب النفس
من جانبها، ترى د. أمينة إبراهيم الهيل، استشارية نفسية ومتطوعة في منظمات المجتمع المدني، أن شهر رمضان المبارك «فرصة رائعة لتهذيب النفس من العادات السيئة التي تصاحبها أضرار بالغة على الصحة وجسم الإنسان وحتى على الصحة العقلية، على اعتبار أن العقل السليم في الجسم السليم».
وأشارت الدكتورة أمينة لـ «العرب» إلى أن من أبرز العادات التي يمكن التخلص منها في رمضان، التدخين، الذي له أضرار يعرفها الجميع، خاصة أنه لا يصيب الجهاز التنفسي فقط، إنما يؤثر على أعضاء الجسم كافة، ويؤدي إلى عدة أمراض خطيرة، من بينها تصلب الشرايين، والذبحة الصدرية، وتليف الكبد، والسرطان.
وتوضح أن المدخن في رمضان عادة ما يواجه جملة من المشكلات خلال ساعات الصيام، أبرزها قلة التركيز، والتوتر الدائم، والعصبية المفرطة، والخمول، إضافة إلى اضطرابات النوم والمزاج المتقلب، مع زيادة الشهية إلى الطعام، وجميعها أزمات مرتبطة باعتياده على السيجارة ورائحة الدخان وطعمه.
أعراض ونصائح
وتؤكد الاستشارية النفسية أن تلك الأعراض أو الأزمات التي يواجهها المدخن الصائم عادة ما تكون بارزة بشكل كبير وواضح في الأيام الأولى من الصيام خلال الشهر، وتتناقص عادة تدريجياً مع مرور الأيام، بسبب تناقص مادة النيكوتين بالجسم بشكل نسبي، ومن ثم يمكن للمدخن استغلال ذلك الإقلاع الإجباري عن التدخين إلى إقلاع دائم عن تلك العادة، شرط أن تكون لديه إرادة، تبدأ من عدم الهرولة نحو السيجارة، عقب الإفطار مباشرة.
وتنصح د. أمينة الهيل المدخنين بإجراء تمارين استرخاء بسيطة، وتناول الأطعمة المهدئة للأعصاب في السحور، وهي التي تحتوي على البوتاسيوم والمغنسيوم، في التمر والخس على سبيل المثال، إضافة إلى الأغذية التي تحتوي على أحماض دهنية غير مشبعة، مثل السمك وزيت الزيتون، فتلك الأطعمة تعمل على تحسين الحالة النفسية وتقوي جهاز المناعة ضد أمراض الرئة والجهاز التنفسي.
وأشارت إلى دور الأسرة في مساعدة المدخن على الإقلاع عن التدخين، من خلال تجنيبه أي توتر أو شد عصبي، وتوفير مناخ جيد له يساعده على الإقلاع عن هذه العادة، وتحمّل عصبيته في بعض الأحيان، وتوتره.
وختمت الدكتورة أمينة كلامها بالتطرق إلى دور وجهود الدولة في مكافحة التدخين، الذي اعتبرته بوابة الآفات الاجتماعية، مشيرة إلى أسباب التدخين عند الشباب والمراهقين، والتي ذكرت منها المجاراة، والربط الخاطئ للتدخين بالنضج، أو البلوغ، أو بسبب تلك الصورة النمطية التي كان يروج لها الإعلام للشاب الوسيم الذي يدخن السيجارة أو الشيشة.

19.7 سنة متوسط عمر بدء التدخين 
كشفت الدراسة الاستقصائية التي أجراها مركز مكافحة التدخين التابع لمؤسسة حمد الطبية، بهدف تحديد مدى انتشار تعاطي التبغ والأنواع الأخرى المتداولة بين البالغين من عمر 18 عاماً فما فوق من المواطنين والمقيمين بدولة قطر، أن نسبة انتشار التبغ بين البالغين في العينة التي شملتها الدراسة تصل إلى 25.2%، لتقل هذه النسبة بنسبة حوالي 15% عن آخر دراسة تم إجراؤها في عام 2000 لنفس الفئة المستهدفة، والتي بينت أن نسبة استخدام التبغ بين هذه الفئة كانت 36.5%. وبيّنت الدراسة التي يمكن أن تمثل حجر أساس للدراسات البحثية مستقبلاً المتعلقة بهذا الموضوع، أن متوسط العمر لبدء التدخين كان 19.7 سنة، وبالتالي أظهرت الدراسة بأن هذا العمر كان أعلى من ذلك المذكور 18.1 سنة في المسح العالمي لاستهلاك التبغ بين البالغين في عام 2013، مما يبرهن نجاح الجهود المبذولة من قبل دولة قطر والجهات المختصة للحد من تعاطي التبغ بين الشباب.  تجدر الإشارة إلى أن زيادة الضرائب على منتجات التبغ التي تم تطبيقها في عام 2019 بنسبة 100% كان لها الأثر في انخفاض معدل استيراد التبغ.