في شوارع قطاع غزة المحاصرة غابت أصوات كانت تحمل الحقيقة للعالم وتوثق الألم بكاميراتها وأقلامها. عشرات الصحفيين الفلسطينيين رحلوا وهم يؤدون واجبهم المهني، ليتحوّلوا من ناقلين للخبر إلى خبر بحد ذاته.
وقبل أن تجف دماء الصحفيين أنس الشريف ومحمد قريقع وغيرهما، الذين استشهدوا في غارة إسرائيلية استهدفت خيمة إعلامية قرب مستشفى الشفاء غرب مدينة غزة في أغسطس 2025، واصلت آلة العدوان محاولاتها لترهيب الصحفيين.
فقد استشهد ستة صحفيين آخرين يوم الأحد الماضي، في قصف إسرائيلي استهدف مجمع ناصر الطبي في خان يونس، وهم: مريم أبو دقة، ومحمد سلامة، وحسام المصري، ومعاذ أبو طه، وأحمد أبو عزيز، إلى جانب حسن دوحان الذي قضى برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي.
ومنذ اندلاع العدوان الإسرائيلي في أكتوبر 2023، أصبح استهداف الصحفيين مشهدا متكرّرا لا استثناءً، فالكاميرات والسيارات التي تضع بوضوح علامات الصحافة لم تكن لتعصمهم من الاستهداف.
غياب المساءلة
المنظمات الدولية المختلفة أجمعت على أن حرب غزة هي الأكثر فتكاً بالصحفيين على الإطلاق، فقد وصفتها لجنة حماية الصحفيين بأنها «الأكثر دموية في سجلاتها»، فيما دعت مراسلون بلا حدود إلى فتح تحقيق دولي مستقل، وأكدت اليونسكو أن استشهاد الصحفيين يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني ويستوجب المحاسبة.
أما الأمم المتحدة فشددت على أن غياب المساءلة سيعني عمليًا استحالة وجود صحافة حرة في ظل استمرار التهديد والقتل الممنهج.
الصورة العامة تؤكد أن قطاع غزة يشهد مأساة إنسانية غير مسبوقة لرجال ونساء الإعلام الذين دفعوا حياتهم ثمنًا لنقل الحقيقة، وسط دعوات متصاعدة لتحقيق العدالة وضمان عدم إفلات مرتكبي هذه الانتهاكات من العقاب.
نمط الاستهداف
إن القفزات الكبرى في الأعداد جاءت خلال حوادث بعينها أبرزها ما وقع في العاشر من أغسطس حين استشهد ستة صحفيين دفعة واحدة بعد استهداف خيمة إعلامية أمام مستشفى الشفاء بمدينة غزة، وكذلك ما جرى، أمس الأول عندما استهدفت ضربة جوية مجمّع ناصر الطبي في خان يونس وأودت بحياة عدد من الصحفيين والمصورين الذين كانوا يقومون بواجبهم المهني.
وأكد مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وجود مؤشرات قوية على أن بعض هؤلاء الصحفيين تعرضوا لاستهداف مباشر، وهو ما ذهبت إليه أيضًا منظمة مراسلون بلا حدود التي تحدثت عن أدلة تشير إلى أن ما لا يقل عن ستة وخمسين منهم قُتلوا بشكل مباشر بسبب عملهم الصحفي. هذه الوقائع تثير تساؤلات واسعة حول نمط الاستهداف، فقد تكررت الضربات الجوية والمدفعية التي طالت تجمعات إعلامية أو عربات أخبار تحمل علامات الصحافة بشكل واضح، كما برزت ظاهرة «الضربة الثانية» التي تستهدف المكان ذاته بعد دقائق لتوقع مزيدًا من الضحايا.
وتفيد التقارير أن معظم الصحفيين الشهداء بقوا في مواقع الخطر مصرين على مواصلة نقل الصورة من الميدان في ظروف إنسانية كارثية شملت فقدان المأوى ونقص الغذاء وحتى استشهاد أفراد من عائلاتهم.
الإعلاميون الشهداء في خان يونس
◄ مريم أبو دقة (صحفية بصرية – أسوشيتد برس): كانت توثّق معاناة الأطفال في غزة بعدستها.
◄ محمد سلامة (مصور الجزيرة): كان من أبرز المصورين الذين وثّقوا لحظات النزوح والدمار في القطاع.
◄ حسام المصري (مصور رويترز): كرّس عمله لنقل صور الحرب للعالم.
◄ معاذ أبو طه (مراسل صحفي): وُصف بأنه من أشجع الصحفيين الميدانيين الشباب.
◄ أحمد أبو عزيز (إعلامي ميداني): كان قد عمل سابقًا في نقل أخبار النازحين وأوضاع المستشفيات المنكوبة.
◄ حسن دوحان، صحفي فلسطيني ومراسل صحيفة «الحياة الجديدة» استشهد برصاص الاحتلال الإسرائيلي.