الفن سيظل شامخاً.. والعبرة دائماً بالكيف لا بالكم

alarab
ثقافة وفنون 27 يوليو 2013 , 12:00ص
القاهرة - حنان الهمشري
«إن من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر».. إيمانه العميق بهذا الحديث جعله لا يخاف ولا يتردد ويتمسك بقول الحق في زمن كانت كلمة الحق بدلا من أن تكون نورا كانت تحفر قبورا، ورغم ذلك قالها وبأعلى الصوت من خلال أعماله الفنية، ولأنه يرى خطورة زواج القاصرات قرر كشف النقاب عن تلك القضية الشائكة من خلال مسلسله الرمضاني «القاصرات»، ودق ناقوس الخطر وحتى عندما تغير الزمان وتبدل الحكام ظل هو كما كان دائما لا يخشى في الحق لومة لائم، دستوره هو ضميره، وكلمة الحق هي أعز ما لديه، ورغم أننا في زمن يرمى فيه أنقي الناس بأقسى الألفاظ والأوصاف فإننا لم نجد هناك من يختلف على أن الفنان صلاح السعدني هو واحد من أكثر فناني مصر تأثيرا واحتراما، فما يقوله دائما هو محل تقدير واحترام. وحول قضية القاصرات كان حوارنا التالي معه.. • في البداية.. كلنا نعلم أن عمدة الدراما الرمضانية لا يقدم عملا إلا إذا كان هناك هدف محدد يرمي إليه.. فترى ما الهدف من تقديم مسلسل القاصرات؟ - أنا بالفعل لدي قناعة مؤكدة أن العمل الفني لا بد أن يكون له رسالة وهدف واضح ومحدد المعالم، ومسلسل القاصرات بشكل خاص أردت من خلاله تسليط الضوء على الحياة الاجتماعية لشريحة عريضة من المجتمع المصري والعربي ودق ناقوس الخطر من زواج القاصرات اللواتي يحرمن من التعليم، فهذه الظاهرة منتشرة بشكل كبير خصوصاً في المجتمعات الريفية والقرى، فشخصية عبدالقوي الرجل الثري الذي يعشق الزواج من الفتيات الصغيرات شخصية صعبة لأنها تتميز بجانب كبير من الشر والشهوة وحب النفس والسعي وراء إرضائها من دون التفكير في الآخر، أو معرفة السلبيات التي قد تنجم عن أفعاله، هذا بالإضافة إلى الخطر المؤكد الوقوع من زواج هؤلاء القاصرات اللائي ما زال الوقت مبكرا على زواجهن فيقعن في العديد من المشكلات التي أردت كشف النقاب عنها وبكل جرأة من خلال أحداث المسلسل حتى تكون واضحة جلية، رغم أن الواقع أكثر قسوة بكثير مما نقدمه بالمسلسل. • اسمح لي أن أضع يدي بشكل أكثر تحديدا على الأسباب التي كانت أكثر إقناعا لصلاح السعدني لتقديمه هذا العمل؟. - لن أستطيع أن أحصر لك بشكل رقمي أسباب قناعتي وانبهاري بهذا العمل عند قراءتي له أكثر من أنه يتناول قضية مهمة مثار جدل للعديد من الأسر المصرية خاصة في الآونة الأخيرة، بعدما كانت بعض الجهات قد تداولت جواز زواج القاصرات فأردنا طرح المشكلة بوجهها الحقيقي بعيدا عن الأساليب التي كانت تستخدمها تلك الجهات من تجميل قبح الفكرة التي تبنتها بعض الجهات التي كان لها شأنها في النظام السابق، فطرحت على المؤلفة سماح الحريري والمخرج مجدي أبو عميرة الفكرة وكانت هناك جلسات حوار طويلة وأردنا طرح القضية من جميع جوانبها بداية من أسبابها وتداعياتها وتأثيرها على المجتمع وعلى الفتيات صغيرات السن. والحقيقة أن المؤلفة كانت أكثر من رائعة لأنها اقتربت خلال أحداث المسلسل من فكر الأشخاص الذين يقومون بهذه الجريمة وما إذا كانوا مرضى أم أشخاصاً طبيعيين، وتعاملنا مع القضية بشكل يتناسب معنا كمجتمع شرقي. • إلى أي حد ترى أن شخصية عبدالقوي منتشرة في المجتمع المصري؟ - المجتمع المصري لم يعد كما هو، وأتذكر أنني قلت ذات مرة للفنان عادل إمام صديق عمري «أنا حاسس إننا نمنا 40 سنة زي أهل الكهف وقمنا على مصر تانية غير اللي كنا عايشين فيها أيام الستينيات»، وقلت ذلك لأن المجتمع الذي نعيشه الآن فعلا لا يحمل أي تشابه مع مصر زمان، المواطن المصري اختلف، والشخص الذي كنا نصفه بابن بلد وجدع وكان يجسده دائما على الشاشة الفنان محمد رضا، اختفى بشكل كبير وظهرت نماذج لم تكن موجودة في قاموس الشخصية المصرية أبداً. • الرجل المزواج.. هل أصبح تيمة درامية حاليا؟ - هذه ليست قضيتنا الرئيسية في المسلسل، ولكن لأننا نقدم في المسلسل شخصية تحمل كل الصفات السيئة، فكانت مؤهلة لأن تظهر محبة للنساء من منطلق مرضي، فحب عبدالقوي للزواج وبخاصة من القاصرات لإظهار الشخصية بشكل قبيح، وليس لمناقشة قضية تعدد الزوجات. • «القاصرات» عمل حمل اسم العديد من الأسماء الشابة من الفنانين، فلماذا لم نر أحمد السعدني واحدا منهم خاصة أنه لم يجمع بينكما سوى عمل واحد «رجل في زمن العولمة» وكان منذ سنوات عديدة؟ - الحقيقة كل مخرج أعمل معه يقترح أن يشاركني ابني البطولة، إلا أن إجابتي أبداً لا تتغير «ليست لي علاقة به»، والحقيقة هو شخصيا لا يريد أن يعمل معي ولا يعتمد علي لأنه يخشى أن يقال له إنك تمثل لأنك ابن صلاح السعدني، وأتذكر أنه قال لي ذات يوم «اتركني أشق طريقي بمفردي»، وضحك في حديثه لي قائلا «عندما أصبح نجما كبيرا سأقول لهم «عايز أمثل مع الراجل العجوز صلاح السعدني.. عشان غلبان قوي»، فما يزيدني ذلك إلا إعجابا به وبشخصيته المستقلة، وحتى العمل الوحيد الذي جمعني به كان مصادفة، فكان من المقرر أن يلعب شخصيته أحمد زاهر إلا أنه اعتذر قبل تصوير المسلسل بأسبوعين، فاقترح عصام الشماع أن يقوم أحمد بالدور فطلبت منه ألا يدخلني في هذا الأمر ولا يتحدث معه في ذلك في بيتي حتى تكون له حرية الاختيار ولا يشعر بالحرج مني. • وماذا عن رأيك فيه على المستوى المهني.. هل تراه يسير بخطى جيدة؟ - الحمد لله أراه بالفعل شق طريقه بمفرده وربنا أعطاه الكثير، والجمهور بدأ يتعلق به، وأنا فرحان به «والبنات بتقابلني في الشارع بتسألني عليه، ولم يعد أحد يتحدث معي عن نفسي، وجميعهن يتحدثن معي عن ابني، وهذا يسعدني»، ولا أرى أنه يجب أن يسألني أحد عن تقييمه المهني لأن ذلك غير واقعي بالمرة، فمن المستحيل أن أصفه بأفضل ممثل أو العكس. • هل ترى فيه نفسك؟ - على الإطلاق فقد كنت جيلا مختلفا كما أنه أجمل وتركيبته الجسدية والشكلية أفضل مني بكثير.. ضحك قائلا «أبوه أكله أحسن مني»، فأيامي كانت الظروف أصعب وأنا سعيد جدا لأني لا أساعده في عمله وهو يعتمد على نفسه. • من المؤكد أن أعداد الأعمال الدرامية المقدمة هذا العام على الشاشة الرمضانية أقل بكثير عن العام الماضي، فهل يعني هذا تراجع صناعة الدراما؟ - لا بد أن نعطي المسميات حجمها الحقيقي فقلة الأعمال المنتجة هذا العام لا تعني تراجع صناعة الدراما أو حتى كما يدعي البعض انهيارها، فهذا العام مميز ومختلف بغض النظر عن الكم، لكنها أعمال عالية المستوى رغم حالة عدم الاستقرار التي تشهدها مصر. إن الفن المصري سيظل شامخاً، فالعبرة دائما بالكيف لا بالكم، والأعمال هذا العام هي وجبات درامية مختلفة الشكل والمضمون وجميعها على درجة عالية من الجودة في الموضوع والصورة والحبكة الدرامية، رغم وجود بعض السلبيات إلا أنها لا يمكن أن تمحو الإيجابيات الملحوظة بالأعمال المقدمة. • لماذا دائما نلاحظ أنك تفضل العمل الدرامي المأخوذ عن رواية أدبية؟ - لأن المسلسلات عندما تؤخذ عن رواية أدبية تكون أهم وأفضل، فالأديب ينسج لشخصياته أحداثا حقيقية يستطيع أن يتحرك كاتب سيناريو المسلسل من خلالها، أما المؤلف الذي يكتب من دماغه أحداثا لـ30 حلقة عادة لا تخرج بشكل لائق، لكن هذا لا يعمم لأن هناك أساتذة كبار مثل نموذج الراحل أسامة أنور عكاشة كانت شخصياته ثرية لأبعد مدى، وكذلك وحيد حامد ومحفوظ عبدالرحمن وفتحية العسال ومحمد صفاء عامر، والكثير من الوجوه الشابة المبشرة، فنحن في مصر لدينا الكثير من المؤلفين العظماء. • أخيرا هل تتابع الشاشة الرمضانية؟ - لأني أجلس على «الكنبة» كثيرا وأعتبر نفسي «الكنباوي الأصلي في مصر» أتابع بعض الأعمال، منها «العراف» لعادل إمام لأنه من أفضل الأعمال على الشاشة، وأعتبر نفسي من جمهوره وعاشقا لأعماله، وكذلك مسلسل «عمر» وإن كنت أرى مسلسل «عمر» الذي قدم العام الماضي للمخرج المتألق حاتم علي كان أفضل، كما أنني فخور بالشيوخ والفقهاء الذين أجازوا تجسيد الصحابة في الأعمال الفنية، وأرى أن ذلك سيفتح الباب لتقديم مزيد من الشخصيات الإسلامية العظيمة التي كانت مستبعدة ومحرما تقديمها على الشاشة، ومسلسل «خلف الله» للمخرج حسني صالح وصديقي العزيز نور الشريف هو عمل متميز، وكذلك مسلسل «الشك».. والحقيقة أن رغدة وحسين فهمي ومي عز الدين يعزفون معا سيمفونية رائعة، هذا بالإضافة إلى أعمال الشباب «نيران صديقة» و «اسم مؤقت».. إلخ.