ليلة القرنقعوه

alarab
ثقافة وفنون 27 يوليو 2013 , 12:00ص
بقلم: جمال فايز
دخل صالة المنزل مجموعة أطفال، منشدين مرددين، «كرنقعوة كرقعوة.. عطونا الله يعطيكم....».(1)، وحينئذ، توقفت عن قراءة الجريدة، وضعتها على حضني أراهم.. كانوا جميعاً يرتدون الملابس الشعبية، بعض الصبية، وضعوا على رؤوسهم «القحفية» (2)، بعضهم الآخر وضع عليها الغترة والعقال، بعض الصغيرات، لبسن على «دراريعهن» (3) البخنق (4)، بعضهن ثوب «النشل» (5)، وبعضهن وضعن على رؤوسهن «الطاسة» (6)، وجميعهم تتدلى على صدورهم أكياس من قماش، مخيطة من أطرافها حول أعناقهم. تسابقوا إلى والدتي عندما رأوها، تزاحموا حولها، كل يفتح كيسه لها، ورأيت الفرحة بادية عليها، لحظت انشغالها بإدخال يدها في كيس «بلاستيك» شفاف كبير، تخرج منه مكسرات، تضعه في أكياسهم، حينها، تمنيت لو أن أحدهم كان طفلي.. جميعنا في الكِبر.. نتمنى لو كان عندنا صغار.. نرى أنفسنا فيهم.. إلا أن البعض لحكمة لا نعلمها يحرم منهم، وبصوت عال مسموع في صدري قلت.. «سأظل عند وعدي لك.. لن أدعك وأذهب إلى غيرك.. ولن أيأس من مواصلة علاجنا سويا»، وتنهدت.. «يا الله.. يا كريم». شاغلت ألمي برؤيتهم، لفت انتباهي طفل نحيف، تميل بشرته إلى البياض، زان جماله شعره الأسود، المنسدل على جبينه، الملامس كتفه، وعيناه السوداوان، الواسعتان البراقتان، الوحيد دون البقية، لم يتقدم إلى والدتي، ظل واقفا في مكانه، ينظر إليّ وفي كيسه، ولا أعرف لماذا لحظتها وضعت الجريدة جانبا، واتجهت له، جلست على ركبتي أمامه.. سألته: - في أي صف دراسي أنت؟ أجاب بعفوية: الإعدادية. - ضحكت وقلت له: ما شاء الله، وفي أي صف دراسي في المرحلة الإعدادية.. الأول.. الثاني..؟ أجاب: الجامعة مثل أختي. مسحت على شعر رأسه، أخرجت محفظتي، وضعت نقودا في جيب ثوبه العلوي، عدت ثانية إلى حيث كنت، الكرسي المتوسط الغرفة، أخذت الجريدة، أطالعها وأنظر إليه... شكر الأطفال أمي، بدؤوا ترديد الأنشودة من جديد، والخروج من الصالة، حينها تعمدت إبقاء نظري عليه، والرجاء إلى الله. هامش: (1) الكرنقعوه: من الأناشيد الشعبية في التراث القطري وبقية دول الخليج العربي، تقال في مناسبة اجتماعية مساء يوم الرابع عشر من شهر رمضان المبارك مع اختلاف الاسم في بعض الدول الخليجية، وفي هذه الليلة يخرج الأطفال جماعات ويتباين عددهم من مجموعة لأخرى ويدخلون البيوت منشدين لإعطائهم المكسرات. (2) القحفية: غطاء من القماش يوضع على الرأس. (3) الدراعة: لباس شعبي للفتيات والنساء وهو نوعان إما منقوش أو يكون سادة ومطرزاً على الجوانب. (4) البخنق: لباس شعبي للفتيات الصغيرات كان شائعا في قطر وبعض دول الخليج العربي الأخرى إبان فترة الغوص، ويتميز بلونه الأسود وتطريزه الفضي أو الذهبي، وطوله من الخلف حيث تلبسه الفتيات مع الدراعة، ولا يزال يحرص أغلب الأهالي على أن تلبسه الصغيرات في هذه المناسبة الشعبية. (5) النشل: يطلق على الثوب المطرز الفضفاض، وكان في فترة الغوص يلبس عادة في المناسبات، ويكون من قماش لبْرِيسَم أو الحرير أو الشيفون، وهو مطرز من جميع نواحيه بخيوط ذهبية. وكان أحسن ألوانه الأحمر والأخضر والأسود. (6) الطاسة: قطعة مذهبة، توضع على الرأس، تتدلى منها حلقات مذهبة، دائرية الشكل من الجوانب، مثلثة على الجبين، ترتبط بحلقات صغيرة، متداخلة مع بعضها.