هل يمثل سكن الزوجين في بيت العائلة «الأسرة الممتدة» ضمانة لتوافر الشبكة الاجتماعية الداعمة للأسرة الجديدة، أم هو مقدمة لمشاكل كبيرة تنتهي بتفاقم الخلافات الزوجية المؤدية لحدوث الطلاق؟ وفي حين يرى عدد من المختصين والمواطنين أن الحياة في كنف الأسرة الممتدة ما زال من أعراف المجتمعات الخليجية التي تساهم في توفر الأمن والتعويض النفسي للزوجة عندما يغيب عنها زوجها لأي سبب من الأسباب، كما أن وجود الأحفاد في أسرة ممتدة يكون الجد والجدة فيها على قيد الحياة، يمثل قوة نفسية للأطفال، ويتيح لكبار السن أن يقدموا الدعم والخبرات للأم في تربية الأبناء، يرى آخرون أن «تدخلات» الأسرة الممتدة تمحو الحدود الواضحة للخصوصية بين الزوجين، وتثير الخلافات الزوجية، مشيرين إلى أن الحياة في كنف الأسرة الممتدة «يفتح باب المشاكل» الزوجية خصوصاً عندما تكون زوجة الابن جاءت من نمط معيشي يخالف تماما النمط الذي يعيش فيه أهل زوجها، مما يؤدي إلى عدم قدرتها أحياناً على التأقلم مع البيئة الخاصة بأسرة الزوج من جهة، وعدم القدرة على التحاور والتعايش مع أفراد الأسرة من جهة أخرى، وخاصة أم الزوج أو أخواته.
«العرب» استطلعت آراء بعض المختصين والمواطنين الذين تباينت آراؤهم حول دور الأسرة الممتدة التي تضم الأقارب في تماسك الأسرة أو تفاقم خلافاتها وزيادة تفككها.
الشيخ أحمد البوعينين: الغيرة و«التدخلات» تفسدان الحياة الزوجية
قال فضيلة الشيخ أحمد محمد البوعينين، مدير مكتب التصالح الأسري بمحكمة الأسرة إن من الأسباب الرئيسية والمؤدية إلى الطلاق تدخل الأهل في الصغيرة والكبيرة.
وأضاف فضيلته: جاء عن إبراهيم عليه السلام أنه بعد ما تزوج إسماعيل عليه السلام يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل فسأل امرأته عنه وشكت له حالهم، فقال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، وقولي له يغير عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل أخبرته، قال: ذاك أبي، وأمرني أن أفارقك فالحقي بأهلك. فطلقها وتزوج منهم أخرى.
وأكد أن البعض يستدل بهذه القصة في طاعة الأب في طلاق الزوجة، وهذا إن كان الأب في منزلة ومقام إبراهيم عليه السلام، كما نستشهد منها على ضرورة أن يكون للحياة الزوجية خصوصية للزوج والزوجة، وعدم إفشاء هذه الأسرار، كما ندعو الآباء على عدم تحريض الأبناء على هذه الأمور.
نصح فضيلته بأن ينفرد الزوج والزوجة ببيت منفصل بعيد عن الأهل، فهذا الأمر يقلل من تدخل الأهل في الحياة الزوجية لدى الزوجين، فإن كان الزوج قادرا ننصحه بأن يستقل ببيت بعيد عن الأهل، وبعيد عن الغيرة والتدخل الذي يفسد الحياة الزوجية.
وحول الفارق بين ما كانت عليه الأسر في السابق من الفخر بالأسرة الممتدة وتواجدها في نفس المنزل، وما عليها الحال في الوقت الحالي، أضاف فضيلته: تغير الزمان، ففي السابق كان في البيت قائد، فكان الجد قائداً للبيت، وقد كان أعمامي كلهم مع جدي في نفس البيت، فكانت قيادة جدي للبيت مختلفة، وهذا لا ينفي وجود بعض الخلافات، ولكن في الوقت الحالي فالأمر صعب، لأن الأسرة الممتدة تعني الكثير من المشكلات، لذا أنا ممن ينصحون باستقلال الأزواج عن البيت الممتد.
د. أحمد الفرجابي: الدور تحول من الإيجابية إلى السلبية
قال الدكتور أحمد الفرجابي الاستشاري الأسري والخبير بالشؤون الإسلامية في وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية، إن تدخل أفراد الأسرة الممتدة في شؤون أبنائهم أو بناتهم الأسرية تقف تدريجيا لتكون من أكبر الأسباب حاليا في حالات الطلاق بالمجتمع.
وأضاف الفرجابي «لا شك أن للأسرة الممتدة دورا كبيرا في غرس الموائم بين المتزوجين من أبنائها وبناتها، ويقوم الزواج وفق الزواج التقليدي عبر هذه الأسر الممتدة من خلال التعارف مع الجوار، والذي يكون من أنجح أنواع الزواج لأنه يقوم على معرفة بين الطرفين سواء من خلال الجوار أو القرابة، إلا أن في هذا الزمان أصبحت الأسرة الممتدة عنصرا يؤثر سلبا على العلاقة بين الزوجين». وأوضح الفرجابي أسباب ذلك قائلا «أولا لانتشار ثقافة المسلسلات والتواصل الاجتماعي التي تغرس الصور السلبية، ثانيا لوجود قصور في التواصل الاجتماعي الطبيعي الذي يتيح المعرفة الكاملة بين جميع الأطراف، ثالثا انتشار الغيبة والنميمة وظن السوء بين الناس».
وقدم الاستشاري الأسري عدة حلول لعودة الأسرة الممتدة إلى دورها الإيجابي تجاه الأسر الجديدة التي ينشئها الأبناء والبنات، قائلا «لابد من نشر الوعي بالأدوار الإيجابية بين أفراد الأسرة الممتدة التي كانت منتشرة عند صحابة الرسول مثلما حدث مع عمرو بن العاص عندما سأل زوجة ابنه عبدالله عن معاملة زوجها فاشتكت له تقصيره في حقه الشرعي، مما دفع عمرو إلى أن يشتكيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم الذي قام بتوجيه لإعادة التوازن لأسرته، ولم يقبل النبي بأي تقصير من عبدالله بن عمرو رغم أنه كان لصلاته وصيامه». وأضاف أن الدرس المستفاد من هذا الموقف هو أهمية الدور الإيجابي للآباء والأمهات في استقرار أسر أبنائهم وليس كما يحدث حاليا بتأجيج الخلافات، مشددا على أهمية دور الأب لما لديه من نظرة في عواقب الأمر حال حدوث خلافات أسرية، مطالبا بتفعيل دور الأمهات والخالات والعمات في تقديم النصائح للأسر الجديدة وتوجيههم نحو الحفاظ على أسرار بيوتهم.
وشدد على ضرورة عدم التسرع في تدخل أفراد الأسرة الممتدة في خلافات الزوج والزوجة اللذين قاما بإنشاء أسرة جديدة، إلا في حال كان تدخلا إيجابيا لتلطيف الأجواء.
المحامي خالد المهندي: الطرفان مطالبان بتقديم التنازلات لاستمرار الحياة
أكد المحامي خالد المهندي ضرورة تقديم تنازلات بين الزوجين حتى تستمر الحياة وتجنب تقديم الكماليات على الواجبات.
وقال» إن وجود الأسر الممتدة مرتبط بأمور اجتماعية عديدة منها الوالدان كبار السن اللذان يحتاجان إلى رعاية الأبناء وبعض الحالات الاجتماعية الأخرى مثل وجود اخوات في المنزل ليس لهن إلا اخوهن يستظللن بظله، موضحاً أن التخلي عن الأهل غير مقبول بأي حال، وأن دور الزوجة يكمن في ضرورة تفهم هذه الواجبات وتقديم التنازلات، نظرا لكونها وزوجها معرضين لمثل هذه الأمور في المستقبل عندما يتقدم بهما السن ويحتاجان إلى رعاية الأبناء من خلال وجودهم الدائم في المنزل، لاسيما أن الزوجة ستصبح أمّا في المستقبل ومن ثم جدة.
وأعرب المهندي عن أسفه لكون الأسر الممتدة احد أسباب الطلاق بين الزوجين، لأن هذا الأمر لم يكن يشكّل تحديا للزوجين في الماضي، ولكن مع تغير الزمن ومتطلبات الزوجات أصبح العيش مع الاسر الممتدة يشكل تحدياً.
د.أمينة الهيل: الوعي الأسري يضمن التعايش بين «الكنة والحماة»
أكدت الدكتورة أمينة الهيل، استشارية ﻨﻔسية وﺘﺮﺑﻮية، على الإيجابيات التي يحملها العيش في كنف الأسرة الممتدة، مشيرة إلى ان الحياة في كنف الأسرة الممتدة أحد أعراف المجتمعات الخليجية إجمالا، وقالت « إن الرجال قديما كانوا يتوجهون إلى الغوص ويغيبون عن الأسرة لمدة أشهر، وكان يحل العم أو الخال أو الجد مكان الأب، مما كان يمنح الأبناء الكثير من الإيجابيات في وجود القدوة الصالحة ووجود الرعاية، إضافة إلى التربية على الألفة، والعادات والتقاليد.
وتابعت أن طبيعة الحياة المعاصرة فرضت العمل على أغلب السيدات والزوجات وقد يكون السكن ضمن إطار الأسرة صمام الأمان، ورغم وجود الاختلافات والخلافات بين الكنة والحماة وهو أمر طبيعي عند وجود شخصيات مختلفة، لكن يجب تجاوزها لأن ذلك يصب في مصلحة الأبناء.
ولم تنكر الدكتورة أمينة أنه يوجد بعض السلبيات للسكن في كنف الأسرة والكنة مع حماتها، لكنها مع ذلك لا تشجع على نظام الأسرة الواحدة المستقلة عن العائلة، رغم أنه قد يكون لها جانب أكبر من الخصوصية، ودعت إلى التغلب على سلبيات العيش في أسر ممتدة من خلال إيجاد الحلول، مثلا السكن في وحدة سكنية مستقلة قد يضمن الخصوصية دون الانفصال، ونوهت بأنه حتى الجد والجدة أصبحوا أكثر وعيا في هذا الزمن، وقادرين على التعايش مع الكنة والأبناء دون تصادم، وإن حدث يجب على الأبناء أن يكونوا حكماء وأن يتجنبوا الصدام والمشاحنات.
أنس الغزاوي: السكن المستقل لا يمنع تدخل الأهل.. و«الحوار» صمام أمان
قال أنس الغزاوي إن حياة الزوجين في كنف الأسرة الممتدة قد يحمل أفراد الأسرة على التدخل في حياة الزوجين بشكل أكبر مما لو كانا يعيشان بشكل مستقل، وهو ما يعد من أهم مسببات الخلافات واشتعال المشاكل بين الزوجين.
وأضاف: أن السكن مع الأهل قد يشكل جواً اجتماعياً جيدا للزوجين والأبناء في بداية في بداية مشوار الحياة الزوجية لكنه قد يكون مقدمة لمشاكل كثيرة، تنتج من غياب الحدود الواضحة للخصوصية بين الزوجين، وإذا غابت مثل هذه الحدود فإن المشاكل قد تنتج من تدخل الأهل حتى لو عاش الزوجان في بيت منفصل.
وأوضح أن السكن المستقل قد لا يمثل بالضرورة صمام أمان لعدم تدخل الأهل، منوها بضرورة حسن التصرف من الزوج والزوجة للتصدي لمحاولات التدخل في حياتهما أو تؤثر على علاقتهما.
وأكد أن تدخل الأهل من الطرفين في حياة أبنائهم الزوجية يقضي على مسيرة الحياة الزوجية قبل أن تبدأ، وأن الاستسلام لتدخل الأهل يؤدي إلى انهيار الحياة الزوجية وحدوث الطلاق.
وأشار الى احتياج الزوجين خصوصا في بداية حياتهما الزوجية إلى الاستقلالية وهو ما قد لا يتيحه العيش في كنف الأسرة الممتدة، حيث يرى الوالدان والأقارب أن تدخلهم نوع من أنواع الاهتمام، مما قد يتسبب في ضياع خصوصية الحياة الزوجية وتنامي استياء أحد الزوجين حتى تأتي لحظة ينفجر فيها هذا الاستياء لسبب قد يبدو تافهاً، مشيرا الى أن أفضل طريقة للحد من تدخلات اقارب الدرجة الأولى في حياة الزوجين هي الحوار بينهما بشأن دور الأهل في حياتهم والاتفاق على الأمور المسموح وغير المسموح للأهل للتدخل فيها، ووضع الحدود للزيارات والمكالمات، مع مبدأ التقدير والاحترام للأهل باستشاراتهم في أمور لا تمس بخصوصية الزوجين لطمأنتهم أنه مازال لهم مكانة في حياة الأبناء وأنه لا يمكن الاستغناء عنهم، مع الحرص على الاستقلال المادي عن الأهل، والتكيف في حدود قدراتهم المالية فقط.
فاطمة المري: تحديات للزوجين.. والحل في الاستقلالية
ترى السيدة فاطمة حمد المري أن الحياة الاجتماعية للأسر الممتدة تخلق بعض التحديات لدى الزوجات مثل التدخل في شؤونها أو شؤون زوجها، مما ينتج عنه اتخاذ قرارات صعبة مثل الانفصال فاذا ما تمت معالجة هذه التحديات من خلال الاستقلال في منزل خاص أو احترام خصوصية الأسرة حتى وأن كانت مكّونة من زوج وزوجة فقط.
وقالت لـ» العرب « في متوسط القرن الماضي كانت مهمة الزوجة منزلية والاهتمام بالزوج، بينما الان في زمّن العصّرنة اصبح لدى الزوجة مهام كثيرة مثل الوظيفة والتخطيط لمستقبلها الخاص الذي يتضمن أحلاما وتحقيق نجاحات مهنية واجتماعية وغيرها، وبات من الصعب عليها تحّمل التحديات التي تواجه أي زوجة في بيت الأسر الممتدة.
ورأت المري أن الحل يكمن في استقلال الزوج منذ اليوم الأول، بحيث يكون له منزله الخاص هو وزوجته سواء المنزل الأساسي أو بالأجرة لحين تسلم المنزل الأساسي، موضحة أن هذه الخطوة تزيل الكثير من التحديات التي تواجه الأزواج والزوجات وتحافظ على الود بين الأسر الممتدة لا سيما علاقة الزوجة بأهل زوجها.
وأكدت أن الاستقلال لا يعد انفصالا عن العائلة انما هو حفاظ على مشاعر الود والمحبة وتجنب العديد من التحديات التي يمكن ان تتطور لتصبح مشاكل اجتماعية يومية تؤدي إلى نهاية غير سعيدة للزوجين.
دراسة مسحية: تدخل الأهل سبب الطلاق
بحسب الإحصاءات الرسمية الصادرة عن جهاز التخطيط والإحصاء فإن تركيز نسب الطلاق في المجتمع القطري يكون خلال السنوات الأولى للزواج، فمثلاً تقع نسبة 42.1 % من الطلاق خلال أقل من سنة من عمر الزواج، وتكون النسبة 58.2 % خلال أقل من سنة إلى 4 سنوات مجتمعة، بينما مثلاً تقتصر النسبة على 8 % خلال الفترة من 5 إلى 9 سنوات من عمر الزواج، وهي معدلات طبيعية مقارنة بالإحصاءات العالمية والإقليمية.
ولتحديد مسببات التفكك المبكر لمؤسسة الزواج، أجرى معهد الدوحة الدولي للأسرة دراسة مسحية بالتعاون مع جامعة الدول العربية حول تقييم العلاقات الزوجية خلال الخمس سنوات الأولى للزواج في العالم العربي، شارك فيها 19 دولة عربية، وأظهرت نتائجها أن من بين أسباب التفكك المبكر لمؤسسة الزواج عدم التوافق منها العوامل الفردية، تحديات اقتصادية، تدخل أهل الزوجين، وغيرها من الأسباب.