الإهمال أغرق مؤسسات ومنشآت في «شبر ماي»

alarab
تحقيقات 26 نوفمبر 2015 , 02:24ص
حامد سليمان
معاناة أعقبتها معاناة أعقبتها حسرة وتأس على وضع غابت فيه المحاسبة فتصاعد الإهمال كجبل أشم، أما أول سيناريوهات المعاناة فكانت مع ساعات الصباح الباكر أمس، ومع هطول كميات كبيرة من الأمطار، ربما تكون المرة الأولى خلال العقد الأخير التي تهطل فيه بهذا الشكل، وإن كان ليس لأحد يد في ذلك فإن الثانية كانت عن إهمال واضح لتحذيرات ذكرت مراراً من الهيئة العامة للأرصاد بسقوط أمطار غزيرة ومتوسطة على البلاد، فكانت ختامها حزن عاشه كافة السكان، لرؤيتهم أحد أبرز المؤسسات في الدولة غارقة في المياه، ربما مع أول اختبار حقيقي لبعضها.

وقد أكد عدد من رجال الأعمال والمختصين والمواطنين على أهمية محاسبة الجهات المتسببة في غرق بعض المؤسسات والشوارع أمس بتقصيرها، مشددين على أن غياب المحاسبة في المرات السابقة كان السبب الرئيسي في وقوع الأخطاء، فتسربت الأمطار إلى داخل صالات مطار حمد الدولي، الذي أنفق عليه مليارات الريالات، وكذلك فندق شيراتون الدوحة، الذي كبد ترميمه خزانة الدولة مئات الملايين، ثم بطل حوادث الغرق الأساسي في كل سقوط لأمطار على البلاد طريق سلوى، ناهيك عن عشرات الشوارع بطول البلاد وعرضها التي تحولت إلى برك من المياه.

وأشادوا بقرار المحاسبة الذي أثلج صدور الكثيرين، وكان شعاع النور في يوم ماطر ملبد بالغيوم، وهو توجيهات معالي الشيخ عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، بإحالة جميع الجهات المعنية والشركات المنفذة للمشاريع التي كشفت عيوبها الأمطار والأحوال الجوية التي تتعرض لها البلاد حالياً، إلى التحقيق ومن ثم إلى النيابة العامة، حيث تقرر إحالة 5 شركات حتى الآن إلى التحقيق، وسوف تتم محاسبة الجهات المسؤولة عن التقصير أو الإهمال سواءً أكانت حكومية أو خاصة، مؤكدين أن الخطوة متميزة في وقف مسلسل الإهمال من بعض الجهات.

خلل واضح
في البداية قال المهندس أحمد جاسم الجولو، رئيس جمعية المهندسين القطرية: لا شك أن ما حدث هو خلل واضح، فثمة تقصير بَيِن من المنفذ والاستشاري والمقاول، فقد وجدنا أن مباني حديثة لم يمض عليها عام واحد تغرق في مياه الأمطار، ولا يمكن أن يدفعنا كونها تحت الضمان إلى التهاون في خطأ كبير كهذا، فلا بد من خطوات جادة للوقوف على هذه المشكلة الكبيرة.

وأضاف: لا نعلم ما المشكلة، فمشروعات ينفق عليها بالمليارات، وشركات كبرى تنفذها، ومن ثم تسقط مع أول اختبار، فالأمر بات في حاجة عاجلة إلى محاسبة قوية لكل من قصر وأخطأ، فكان من المتوقع أن تكون مباني كمطار حمد الدولي وشيراتون الدوحة وغيرها من المؤسسات على أعلى مستوى من الجاهزية.

وتابع الجولو: لأي مشروع إنشائي ثلاث أطراف لا بد أن يتعاونوا من أجل خروج المشروع على أكمل وجه، فالمالك أو مؤسسة الدولة، والتي تكلف بعمل المشروع، والاستشاري الذي يضع الشكل والمواصفات، ثم المقاول وهو منفذ المشروع، وإن حدثت فجوة بين هذه الجهات الثلاث تقع المشكلات، فثمة خلل واضح في هذه المنظومة بقطر، وهذا الأمر يمكن أن يكون داخلي في أي طرف من الأطراف الثلاث.

وأوضح رئيس جمعية المهندسين القطرية أن الخلل كان ظاهراً في أمطار أمس، فساعتين وحسب من الأمطار كانت كافية لتعطيل مصالح الجمهور، وغرق الكثير من المؤسسات والشوارع، وغيرها من المشكلات التي شلت حركة الكثيرين في مناطق عدة، فلا بد من إعادة النظر في منظومة العمل على هذه المشروعات، وأن تتم محاسبة ومراقبة لعملها ومراجعة للمواصفات وعلى مستويات عدة تضمن عدم تكرار هذه المشكلات.

وأكد الجولو على أن الحاجة لشبكة تصريف مياه تعود إلى دراسة المالك «الجهة المسؤولة عن تنفيذ مشروعات الدولة»، ففي خضم المليارات التي تنفق على مشروعات الدولة يتعين دراسة الأمر من عدة جوانب، هل بتنا في حاجة لشبكة تصريف مياه وإن كانت ستكلف الدولة مبالغ ضخمة، ولكننا نحتاجها لضمان سلامة المباني والمنشآت، أم أننا بحاجة لتعديل مواصفات البناء فحسب.

وشدد رئيس جمعية المهندسين القطرية على أهمية المحاسبة على كافة المستويات، تبدأ بالمحاسبة الذاتية عن مدى إفادة الشخص للمؤسسة التي يديرها، ولكل موظف عما قدمه في عمله، ناهيك عن محاسبة الجهات المعنية عن تقصير بعض القائمين على مشروعات الدولة، فالمشاهد التي ظهرت أمس كانت مزعجة جداً، كأن نرى شخصا يقف فوق سيارة أو يمكث بداخلها في انتظار من يخرجه من هذا المأزق.

ونوه إلى أن المحاسبة لا بد أن تشمل وضع حلول، فمن غير اللائق أن تنفق الدولة مليارات، وفي النهاية تتم بصورة خاطئة تضيع المال العام، فساعتان من الأمطار لم تغرق الشوارع فحسب، بل وصل أثرها لداخل مؤسسات كبيرة، فلا بد من إعادة النظر في الكثير من النقاط حتى لا تتكرر هذه المشكلة.

إنفاق كبير

وقال عبدالعزيز العمادي، نائب رئيس غرفة صناعة وتجارة قطر الأسبق: لا بد أن ندرس ما حدث على مهل، فمن الملاحظ أن المؤسسات الحكومية فقط هي أبرز المتضررين، رغم حجم الإنفاق الكبير الذي خصص لها، لتكون على أفضل صورة، فمن مطار حمد الدولي إلى شيراتون الدوحة إلى نفق طريق سلوى، المُرثى دائماً على حاله كل شتاء، وصولاً لشوارعنا التي منعت البعض حتى من الخروج من منازلهم.

وأضاف: حجم المشكلات في مباني ومؤسسات القطاع الخاص لم تكن بالكبيرة، بل إنها في نطاق المعقول إن قورنت مع حجم الأمطار، فلما وقعت هذه المشكلات في المؤسسات الحكومية فقط، رغم اهتمام الدولة بها، وليس من المنطقي أن تقارن غرق محل تجاري بغرق مؤسسات حكومية أنفق عليها مليارات.

وأردف العمادي: تتعاقد الدولة مع كبرى الشركات حول العالم من أجل تنفيذ المشروعات، ولا تدخر القيادة الحكيمة جهداً في تخصيص الأموال للمشروعات على القدر الذي تخرجه على أفضل صورة، إلا أن المُخرج بات سيئا بصورة تحتاج إلى محاسبة عاجلة، وهذا يشير إلى أن المؤسسات المراقبة لأعمال هذه الشركات إما وقعت في عملية نصب، أو لم تقوم بواجبها أصلاً في الرقابة السليمة على الشركات، وكلتا الحالتين تضعها في إطار المحاسبة الشديدة.

وأكد نائب رئيس غرفة صناعة وتجارة قطر الأسبق أن غياب المحاسبة عن الأخطاء السابقة هو ما أوصلنا إلى هذه الحالة، فقد غرق نفق سلوى من قبل ولم تحاسب الجهات المسؤولة، وغرق طريق دخان، فخرجت علينا الجهة المعنية ببيان باهت، بأن الأمطار كانت فوق المتوقع، فما هو حجم توقعاتهم، وما رأي الجهات المعنية بهذه المرة من الأمطار، وإلى متى يظلون متأخرين عن حجم الأمطار الحقيقي بتوقعات لا نعلم لها أساس.

وشدد على أن الكثير من دول العالم التي تقع فيها مشكلات كهذه نلحظ استقالة المسؤول من تلقاء نفسه، لأنه لم يكن على قدر المسؤولية، ولكن –وللأسف الشديد– نجد في بلادنا أن المسؤول يستمر في منصبه مع كل مشكلة كبيرة، وتكتفي المؤسسة التي يقبع على رأسها ببيانات باهتة لا تسمن ولا تغني.

ونوه العمادي على أن الفترة المتعارف عليها للضمان في مشروعات المقاولات هي 400 يوم، وأن هذه المدة غير كافية للكشف عن عيوب المبنى، خاصة أن بعض الاختبارات لا تحدث بين يوم وليلة، كالأمطار التي لا تهطل على الدوحة إلا مرات معدودة كل عام، لذا يجب أن تكون فترة الضمان أطول.

وأشار إلى أن المشكلة هذه المرة كانت أكبر من المرات السابقة بمراحل، فحتى مواقف السيارات التابعة لوزارات غرقت بالمياه، ووجدنا بعض الموظفين غير قادر حتى للوصول لسياراته لينصرف، حتى شيراتون الدوحة الذي انتهت الجهات المعنية من أعمال كثيرة به منذ فترة وجيزة تساقطت الأمطار داخله، واصفاً ما حدث بـ «المهزلة».

وطالب العمادي بضرورة المحاسبة حتى لا تتكرر هذه المشكلات، فمحاسبة المسؤولين والمقاولين باتت واجبة وبصورة عاجلة، لأن الأمر معرض للتكرار خلال السنوات المقبلة وبصورة أوسع إن لم تتدخل الدولة، وتحاسب على الخطأ هذه المرة، خاصة أن الدولة مقبلة على أعمال واسعة في البنية التحتية والمواصلات وغيرها من المشروعات العملاقة التي لا يمكن التهاون في أي خطأ بها، فقد أبرزت المشكلة بعض المسؤولين الذين بات لزاماً أن يتركوا مواقعهم لمن هم أقدر.

إعادة دراسة المواصفات
ومن جانبه قال أحمد حسين المدير العام لسفريات توريست: كان من المفترض أن تكون هذه الأمطار نصب أعين الجهات المنفذة لمشروعات الدولة، خاصةً مطار حمد الدولي، فلا يليق أن يغرق في ساعتين من الأمطار، مع حجم الإنفاق الكبير الذي أخرجه في أفضل صورة، ووضعه بين كبرى مطارات العالم.

وأضاف: كما يقولون «رب ضارة نافعة»، فما حدث بالمطار كان جرس إنذار للمؤسسات التي قامت بهذا العمل، حتى تتدارك الأخطاء، ولا تقع مستقبلاً هذه المشكلات في مؤسسات حساسة بحجم مطار حمد الدولي، فاستلام المشروعات على عجل يخلف أخطاء في بعض الأحيان، ولكن لا بد من تداركها.
وتابع المدير العام لسفريات توريست: لم يكن من المتوقع أن تقع هذه الأخطاء الجسيمة، ونأمل تداركها عن طريق دراسة وافية لما وقع، فرغم الأمطار كانت غزيرة، إلا أن الجهات المعنية لا بد أن تدرس الأمر بصورة مستفيضة.

وأشاد بتوجيهات معالي الشيخ عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية إحالة جميع الجهات المعنية والشركات المنفذة للمشاريع التي كشفت عيوبها الأمطار والأحوال الجوية التي تتعرض لها البلاد حالياً، إلى التحقيق ومن ثم إلى النيابة العامة، مؤكداً أن المحاسبة وحدها قادرة على وقف مسلسل الإهمال الذي كشفته الأمطار، وأن استمرار المحاسبة على هذا الوجه سيكون لها الكثير من الفوائد للمشروعات المقبلة.

محاسبة عاجلة
ومن جانبه أكد خليفة المالكي على أن الأمطار لم تكن غزيرة، ولكن الإهمال هو ما أغرق الكثير من الشوارع، فالدوحة وكما يقولون «غرقت في شبر مية»، مشدداً على أهمية اتخاذ خطوات في محاسبة المسؤولين عن هذه الأخطاء الجسيمة، فقد شلت حركة المرور في الكثير من المناطق.

وقال المالكي: عدة مؤسسات وشركات مسؤولة بصورة أساسية عما حدث بقطر، ولا يمكن التعامل مع الأمر على أنه حادث عابر، فقد تكرر مراراً، ولو جاءت المحاسبة بصورة قوية من المرة الأولى لما تكرر الأمر، ولكنها تأخرت من باب إعطاء فرصة ثانية وثالثة لمؤسسات الدولة وكبرى الشركات التي تعاونت معها على مدار عدة سنوات.

وأضاف: لا يمكن أن نغفل عن التوصيف الحقيقي لما حدث بالأمس، فهو باختصار ساعتين من الأمطار أغرفت الكثير من الشوارع والمنازل، وصولاً لكبرى مؤسسات الدولة، فمن كان يتخيل أن منشأة بحجم مطار حمد الدولي يغرق بهذه الصورة المحزنة، ومن كان يتوقع أن تصل الأمور بمبنى رمم بمئات الملايين منذ فترة وجيزة كشيراتون الدوحة، فينتهي به الأمر بسقوط المياه داخل طرقاته بهذه الصورة.

وأردف: كنا ننتظر المحاسبة، ولكنها جاءت أسرع مما توقعنا، فتوجيهات معالي الشيخ عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية إحالة جميع الجهات المعنية والشركات المنفذة للمشاريع التي كشفت عيوبها الأمطار والأحوال الجوية التي تتعرض لها البلاد حالياً، إلى التحقيق ومن ثم إلى النيابة العامة مثاليا بامتياز، فقد باتت المحاسبة واجبة والعقاب كما الثواب ضرورة.

وأعرب المالكي عن أمله أن تتوسع عمليات المحاسبة لتشمل كافة الجهات التي وقعت منها أخطاء في التنفيذ أو الرقابة، خاصةً في مشروعات الدولة الكبرى، ومن بينها مطار حمد الدولي، وشيراتون الدوحة، وغيرها من المنشآت التي أنفقت عليها مليارات الريالات، خاصةً مع توجهات الدولة الرامية لاستمرارية مسيرة التنمية، ما يعني استمرار العمل على الكثير من المشروعات.

وأكد أن الحكومة الرشيدة تعمل بجد على مشروعات البنى التحتية، وهذا يؤكد أهمية التوسع في رقابة ومحاسبة الجهات المنفذة، لأن أي خطأ يعني إهدارا للمال العام، وظهور البلاد في غير الصورة الحضارية التي يأملها الجميع، فمشاهد الأمطار أمس كانت محزنة لكافة السكان، الذين يعلمون جدياً مدى الجهود التي تبذلها القيادة الحكيمة من أجل نهضة هذا البلد.