مدفع الإفطار.. تراث قديم متجدد

alarab
نفحات رمضان 26 مارس 2024 , 01:14ص
د. علي عفيفي علي غازي

اختلفت الروايات في تأريخ حكاية مدفع الإفطار في شهر رمضان المبارك، فتقول رواية إن السلطان المملوكي خشقدم (1460-1467) كان يُجرب مدفعًا جديدًا أهداه له أحد الولاة، وتصادف ذلك وقت غروب الشمس في أول يوم من شهر رمضان عام 865هـ/‏ 1467م، ومع توافد العلماء وأهالي القاهرة على قصر السلطان لتناول الإفطار، انتهزوا الفرصة؛ ليُعبروا له عن شكرهم بتنبيهه لهم بإطلاق مدفع الإفطار، وعلى ما يبدو أن السلطان قد استحسن الفكرة؛ فأصدر أوامره بإطلاق مدفع الإفطار يوميًا وقت أذان المغرب في رمضان. 
وتقول رواية أخرى إن الصدفة لعبت دورًا مهمًا، حيث كان محمد علي باشا، والي مصر (1805-1848)، أثناء تجربة قائد الجيش لأحد المدافع المستوردة، انطلقت قذيفة مصادفة وقت أذان المغرب في شهر رمضان، وكان ذلك سببًا في إسعاد الناس، الذين اعتبروا ذلك أحد المظاهر المهمة للاحتفاء والاحتفال بهذا الشهر المبارك، واستخدم المدفع بعد ذلك في التنبيه لوقتي الإفطار والسحور.
وتذكر رواية ثالثة أن بعض جنود الخديوي إسماعيل (1863-1879) كانوا ينظفون أحد المدافع، فانطلقت منه قذيفة دوت في سماء القاهرة وقت أذان المغرب في أحد أيام شهر رمضان، فأعجب الناس بالفكرة، وصاروا يتحدثون عنها، فلما علمت الحاجة فاطمة، ابنة الخديوي إسماعيل، بما حدث، طلبت من الخديوي أن يُصدر فرمانًا باستخدام المدفع عند الإفطار والإمساك والأعياد الرسمية، كما تم التفكير في وضع المدفع في مكان مرتفع حتى يصل صوته لأكبر مساحة من القاهرة، واستقر في جبل المقطم، حيث كان يحتفل قبل بداية شهر رمضان بخروجه من القلعة محمولاً على عربة ذات عجلات ضخمة، ويعود يوم العيد إلى مخازن القلعة مرة أخرى. 
وتوقف مدفع الإفطار عن عمله لفترة، وكان المصريون يفطرون على صوته المسجل في الإذاعة، إلا أنه عاد مرة أخرى بناء على أوامر أحمد رشدي، وزير الداخلية (1984-1986)، الذي أمر بتشغيله ثانية، ومن المكان نفسه فوق سطح القلعة، طول أيام شهر رمضان، إلا أن هيئة الآثار المصرية اعترضت لتأثير المدفع على القلعة، فتم نقله إلى جبل المقطم، ما يتيح لكل أبناء العاصمة سماعه. وهكذا استمر مدفع الإفطار عنصرًا أساسيًا في حياة المصريين الرمضانية، حتى إنهم يستمعون إليه يوميًا عبر أثير الإذاعة المصرية والتليفزيون.
وقد انتقلت هذه العادة بإطلاق مدفع رمضان إلى بعض محافظات مصر؛ لأنها تُضفي البهجة على هذا الشهر الكريم، ويخصص لكل مدفع مجموعة من صف الضباط الأكفاء حتى لا تتقدم أو تتأخر الأوقات، وذلك بإشراف الجهات الأمنية، كما انتشرت فكرة مدفع رمضان بين الدول العربية، فبدأت أولا في الشام، ثم بغداد في أواخر القرن التاسع عشر، ثم انتقلت إلى دول الخليج العربية، وكذلك اليمن والسودان ودول شمال وغرب أفريقيا وأخيرًا شرق أسيا، ولا تزال تراثًا عربيًا إسلاميًا في الكثير من الدول العربية والإسلامية ومنها قطر، حيث كانت، ولا تزال بعض الأسر القطرية تحرص على أخذ أطفال لمشاهدة مدفع الإفطار، حيث تسعدهم هذه الزيارة، وتورثهم الموروث القطري والهوية القطرية الخليجية العربية الإسلامية.