يشهد قطاع المدارس الخاصة في دولة قطر معدلات نمو متواصلة عاماً بعد عام ليلبي بشكل أساسي احتياجات السكان الوافدين في الدولة، ويوفر مجموعة واسعة من عروض المناهج مع لغات مختلفة للتعليم. وقد أظهرت إحصاءات رسمية صادرة عن إدارة السياسات والأبحاث التربوية التابعة لوزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، أن عدد الكوادر الوطنية بين المعلمين في المدارس الخاصة، بلغ نحو 30 معلماً، بينهم 25 من الإناث، مقابل 12480 معلما غير قطري، أي ما نسبته 0,0024% من عدد المعلمين في المدارس الخاصة.
واعتبر تربويون، في تصريحات لـ»العرب»، أن هذه النسبة الصفرية تمثل تحدياً أمام غرس الهوية الوطنية في نفوس الأطفال، وتربيتهم على القيم التي تتصل بالعادات والتقاليد والتي ترتبط بالبنية التربوية، مؤكدين أن هذه المهمة ربما يكون العنصر المواطن هو الأقدر على القيام بها، خصوصاً أن نحو 25% من طلبة المدارس الخاصة قطريون، كما تظهر إحصائيات توزيع طلبة المدارس الخاصة حسب نوع المدرسة والجنسية والجنس للعام الدراسي 2020/2021.
وفي حين يتجاوز عدد المدارس الخاصة في قطر 332 مدرسة تفتح أبوابها أمام أكثر من 211 ألف طالب وطالبة، يؤكد اخصائيون أن قلة الأجور وساعات الدوام الرسمي والوضع الاجتماعي، تمثل 3 أسباب رئيسية لعدم رغبة المواطنين القطريين للعمل في هذا القطاع.
ويحتضن هذا القطاع اليوم أكثر من 40 ألف طالب قطري موزعين على نحو 300 مدرسة خاصة، مقابل نحو 160 ألف طالب غير قطري في تلك المدارس.
ويضم قطاع التعليم الخاص في دولة قطر مجموعة كبيرة من المدارس من مرحلة رياض الأطفال إلى الثاني عشر (12)، بلغات ومناهج دراسية مختلفة، وهو ما يتيح التنوع للطلبة بتعلم لغاتهم وثقافاتهم الأصلية، بجانب التعرف على بقية ثقافات العالم.
ويبرز في هذا السياق السؤال المهم والمتمثل في قدرة ورغبة الكادر القطري العمل في مدارس خاصة في ظل نظام الرواتب المتدنية في هذا القطاع؟ ولماذا لم تستقطب المدارس الخاصة وعددها يزيد عن 300 مدرسة الكوادر القطرية المؤهلة في الوظائف الإدارية والأكاديمية، جنبا الى جنب مع الوافدين؟.
خالد السويدي: بيئة غير جاذبة
قال الاستاذ خالد السويدي إن بيئة المدارس الخاصة ستبقى غير جاذبة للكوادر الوطنية حيث إن الأغلبية الكبرى من الشباب القطري تتجه للعمل في القطاع الحكومي، نظرا لما تتميز به الوظائف الحكومية في الدولة من امتيازات ورواتب لا تتوفر في أغلب مؤسسات في القطاع الخاص بما فيها المدارس الخاصة؛ فضلا عما تتميز به الوظائف الحكومية من استقرار. وأكد السويدي أن المدارس الخاصة لا تستطيع استقطاب الشباب الراغبين في العمل بالتدريس بسبب الفجوة الكبيرة في الامتيازات التي يحظى بها موظفو التعليم الحكومي مع حرص الوزارة وسعيها لتوطين مهنة التدريس في المدارس والذي يبقى هدفا استراتيجيا لوزارة التربية التعليم والتعليم العالي، وهو ما تسعى الدولة الى ترجمته فعلياً سواء من خلال الحوافز لاستقطاب الراغبين في العمل بالتدريس، أو عبر برنامج «طموح» الذي أطلقته الوزارة بالتعاون مع كلية التربية في جامعة قطر وبالتنسيق مع الجهات الأخرى.
د. سالم البكري: لا تحظى بالاهتمام مثل الحكومية
قال الدكتور سالم البكري، خبير تربوي والمدير العام لمجمع مدارس الأندلس إن مشكلة التقطير في المدارس الخاصة أعمق بكثير مما يتصوره البعض، فبالرغم من قدم قطاع التعليم الخاص والذي يعتبر فعلياً اكبر وأوسع من القطاع العام من حيث عدد المدارس أو عدد الطلاب والتنوع التعليمي، إلا أنه للأسف لا يحظى بنفس درجة الاهتمام التي يحظى بها نظيره الحكومي، وكان يمثله فقط مكتب صغير في وزارة التعليم يُسمى مكتب المدارس الخاصة، قبل أن يتوسع مؤخراً ليشكل إحدى هيئات (إدارات) الوزارة ويشرف عليه مديراً عاماً بمنصب - وكيل وزارة مساعد - ومعه عدد موظفين قد لا يمتلون جميعاً سوى 1% من موظفي الوزارة وهذا لا يتناسب ابداً مع أهميته ومخرجاته سواء في المعايير الوطنية أو في المعايير الدولية التي يمثلها.
وأوضح الدكتور البكري انه من الطبيعي وسط الاهتمام الضعيف بهذا القطاع ان لا يفكر أي قطري بالالتحاق به، و»لا أظن أن هناك موظف قطري متخصص سواء في الإدارة أو التدريس يعمل في المدارس الخاصة إلا ان يكون مالكاً للمدرسة ومستثمراً فيها أو متقاعدا من عمله الأساسي»، مشيرا الى ان هذا أمر طبيعي في ظل عدم وجود الزام للمدارس الخاصة بتقطير نسبة من الوظائف فيها سواء التعليمية أو الإدارية أو تحمل الوزارة عبء انتداب بعض موظفيها للعمل بالمدارس الخاصة تحت اشرافها كما هو معمول به في بعض الدول لضمان جودة مخرجاتها وايضاً لتقطير بعض الوظائف.
وأعرب عن اعتقاده أن الحلول في تقطير التعليم تكمن أولاً في تقبلنا واعترافنا بأن هناك مشكلة يجب أن نحددها بدقة ومن تم التعرف على أسبابها وكل ما يتعلق بها، ولاجل ذلك علينا الدخول إلى عمق مجتمع العاملين والمدرسين والمدرسات القطريين - خاصة من خاض التجربة وتركها - والسماع منهم ومعرفة ما يجول بخواطرهم فهم الأقدر على إيصال معاناتهم ورغباتهم ومن ثم تنقيح وفرز هذه الآراء وعرضها على لجان مختصة والبحث عن حلول معقولة ومقبولة للجميع.
فداء نصر الله: ضعف الامتيازات وراء العزوف
أرجعت الأستاذة فداء نصر الله، مديرة مدرسة اكاديمية اديو كير الدولية، غياب الكوادر التعليمية المواطنة عن العمل في المدارس الخاصة، إلى ضعف الامتيازات في قطاع التعليم الخاص مقارنة برواتب القطاع الحكومي، وهو ما أدى إلى عزوف المعلم المواطن عن التدريس في القطاع الخاص- ذكوراً وإناثاً.
وأشارت إلى أن المدارس الخاصة التي تفتح أبوابها أمام أكثر من 211 ألف طالب وطالبة تقدم مناهج ومواد دراسية متنوعة إضافة إلى العديد من الأنشطة الدراسية التي تستجيب إلى تطلعات الطلاب وذويهم، وتلزم الوزارة جميع المدارس الخاصة، بتدريس مناهجها في اللغة العربية والتربية الإسلامية والتاريخ القطري.
يوسف سلطان: صعوبة التدرج الوظيفي
أكد السيد يوسف سلطان، خبير تربوي، عدم قدرة المدارس الخاصة على استقطاب الكوادر الوطنية للعمل فيها لكثرة الأعباء الوظيفية والإدارية المصاحبة للعمل في مؤسسات التعليم العام أو الخاص، وافتقار المعلم أو الموظف الإداري في هذه المدارس للامتيازات الوظيفية مقارنة بنظيره في القطاعات الأخرى، إلى جانب صعوبة التدرج الوظيفي، وهو ما يدفع الشباب القطري إلى العزوف عن الالتحاق بأية وظيفة تعليمة او ادارية في المدارس الخاصة.
وأكد سلطان أن المعلم يحظى بموضع تقدير المجتمع وثقته واحترامه الا انه على الرغم من سمو مهنة التدريس وارتقائها يوماً بعد يوم يوجد عزوف كبير من شريحة الفتيات والشباب القطري عن اقتحام مجال التدريس الحكومي، ما بالك بالمدارس الخاصة، مشيرا الى ان ما يعزز هذا العزوف هو الضغوط النفسية والجسمانية التي يتعرض لها المعلم إلى جانب طول مدة الدوام في كثير من الأحيان وهذه الأمور لا يفضلها الشباب القطري بطبيعة الحال.