لا مستقبل لمشروع التسوية الفلسطينية تحت راية فتح وحماس

alarab
محليات 25 يونيو 2011 , 12:00ص
الدوحة - العرب
شككت دراسة جديدة للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في وجود حل قريب للتسوية الفلسطينية مع إسرائيل تحت راية فتح وحماس أكبر فصيلين فلسطينيين فاعليين. الدراسة التي أعدها د. محمد عادل شريح حاولت أن تستشرف آفاق التسوية الفلسطينية - الإسرائيلية في ظل المعطيات الراهنة وتناولت أزمة مشروع التسوية السياسية، وأزمة مشروع المقاومة، وأسباب الأزمة، وسبل الخروج منها، وتحدثت عن أزمة مشروع التسوية السياسية. في مستهل الدراسة قال الكاتب: عندما نتحدّث عن الأزمة، فإنّنا لا نشير إلى أزمة سياسية مرتبطة بظرف مرحلي أو اختلاف في الرّؤى السياسية أو البرامجية لبعض القوى الفلسطينية الفاعلة ميدانيا، إنما نتحدّث عن أزمة بنيوية مرتبطة بمقدّمات أو مسلّمات فكرية- سياسية أوّلية قام على أساس منها العمل الوطني الفلسطيني، مقدّمات تحكّمت في رؤية الفصائل الفلسطينية منذ بداية عملها في منتصف الستّينيات، وامتدّت آثارها إلى يومنا هذا، لكن بداية لنحاول تحديد هذه الأزمة وتشخيصها وطرحها بوضوح على بساط البحث. وحدد تعريفا للأزمة بأنها تتمثّل في انسداد الأفق أمام المشروع الوطني الفلسطيني ممثّلا في انسداد الأفق أمام فريقي هذا العمل- فريق السلطة و فريق المعارضة- على اعتبار أنّ كلّ فريق منهما يمثّل مشروعا مختلفا في التّعامل مع القضية الفلسطينية، ونقصد بذلك مشروع الحلّ السلمي ومشروع المقاومة المسلّحة، وهذان المشروعان هما خلاصة ما أسفرت عنه تجربة العمل الوطني الفلسطيني منذ بداية الانتفاضة عام 1987 على الرّغم من أنّ جذور المشروعين تعود إلى مرحلة ما قبل الانتفاضة بكثير. وذكر أنّ ما ينطبق اليوم على تصوّرات القيادة السياسية لمنظّمة التحرير بشأن عملية التسوية، ينطبق أيضاً على أية رؤية أخرى لمشروع التّسوية في المنطقة، ومنها رؤية حماس لهذه التسوية. مشروعية التفاوض مع العدو وشدد الكاتب على قاعدة مهمّة في شأن التسوية السياسية، وهي مشروعية هذا الشكل من العمل الوطني مبدئياً، وأقصد بمشروعيته المبدئية، حقّ السياسي في أن يلجأ إلى التفاوض مع العدوّ لأسباب قد يفرضها الواقع أو موازين القوى، أو أي ظروفٍ أخرى ميدانية، وأهمية هذا الإثبات لمشروعية الفعل التفاوضي بالمعنى السياسي تأتي من حقيقة أنّ رفض التّفاوض والعمل على تعطيل مسيرته في المراحل السابقة، كثيراً ما كان يتمّ استنادا إلى رؤى طهورية ترى في فعل التّفاوض بحدّ ذاته خيانة يقوم بها السّياسي، وهذا فهم غير سوي للعمل السياسي عموماً، وله علاقة بالموروث الشّعبي، النفسي والاجتماعي أكثر ممّا له علاقة بالعمل السّياسي. واستطر د مبينا أن مشروعية الفعل السّياسي التّفاوضي من حيث المبدأ لا تجعل كلّ عملية تفاوضية عملية شرعية وصحيحة، فالتفاوض كالفعل المقاوم له مقوّماته ومقدّماته التي إن افتقدها يصبح فعلاً عبثياً وغير مُجدٍ. واسترجع الكاتب جذور مشروع التّسوية في العمل الفلسطيني، مشيرا إلى أنه يرجع إلى مراحلَ مبكرة، فعلى إثر حرب تشرين لعام 1973 تقدّم الاتحاد السوفييتي حينها بمشروع بريجنيف لتسوية القضية الفلسطينية، هذا المشروع تمّت الموافقة عليه في الدّورة الثانية عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني، وقد لقي في حينها معارضة من بعض الفصائل الفلسطينية التي ما لبثت أنْ توافقت عليه في صيغة البرنامج المرحلي لمنظّمة التحرير المتمثّل في حلّ الدولتين عام 1979، إذا عدنا بالذّاكرة إلى تلك المرحلة فقد كان الشّكل المطروح لتطبيق هذه الرّؤية هو الدّعوة إلى مؤتمر دولي وإقرار حلِّ الدولتين، وعند النظر إلى هذا الأمر نكتشف أنّ المعوّل عليه في تحقيق هذا النموذج من التسوية السياسية هو الثقل السياسي للاتّحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية في حينها، أي ثقل عامل خارجي دولي، لا ثقل وقائع ميدانية داخلية تجعل من الخصْم يوافق على هذه التسوية، وهذا الأمر على واقعيته في حينها، لكنه كما تبين لاحقًا غير مُجدٍ في حالة الصّراع مع الكيان الإسرائيلي لخصوصية العلاقة التي تربط هذا الكيان بالمنظومة الدولية وطبيعة تحالفاته المعقّدة منذ نشأته كفكرة إلى أن تحوّل واقعاً متحقّقاً. هذا التصوّر للتسوية السياسية أخذ أشكالاً مختلفة من التطوّرات لاحقًا عبْر مبادرات مختلفة وفي ظروف سياسية مختلفة، لكنه كان في كلّ الأحوال محكوماً لتوازنات العالم ثنائي القطبية. تعدد المرجعيات وذكر أنه مع انهيار الاتّحاد السوفييتي وقيام نظام عالمي جديد أحادي القطبية، لم ينهرْ مشروع التّسوية ظاهريا، إنما تم تعديل مرجعياته الدولية في مؤتمر مدريد، لتصبح رغبة النظام الدولي الجديد في فرض نموذجه للعلاقات الدولية وتصوّره لحلّ النزاعات الإقليمية هي مرجعية اتّفاق أوسلو التي لم تجْد نفعاً خلال ما يقارب عقدين من الزّمان، كما لم يجْدِ نفعاً ما سمّي رؤية بوش، ولن يجدي نفعاً ما يمكن تسميته اليوم التزامات أوباما أو غيره، والسبب ببساطة هو أنّ عدم اكتمال مقوّمات ومقدّمات أية رؤية للتسوية يمكن للطّرفين أن يجِداَ فيها خروجاً من واقع قد يعود بضرر أكبر عليهما إن لم يقْدما على هذه التّسوية. إنّ قيام كيان فلسطيني بالشّروط التي يريدها الفلسطينيون هو في المفهوم الإسرائيلي خطر على مستقبل إسرائيل، وإسرائيل لن تقبل بمثل هذا الخطر إلاّ تفاديا لخطر أكبر منه لا يبدو أنّ ملامحه العملية الواقعية قد اتّضحت إلى تاريخ يومنا هذا. رؤيتا فتح وحماس وتعليقا على رؤيتي الفصيلين الأكبر في فلسطين ذكر الكاتب أن ما ينطبق على تصوّرات القيادة السياسية لمنظّمة التحرير بشأن عملية التسوية، ينطبق أيضاً على أية رؤية أخرى لمشروع التّسوية في المنطقة ومن ضمنها رؤية حماس لهذه التسوية سواء طُرحت تحت مسمّى الهدنة طويلة الأمد، أو عبر تفويض القيادة الرسمية للتفاوض من أجل دولة في حدود عام 1967 كما عبّر عن ذلك خالد مشعل في خطاب المصالحة الأخير. فهذه التسوية لن تتحقّق أيضاً على الأرض وستقود لِذات الأسباب، إلى ذات النتائج التي وصلت إليها قيادة حركة فتح من قبل، ونعيد مرّةً أخرى أنّنا لا نعبّر عن موقف طهوري مُعادٍ من حيث المبدأ للتفاوض والحلول المرحلية، إنما نعبّر عن موقف سياسي مفاده أنّ مسار التسوية هو في واقع الموازين القائمة اليوم مسار وهمي له علاقة بإدارة الأزمة من قبل قوى دولية وإقليمية، أكثر بكثير ممّا له علاقة بتقديم حلول لها. مشروع مأزوم إنّ مشروع التسوية مأزوم وليس له أي مستقبل في العمل السياسي الفلسطيني إذا لم تحصل تغيرات جذرية تجعل من هذا المشروع مشروعاً قابلاً للتطبيق من حيث المبدأ، ثم تأتي بعد ذلك كلّ القضايا التفصيلية التي لها علاقة بطبيعة التّسوية وشروطها وغير ذلك من التفاصيل المهمّة، لكن ما نريد أن نثبته هو أنّ مشروع التسوية السّياسية هو مشروع غير ممكن اليوم وهذا ما أثبتته التّجربة العملية بعد ثمانية عشر عاماً من المفاوضات.