التجديد في شعر إبراهيم ناجي.. دراسة أسلوبية
ثقافة وفنون
25 يونيو 2011 , 12:00ص
القاهرة - إيهاب مسعد
يعد إبراهيم ناجي (1898-1953) رائدا من رواد مدرسة «أبولو» كما يعد واحدا من أبرز شعراء العرب في العصر الحديث لذلك كان شعره بؤرة اهتمام كثير من النقاد، وإذا كانت تلك الدراسات تدور حول محاور شخصيته وثقافته ونشأته فإن هذه الدراسات باستثناء القليل بعيدة عن روح الشعر وجوهره.
لذلك يقدم كتاب «شعر إبراهيم ناجي.. دراسة أسلوبية بنائية» الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة لمؤلفه الناقد الدكتور شريف الجيار دراسة نقدية لقصائد الشاعر إبراهيم ناجي باستخدام المنهج الأسلوبي البنائي الذي يتخذ من النص الشعري ركيزة محورية للدراسة ويقع الكتاب في 400 صفحة من القطع الكبير.
ويوضح الدكتور شريف الجيار في مقدمة الكتاب أسباب اختياره لدراسة شعر إبراهيم ناجي وهي: أن الدراسات السابقة درست «ناجي» من منظور شخصيته وثقافته فقط وهذا لا يمثل روح الشعر ولا جوهره وهو ما ينبع من دراسة النص الشعري ذاته، كما أن الدراسات السابقة اعتمدت على أربعة دواوين لناجي فقط وأهملت دراسة قصائده المجهولة أيضا هل استطاع «ناجي» أن يطور في معجمه الشعري تطويرا يمنح الدالات دلالات وإيحاءات جديدة صنعها السياق الشعري؟
وينقسم الكتاب إلى ثلاثة أبواب الباب الأول بعنوان» البنية الصوتية « والتي يبدأ الكتاب بدراستها؛ لأنها البنية المميزة للشعر عن غيره من فنون الأدب والتس تعطى له خصوصية في التشكيل إضافة إلى أنها الدليل القاطع على اكتمال بنى النص الشعري وبلوغ منتهاها البنيوي الدقيق وتحقيق قانونها الشمولي الجامع.
وينقسم الباب الأول إلى ثلاثة فصول: الفصل الأول بعنوان «البحور والقوافي» وهما ما يطلق عليه «موسيقى الإطار» فيوضح المؤلف أن شعر إبراهيم ناجي لم يخرج على الأوزان الخليلية؛ حيث إنه استخدم البحور العربية التقليدية ولم يخرج عنها على مساحة الأعمال الكاملة وأنه جاء بحر «الكامل» في المرتبة الأولى في أشعار «ناجي» وقصائده المجهولة، واستطاع الشاعر أن يطوع هذا البحر لتجربته حتى بدا جديدا في كل مرة يستخدمه مثل قوله في رثاء الشاعر خليل مطران:
يا نفس إن راح الخليل وعنده ورد الخليل فعجلي برحيلي
والفصل الثاني بعنوان «موسيقى الحشو» أو الموسيقى الداخلية وهي تلك النابعة من تكرار الأصوات والألفاظ والتقطيع الرأسي والأفقي وقد استخدم الشاعر إبراهيم ناجي التكرار بنوعيه تكرار الصوت واللفظ إلى جانب استخدامه للجناس ومحاولته إقامة علاقة وطيدة بين هذه الظواهر الموسيقية وبين تجربته الشعرية ومن ذلك أبياته التالية:
متى يرق الحظ يا قاسي ويلتقي المنسي والناسي
متى وهل من حيلة في متى وفي خيالات وأحداس؟
ونلاحظ هنا شيوع حرفين صوتين هما على الترتيب حرف «الميم» وحرف «السين» وشيوعهما هنا مرتبط بحالة «ناجي» النفسية المليئة بالحزن والاشتياق لهذه المحبوبة القاسية.
وفي الفصل الثالث يؤكد المؤلف أن الشاعر إبراهيم ناجي جدد في قصائده فمن تلك التجديدات تنويعاته في القافية الداخلية واستخدامه التدوير في بداية القصائد وفي داخلها حتى يجعل هناك نوعا من التماسك بين شطري البيت واستخدامه للتضمين حتى يكتمل المعنى للمتلقي واستعماله للتصريع في أشبه المطالع حتى تستمر اللغة الموسيقية مستمرة داخل القصيدة.
والباب الثاني من الكتاب بعنوان «المعجم الشعري» عند إبراهيم ناجي وفيه يبين المؤلف أن الشاعر إبراهيم ناجي استطاع أن يتعامل مع المفردات تعاملا جديدا ليخرجها من مكمنها المعجمي إلى معانٍ جديدة متنوعة وفقا لسياقها ووفقا لما أضفاه عليها من روحه وذاته، كذلك كان لعاطفة الشاعر وتجربته الخاصة أكبر الأثر في انتقاء الألفاظ المعبرة والموحية عن تجربته؛ حيث جاءت مفرداته موحية ومعبرة ومليئة بشحنة عاطفية، ما أضفى على الألفاظ دلالات وإيحاءات جديدة صنعها السياق الشعري.
وفي الباب الثالث من الكتاب يقدم المؤلف دراسة الصورة الشعرية في شعر إبراهيم ناجي من خلال التشبيه والاستعارة؛ لأنهما الأداتان الرئيسيتان والغالبتان على دور المجاز في شعر «ناجي» في إطار دراسة العلاقة بين طرفي التشبيه (المشبه/ والمشبه به) وطرفي الاستعارة (المستعار له/ والمستعار منه) كذلك توسع «ناجي» في استخدام «التشخيص» حيث جعله أساسا في بناء صوره الشعرية.
ثم يختم المؤلف كتابه فيقول: «فلا يزال شعر إبراهيم ناجي في حاجة إلى دراسات كثيرة وهو في حاجة إلى إعادة طبع يتسم بدقة الضبط وإضافة الأبيات الناقصة التي لم تذكرها الطبعات السابقة».