الاختلاط في العمل والتعليم بين الخلافات الشرعية والقيود الاجتماعية

alarab
تحقيقات 25 أبريل 2013 , 12:00ص
الدوحة - حامد سليمان
أكد عدد من الدعاة أن الاختلاط في العمل أو الدراسة يشوبه الكثير من المحاذير التي تستوجب مراعاتها حتى لا يكون باب إثم للمرأة والرجل، في حين يرى آخرون أنه لا مانع ما دام في حدود شرعية، ولم يتجاوز الآداب العامة للدين والمجتمع. ويستشهد المنادون بمنع الاختلاط بالكثير من النصوص القرآنية والنبوية التي تحث على تجنبه منعاً لحدوث محاذير أكبر، مؤكدين أن المجتمعات الإسلامية باتت عرضة للكثير من الفتن التي يمكن أن تؤثر على عصب قيمه ومبادئه الراسخة. في حين يرى غير الممانعين للاختلاط أنه حل للكثير من المشكلات المجتمعية التي تحيط بالدول الخليجية، خاصةً مع قلة عدد المواطنين مقارنة مع المشروعات التنموية الكبيرة التي تسعى هذه الدول لطرحها، ومع عدم قدرة الرجال وحدهم على بناء دولة قوية، وفي ظل غياب نص شرعي صريح يحرم الاختلاط، وبوجود مناسك وشعائر يؤديها الرجال والنساء في مكان واحد كالحج ، مشترطين الالتزام بما نص عليه الدين من احتشام. الاختلاط العفيف في البداية يقول الدكتور عبدالحميد الأنصاري أستاذ السياسة الشرعية في كلية القانون بجامعة قطر وعميد كلية الشريعة والقانون سابقاً: الاختلاط مشروع ومباح دينياً، ولا يوجد نص ديني يحرم الاختلاط بين النساء والرجال في أي من ميادين العمل أو العلم، ما دام وفق الضوابط الشرعية التي وضعها الإسلام. وأضاف: يطلب الإسلام بعض الضوابط التي تُسير الاختلاط وفق حدود الشرع وتضمن عدم الانفلات بين ركني المجتمع، كالحجاب والاحتشام وكتخصيص مقاعد للنساء تجعلهن في معزل عن الرجال وعن مزاحمتهم، والدليل على ذلك أن مناسك الحج يؤديها الرجال والنساء معا، وكذلك الصلاة، فلم يرد في الإسلام تخصيص مساجد للنساء دون الرجال، ولكن تقنين لاجتماع الجنسين في مكان واحد، لتفادي الأضرار التي قد تترتب، فاحتمالية حدوث الضرر نجدها في الكثير من جوانب حياتنا. وتابع: بعض الناس يخطئون في التفرقة بين مفهوم الاختلاط والخلوة بين الجنسين، فالاختلاط يعني اجتماع رجل وامرأة تحت سقف واحد، أما الخلوة فتنطوي على نفس المعنى ولكنها تشترط أن يكون المكان مغلقا، وأن يؤمن دخول أي أحد عليهما، والاختلاط في العمل أو في ميادين التعليم لا يتحقق فيه أي من بنود الخلوة. وأوضح الأنصاري أن مفهوم الخلوة لا يتحقق في أماكن العمل لأن المكاتب مفتوحة دائماً ويتردد عليها الكثير من زملاء العمل والمراجعين، فوجود رجل وامرأة على هذا النحو لا يمثل يعد خلوة، وعلى ذلك يجوز وجود رجل وامرأة في نفس المكان. وبين أن الحديث عن الوقوع في الفتنة بسبب الاختلاط في العمل لا يعدو كونه وهما، فاحتمال الفتنة ضعيف؛ لأن أجواء العمل تتسم بالاحترام والرقابة التي تنفي تماماً وقوع الفتنة أو الأمور التي يخشاها ولي الأمر، ونظرة الموظف إلى زميلته نظرة احترام وتقدير، ووقوع حالات شبهة غير موجود نهائياً في مثل هذه الحالة. وأشار إلى أن الاختلاط يساهم في تعارف الجنسين على بعضهما تعارفا مشروعا، ففي حال وجود شباب وفتيات في سن الزواج يجعل من الاختلاط باباً للتقارب يؤدي إلى الزواج، والاختلاط في هذه الحالة يعد باباً للقضاء على العنوسة التي صارت إحدى أبرز مشكلات المجتمعات التي لا تسمح بالاختلاط. وأرجع الأنصاري السبب في ارتفاع معدلات العنوسة في الكثير من البلدان الإسلامية والعربية، إلى التشدد في منع الاختلاط بين الرجال والنساء، فالاختلاط قادر على حل المشكلة بشكل مشروع. وقال أستاذ السياسة الشرعية في كلية القانون بجامعة قطر إن منع ما هو مشروع بحجة الخوف من وقوع الفتنة أو الضرر، أي ما يسمى في الفقه الإسلامي بمبدأ سد الذريعة -ويعني تحريم المباح خوفاً من وقوع ضرر- لا يمكن إطلاقه في كل الحالات، ولا يمكن إطلاق هذا المبدأ على كافة الأمور، فمن غير المعقول أن نحرم ركوب السيارات لاحتمال وقوع حوادث أو وقع ضحايا. وأضاف: يُؤخذ بمبدأ سد الذريعة إذا تجاوزت الأضرار ما نراه من منافع، فلو افترضنا أن هناك احتمال حدوث فتنة في بعض الحالات بسبب الاختلاط؛ نجد في المقابل الكثير من المنافع التي تعود على المرأة وعلى المجتمع ككل، والتلويح بمسألة الفتنة من قبل بعض الدعاة يتعارض مع عدم وجود نص ديني صريح يحرمه، وعلى العكس الإسلام يسانده ما دام بحدوده الشرعية. وأردف: ديننا يساند ما نسميه الاختلاط العفيف أو المشروع، من أجل زيادة التعاون بين الجنسين في بناء المجتمع، ولدعم الروابط الاجتماعية التي تقوي من الأواصر المجتمعية، خاصة أن الإسلام ليس ضده في المطلق، ويشترط أن تلتزم المرأة بالملابس المحتشمة. وبين أن أولوية عمل المرأة لبيتها وتربية أبنائها، فهي رسالة أسمى من أي ميدان آخر، ولا شك أنها المهمة الأساسية للمرأة، ويجب ألا يؤثر عمل المرأة على حقوق زوجها وأبنائها، فليس هناك ما هو أعظم من تربية الأجيال. وطالب الأنصاري بمساعدة المرأة على التوفيق بين متطلبات عملها، وحقوق زوجها وبيتها، من خلال عدد من القوانين التي تساهم في تخفيف أعباء العمل عليها، كتقليل ساعات العمل بمعدل ساعة أو ساعتين عن الرجل، ومنح بعض الإجازات الاستثنائية، وغيرها من الأمور التي تقدم بها الكثير من البلدان حول العالم، من أجل إشراك المرأة بشكل عملي في تنمية المجتمعات. فعلى سبيل المثال بعض الدول الأوروبية تمنح عامين للمرأة التي تضع مولودا كإجازة، فلماذا لا يتم تطبيق هذه المقترحات في بلداننا؟ المرأة شريكة في البناء ونوه الأنصاري إلى ضرورة الاعتماد على العنصر النسائي في المجتمع القطري، فقصر العمل على الرجال فقط يتسبب في غياب الكوادر الوطنية، لأن تعداد الذكور في قطر غير كاف للقيام بمشروع تنمية متكامل تسعى الدولة لتنفيذه، ولا بد من إشراك المرأة في خطط الدولة المستقبلية. وأوضح أستاذ السياسة الشرعية في كلية القانون بجامعة قطر، أن العقبات التي تواجه المرأة في المجتمعات الخليجية يغلب عليها الطابع الاجتماعي، وقل ما تلتفت إلى الجانب الديني بمعناه الحقيقي، ففي أمر الاختلاط تلاقت آراء بعض الدعاة والعلماء مع هوى الكثير من الخليجيين لتضع القيود أمام المرأة، وتغيير هذه السلوكيات يحتاج إلى إرادة سياسية وعزيمة قوية تنشد التغيير، وهذا ما لحظناه في عهد حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى، حيث تزايد إشراك المرأة في مختلف قطاعات الدولة على ما كانت عليه في السابق. لا للاختلاط وقال الشيخ أحمد البوعينين عضو الهيئة الشرعية بمؤسسة الشيخ ثاني بن عبدالله للخدمات الإنسانية «راف»: لا شك أن المرأة اعتلت الكثير من المناصب في الفترة الأخيرة، مما يثبت جدارتها بالمساهمة في النهضة الكبيرة التي يرنو إليها المجتمع، ولا خلاف لدى أهل العلم على المكانة العظيمة التي وهبها الإسلام للمرأة، فقد تفرد الدين الإسلامي بمنح المرأة العديد من الامتيازات والتي لا تتواجد في أي دين آخر. وأضاف: ولكن انتشار عمل المرأة واختلاطها بالرجال على نحو لا يتوافق مع مبادئنا، يجعل من عملها باب فتنة في بعض الأحيان، الأمر الذي يحتاج إلى الكثير من الانضباط، فاختلاط المسلمة يقيد بالكثير من الاشتراطات، التي جعلها الإسلام حفظاً لها وللمجتمع. وتابع: لا شك أن عمل المرأة مرغوب فيه ومستحب في الكثير من الوظائف التي تتناسب مع طبيعتها، وهذه الوظائف تعد بابا لتفجير طاقاتها بما يتناسب مع ما حباها الله به من مقومات، وبما لا ينتقص من قدرها، فبعض المهن لا تتناسب مع النساء، ودخولهن في بعض القطاعات أصبح مسار نقد وباب سخرية. وأشار البوعينين إلى أن مزاحمة المرأة للرجل في بعض الأعمال أمر لا يتناسب مع ما تُوكل به من مهام في حياتها، فالأولوية للرجال في العمل، وإسناد أغلبية الوظائف للنساء أمر لا يتناسب مع طبيعة مجتمعاتنا وقيمنا الدينية، وانشغال المرأة بالعمل عن بيتها ومتطلبات حياتها الزوجية لا يتناسب مع ما خلقت لأجله. وبين أن ملابس المرأة وحديثها مع الرجال وغيرها من السلوكيات التي تتعرض لها المرأة من خلال عملها أو اختلاطها بالرجال في مختلف الميادين، تعد باباً للفتنة يمكن أن يوقعها في براثن المحرمات، فحتى لو لم تتحقق الخلوة الواردة في مختلف النصوص الشرعية، فالمرأة عورة بشكل عام. وقال البوعينين: للمرأة مكانة عالية في المجتمعات الإسلامية، ولا يوجد ما يمنع شرعياً من عملها، ولكن دون اختلاط، بمعنى أن تساهم المرأة في بناء المجتمع من خلال الوظائف والجوانب التي تتناسب مع إمكاناتها، وتبعدها في الوقت ذاته عن الشبهات والاختلاط بالرجال، والكثير من الوظائف تتناسب مع هذا الجانب، ويجب أن يعين كل مسؤول النساء والرجال على عدم الاختلاط. وأضاف: مزاحمة النساء للرجال في الآونة الأخيرة، خلفت الكثير من العاطلين بين الشباب، فللرجل أولوية في العمل عن المرأة، وتخصيص بعض الوظائف للنساء يعد من الأفكار البناءة التي تساعد على دمج النساء مع الحفاظ على حقوق الرجال. وحذر البوعينين من الأفكار التي انتشرت في المجتمعات الإسلامية بشكل كبير، والتي تنادي بالاختلاط وتعتبره حلاً اجتماعيا للكثير من المشكلات، معتبراً أنه تآمر من الغرب على مبادئ العالم الإسلامي، فالاختلاط باب للفتنة. الالتزام بالقيم الإسلامية وقال الدكتور سليمان الحوسني: الأصل عدم جواز الاختلاط بين الرجال والنساء، إلا إذا دعت الضرورة والحاجة الملحة لذلك، كعدم وجود وسيلة للنفقة غير هذا المكان فلا مانع، لقوله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ). وأضاف: الخلوة تعني اجتماع الرجل بالمرأة دون وجود أحد معهما، وهو محرم شرعا، أما الاختلاط في العمل إن لم يحصل فيه خلوة فهو أخف، ولكنه يؤدي إلى مفاسد وأضرار متعددة، ولا ينبغي أن يكون في المجتمع الإسلامي، وتابع: أما فيما يخص الاختلاط في المراحل التعليمية، فقد حرصت الشريعة الإسلامية على التعلم، ولا يرتبط الاختلاط بالتعليم إلا ما صرنا نراه في الآونة الأخيرة بهذه الصورة..، وقد كانت النساء يتعلمن مثل الرجال دون الحاجة إلى الاختلاط الحاصل اليوم في المؤسسات التعليمية الغربية والذي انتقل إلى بعض بلاد المسلمين، وقد أدى الاختلاط إلى نتائج مؤلمة وأضرار متعددة وجرائم متنوعة، والإحصاءات تثبت ذلك، فكم من حالات الاغتصاب وجرائم الزنا وحمل السفاح، حتى إن البعض يبحثون عن العلاج والمخرج مما وقعوا فيه. وبين الحوسني أن الاختلاط يؤدي إلى ضعف الوازع الشرعي، والوقوع في التجاوزات التي منعتها الشريعة الإسلامية، ويؤدي إلى كثرة العلاقات والصداقات بين الجنسين والعزوف عن الزواج الذي يصون الشاب والفتاة. وأضاف: هناك علماء نفس مسلمون يثبتون أن عدم الاختلاط هو المنهج الصحيح، وانفصال الجنسين في الدراسة أدعى لخلو الذهن وصفائه وراحة النفس، مما يؤدي إلى قوة التحصيل العلمي، وهناك علاقة قوية بين غض البصر وقوة الحفظ، وهذا يصعب مع وجود الاختلاط، ثم إن العلم وطلبه عبادة تحتاج إلى إخلاص واتباع، والاختلاط معصية تتعارض مع العلم وطلبه. وأردف: ينبغي على الشباب المسلم أن يكونوا مؤثرين لا متأثرين ودعاة إلى القيم والمبادئ التي أمرهم بها دينهم، وأن لا يهتدوا بالقيم الغربية التي تؤثر بالسلب على مجتمعاتنا. ونادى الحوسني بضرورة الفصل التام بين الطلاب والطالبات، مؤكداً أنه أدعى لقوة التحصيل وكثرة الفائدة العلمية، وحتى تستطيع المسلمة المناقشة والمحاورة مع بنات جنسها بأريحية، ويستطيع الطالب فعل ذلك دون خجل. وبين أن الاختلاط يجوز في حالات الضرورة الملحة، مثل علاج الأطباء الرجال للنساء في حال عدم وجود امرأة تعالج أو تعلم النساء، فيقوم الرجل بمعالجة النساء وتعليمهن أو العكس. وأشار إلى أن المرأة تستطيع أن تعمل وفق الضوابط الشرعية، فهناك مجالات كثيرة تحتاج إلى المرأة وتميزها، سواء في مجال الطب أو مجال التدريس أو العمل الإداري، وليس من اللازم أن يكون فيها اختلاط. وهذا أمر مجرب في عدد من بلاد المسلمين كبلاد الخليج مثلا، فهناك العديد من المؤسسات تعمل بها النساء دون الحاجة إلى مزاحمة الرجال والاختلاط بهم، وغير صحيح أن عدم الاختلاط يؤدي إلى حرمان النساء من العمل. فالضوابط الشرعية سبيل سعادة للرجل والمرأة، وإبعاد المرأة عن الرجال الأجانب اعتناء بها وحفظ لها ولكرامتها. وأكد الحوسني أن المجتمعات الإسلامية لديها قيم ينبغي احترامها وتقديرها، ومنع الاختلاط مطلب شرعي قبل أن يكون اجتماعيا، لما ينتج من بسببه من مفاسد وأضرار.