شهد مسرح الدراما بكتارا مساء أمس الثلاثاء عرض مسرحية ماسح الأحذية التي لاقت استحسان الجمهور والنقاد، وتعتبر المسرحية ملحمية انسانية جاءت على مستوى التحدي في الطرح والحوارات والمونولوجات والسينوغرافيا والموسيقى، إضافة إلى أنها عكست الحيرة من الوضع المأساوي السريالي الذي تتخبط فيه مجتمعات العالم العربي والانسان بداخلها في المحاولة للبحث عن الذات والتعاطي مع الاخر.
وتتميز المسرحية أنها تجمع ما بين السياسية والتراجيديا والواقعية والادب والفن، وهي أول عمل فني مسرحي من تأليف الدكتور خالد الجابر وإخراج الفنان القدير احمد المفتاح، ومن انتاج شركة «كيو فن» للإنتاج الفني.
حكاية رجل متشرد
تتناول المسرحية التي تعتبر استعارة أو مجازا لواقع راهن حكاية رجل متشرد يحمل ملامح عربية شرقية، يعيش في محطة أنفاق (مترو) للقطار تحت الأرض، يحمل معه صندوقا خشبيا متهالكا يشبه صندوق مسح الأحذية. وقد اعتقد الركاب والمغادرون من المحطة انه يعمل كماسح للأحذية، ولكي يستطيع أن يسد رمقه ويستعين على قضاء قوت يومه لم يمانع من العمل في مسح الأحذية كلما دعت الحاجة، وعلى أمل تحصيل مبلغ نقدي لدفع رسوم تكاليف السفر الى الخارج ليغادر محطة القطار الى الابد.
تتوزع شخصيات المسرحية على ست شخصيات رئيسية: ماسح الأحذيــــة، الرجل الغنــــــــــــــي، الرجل العسكري، الرجل النخبوي، الرجل المغترب، الســـــــيـــــدة المطلقة، وتدور بينهم حوارات حول المواضيع والقضايا التي تعيشها المنطقة خلال العقود الماضية وصولا الى المرحلة المزرية التي وصل لها ما بعد مرحلة (الربيع العربي).
الذروة
ويتم الوصول الى ذروة المسرحية من خلال الكشف عن الشخصية الحقيقية لماسح الأحذية وكيف وصل به الحال الى ذلك، بعدما دمرت قريته وفقد عائلته وبيته ولم يبق منه غير احذية تعود لزوجته وابنه وابنته حملها معه في صندوق خشبي وجده على قارعة الطريق قبل ان يصل المحطة قبل عقدا من الزمن.
في نهاية مسرحية يدخل ماسح الأحذيــــة مرحلة اللاوعي بحيث يقوم بسرد حكايته المفجعة الحزينة التي غيرت مجرى حياته للأبد، وينهض ويجري من على خشبة المسرح كالذي يتخبطه الشيطان من المس متجه الى الجمهور ويغادر من أروقة الممرات التي دخل منها في بداية المسرحية وكأنه يحاول الهروب من اشباح تلاحقه ليس لها أشكال او ملامح.
الجدير بالذكر انه ومنذ آخر عمل قام بإخراجه في عام 2016 وهي مسرحية (نهاية إريال شجاع) والتي شارك بها باسم جامعة قطر في المهرجان المسرحي الجامعي لدول الخليج، وحصول العمل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة لأفضل أداء جماعي يعود الفنان المسرحي أحمد المفتاح لعالم الاخراج من خلال مسرحية (ماسح الأحذية) والتي كتبها للمسرح الكاتب الدكتور خالد الجابر كأول عمل مسرحي يقدم له على خشبة المسرح.. هذا النص الذي حمله المفتاح على كتفه وأصر على تقديمه وتم ادراجه مؤخراً من ضمن النصوص التي دخلت لمراحل التصفيات لتقديمه ضمن عروض الشركات لمهرجان الدوحة المسرحي في دورته الحالية لعام 2023.
أول تجربة
وقـال المخـرج أحمـد المفتـاح نص ماسـح الأحذية يحمل في ثنايا حوارات شخصياته سردية تعمد مؤلفه الدكتور الجابر رسـم كلماتها لأنه يحمل أفكاراً معينة وتطورات ربما قرر البوح بها من خلال نص مسـرحي هادف كأول تجربة تقدم له على خشـبة المسـرح، بعد أن عركته السياسـة والإعلام والتدريس الجامعي، حملنا ذلك أمانة عدم اغفال الفكرة.
وأوضــح أنــه لابد وأن يتمــرد على النص المكتوب، مشــيراً إلى أنــه يعتقد أن المتــن جاء ليجرنا لعوالمه الفكريــة النثرية، لكنه حاول في الرؤية الإخراجية تســييح مقولات النــص والأفكار التي أراد المؤلــف أن تصل بطريقة الصدمة الفكرية، من خلال التحرك المتســارع لإيقــاع العمل ومن خلال بث الروح في تلك الشــخصيات الاعتيادية في أي مجتمع. ومن هنــا جاء الصراع العام في المســرحية.
وأضاف: في كل مجتمع هناك الغني البرجوازي وهناك المثقف النخبوي وهناك المغترب المهاجر وهناك العســكري الذي يعيش بين الخوف مما حوله وبين روح المتســلط، وهناك المرأة المطلقة الذي حشرت بين هذه المجموعــة في محطة قطار تحت الأرض بعد زلزال وضعهم كالســجناء في انتظار القطار الذي لن يأتي أبداً.