د. نورالدين الخادمي: النظر في مواضع الوسطية الخمسة يؤسس معنى قرآنياً كلياً
د. عصام البشير: النهي عن الغلو دعوة إلى التزام الوسطية في الدين
د. أحمد الفرجابي: العالم الإسلامي أمام تحد كبير لمواكبة المتغيرات المتسارعة
د. أيمن صالح: المقصود بالوسطية اتباع شرع الله من غير إفراط ولا تفريط
اختتمت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الخميس الماضي، جلسات برنامج «وآمنهم من خوف» في موسمه العاشر، والذي نظمته هذا العام بجامع الإمام محمد بن عبد الوهاب، بمشاركة عدد من العلماء من داخل قطر وخارجها، وناقشت الجلسة الخامسة والأخيرة (الوسطية من منظور مقاصدي).
وشارك في الجلسة كل من الدكتور نور الدين الخادمي أستاذ الفقه وأصوله بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية – جامعة قطر، ود. عصام البشير نائب الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ود. أحمد الفرجابي خبير الشؤون الإسلامية والشؤون الأسرية والتربوية بموقع الشبكة الإسلامية، ود. أيمن صالح أستاذ الفقه وأصوله بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية – جامعة قطر.
وقال د. نور الدين الخادمي: كلمة «الوسط» بمفهومها المحرر في القرآن الكريم والمبين في سنة النبي صلى الله عليه وسلم هي ذاتها مقصود هذا الدين، وبتأمل 5 مواضع في القرآن، منها هي قوله تعالى «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا»، وهي الآية 143 في سورة البقرة التي عدد آياتها 286، إشارة وسطية في المبنى إلى الوسط في المعنى، والجعل في الآية هو تكليف الأمة برسالة حضارية، أساسها الاعتدال والخير والعدل كما جاء في آية أخرى وهي «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله».
وأضاف: وفي آية أخرى «قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون»، وأوسطهم اعدلهم وأصلحهم وأنسبهم، كما جاءت الوسطية في سياقات أخرى لها ارتباط بالتكليف الشرعي كقوله تعالى «حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين»، وهو إشارة إلى نوع من أنواع التكليف، وكذلك فيما يتعلق بالإنفاق والكفارات، في قوله «من أوسط ما تطعمون أهليكم»، وفي الموضع الخامس جاءت الإشارة القرآنية إلى وسطية أخرى لهم منحاً في سياق حرب وصراع واستراتيجيات الصراع الأزلي بين أمة الإسلام وسائر الأمم الأخرى على أساس التدافع، في قوله تعالى «فوسطنا به جمعاً»، والوسط يعني المركز، فاستهداف المركز العدائي المغالي الإرهابي إنما هو تقرير للمركز الإسلامي العدلي التوسطي الذي لا إفراط فيه ولا تفريط.
وأشار إلى أن النظر في المواضع الخمسة في القرآن الكريم يؤسس معنى قرآنيا كليا، لابد من الانطلاق منه لبيان السنة وما جاء فيها في موضوع وحقيقة الوسطية، لنسند ذلك إلى القرآن الكريم بناءً على الصلة التبينية المقررة في علم الحديث، وفي الحديث الشريف جاء قول النبي صلى الله عليه وسلم: وسطوا الإيمان.
التشريع الإسلامي ضمن المفهوم الوسطي
وأوضح أن التشريع الإسلامي كله إنما هو ضمن المفهوم الوسطي للقرآن والسنة، وكل التكاليف الشرعية من عبادات ومعاملات واسرة وجنايات وعقوبات وأحكام الدولة وأحكام المجتمع، وكل التكاليف الإنسانية في هذا الوجود الدنيوي إنما هي بوسطية، لأن القول بخاتمية الإسلام ووسطية الشريعة يلزم منه أن تكون متوازنة مستمرة خالدة بمقتضى آليتها في أنها ستستمر وتصلح وتكون مؤداة بمختلف الأزمان والأحوال. ونوه إلى ما جاء في الحديث النبوي من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل. لافتاً إلى أن المحافظة على القليل يؤدي إلى الدوام، والحفاظ على الكثير خارج دائرة الوسط يؤدي إلى الانقطاع، وقليل دائم خير من كثير منقطع.
معنى الوسطية
من جانبه أوضح فضيلة د. عصام البشير أن الوسط في اللغة يعود الى ثلاثة معان الأول منها العدل ومنه «قال أوسطهم» أي اعدلهم «وكذلك جعلناكم امة وسطا» أي عدولا كما ذكر البخاري في صحيحه، والمعنى الثاني الخيرية فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط العرب نسبا إشارة إلى خيريته، والمعنى الثالث هو التوازن المحمود الذي يعصم الفرد من أن يقع فريسة بين طرفي الإفراط او التفريط.
واستدل على تقريب معنى الوسطية بقول الله عز وجل:» والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان». فجعل سبحانه ميزان القسط والاعتدال مكتنفا بين الطغيان الذي هو تجاوز الحد وبين الاخسار الذي هو نكوص عن الحد.
وبين ان معنى الوسطية على هذا الشكل دلت عليه آيات كثيرة في كتاب الله عز وجل منها قوله تعالى:» وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا (110)». منوها بان السبيل ها هنا هو السوط بين المجهرة والمخافتة. وأشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابي بكر:»يا أبا بكر ارفع من صوتك شيئا». وقال لعمر: «يا عمر اخفض من صوتك شيئا».
ولفت إلى ان من معاني الوسط كذلك التي دلت عليها الآيات القرآنية قوله الله تعالى: «وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا (67)». لافتا الى ان القوام ها هنا التوازن المحمود بين الإسراف والبذخ والتقتير والشح.
واكد أن النهي عن الغلو هو دعوة الى التزام الوسطية في الدين، مشيرا الى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:»اياكم والغلو فانه اهلك من كان قبلكم الغلو».
تحد كبير
قال فضيلة الشيخ الدكتور أحمد الفرجابي، خبير الشؤون الإسلامية والشؤون الأسرية والتربوية بموقع الشبكة الإسلامية، أمامنا تحد كبير حتى تستطيع الأمة أن تواكب التغيرات السريعة لتطرح فقها يستطيع أن يمضي فيه الناس انطلاقا من ثوابت الوحي، لابد من النظر في مقاصد الشريعة، ولابد كذلك من سلوك هذا السبيل المتمثل في طريق الوسطية.
وأشار فضيلته إلى أن أننا نحتكم إلى هذا الشرع، وحكمة الحكيم اقتضت أن يخلق البشر ثم أرسل إليهم الرسل مبشرين ومنذرين، لأن الإنسان وحده لا يمكن أن يصل للهداية ما لم تأت موجهات سماوية من خالق الإنسان، فلا يعرف أسرار الصنعة مثل الصانع، ولا يعرف أسرار المخلوق سوى الخالق، (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، ولذلك هذا المعنى ينبغي أن يكون واضحا، وهو الذي يؤسس عليه.
وأوضح فضيلته أن الشريعة تضع المقاصد نتيجة لاستقراء النصوص، أو ترسم الطرق التي نمشي عليها، كل هذا يأتي استنادا إلى الوحي، حتى نبعد ما ينتجه العقل المتجرد من الوحي، أو المنعزل عن وحي الله تبارك وتعالى، وعن الإطار الذي يحدده الوحي لهذا العقل ليمشي عليه، لأن هذه مسألة في غاية الأهمية حتى نفوت الفرصة على من يريد أن يشرع من عنده، بل نعود إلى ثوابت هذا الدين العظيم.
ولفت فضيلته إلى أن الإنسان غير مؤهل ليخطط حتى لنفسه، لأن خطوط الغيب عنه محجوبة، لأن هذا الإنسان إذا أمسك القلم فسيكتب الشقاء على الآخرين، ولذلك اقتضت حكمة الحكيم أن يكون المنهج من الله تبارك وتعالى، وبالتالي الموجهات العامة في الدين تأتي بها هذه الشريعة.
اتهامات لمن يسير على السنة
أكد فضيلة د. ايمن صالح استاذ الفقه وأصوله بكلية الشريعة في جامعة قطر، أن الوسطية ليست دليلا مستقلا ما يعني انه ليس كل شيء وسط هو خير بالضرورة أو صواب حتما او الخيار الافضل، ما يعني انه ليس دائما الوسط هو الخير فالحاصل على ممتاز في الاختبار أفضل من الحاصل على جيد او الحاصل على مقبول ولا يمكن القول بان الحاصل على الجيد هو الأفضل.
وأشار إلى انه غالبا ما يكون في الأمور المعنوية الوسط أفضل من الأطراف فلذلك فقهاؤنا لا يعدون الوسطية دليلا من أدلة الأحكام، لان الأدلة هي النصوص والأقيسة والقواعد الاخرى التي يذكرها العلماء في مجال الاستدلال.
وبين ان الوسطية تفيدنا في الموازنة عند الترجيح بين الآراء وعند الترجيح بين مناهج الاستدلال فما كان أقرب إلى الوسط فغالبا هو الذي يكون فيه الصواب.
اتهامات بالتطرف
وقال: في هذا العصر نشهد اتهامات دائما بالتطرف لمن يسير على السنة ويتمسك بالنص ويطبق الإسلام أو ينادي بتطبيق أحكام الإسلام حيث يوسم بانه متطرف حتى صارت كلمة متطرف كلما أطلقت يتبادر إلى الذهن الإنسان المتمسك بالسنة المقيم للعبادات المتمسك بالأحكام وهذا من سوء استعمال الوسطية.
وأضاف: بعض الناس يلجأ إلى هذا ليأخذ منحى وسطا فيأخذ شيئا من الإسلام وشيئا من التيارات الخارجة على الإسلام التي تنادي بها منظمات حقوق الإنسان والعلمانيون فيسلك مسلكا وسطا بين الإسلام وبين ذاك ويعد هذا دينا وسطا حتى تسمت أحزاب باسم الوسط وهي بعيدة عن الوسط المقصود في الإسلام.
ونوه بان التعريف الأمثل للوسطية هو أن المقصود بالوسطية اتباع شرع الله من غير إفراط ولا تفريط، لان اتباع شرع الله هو الأساس من غير إفراط ولا غلو ولا تقصير في اتباع الدين وزمن ثم ينبط مفهوم الوسطية المقصودة إلى حد كبير.