تجلس هميان في غرفتها وهي منغمسة في تأمل مجموعة من الرسومات التي أبدعتها من وحي خيالها. حرصت الطالبة بعدئذ على وضعها في ملف خاص أدخلته محفظتها، استعدادًا للمدرسة في اليوم التالي، وهي تفكر: «كم سيعجب الأستاذ جوناثان برسوماتي، سيقول لي - كما كل مرة - إنني موهوبة وإني سأصبح رسامة عالمية».
تدخل والدتها غرفتها لتعاين عالم ابنتها الخاص، فالرسم يأخذ هميان النعيمي، وهي طالبة في أكاديمية العوسج، إلى عالم آخر يتيح لها التعبير عن نفسها بطرق شتى وترجمة كل ما يختلج مشاعرها على الورق. وكعادتها، لا تتوانى والدتها عن بث المزيد من الحماسة في ابنتها، ووضع كامل الثقة في قدراتها وموهبتها.
في اليوم التالي، لم يُخف جميع زملاء هميان في أكاديمية العوسج، التي تنضوي تحت مظلة التعليم ما قبل الجامعي بمؤسسة قطر، إعجابهم برسومات هميان – فهم أيضًا لديهم مهاراتهم وعوالمهم الجميلة التي يستمدون منها القوة لمواجهة التحديات التي يعانون منها: فبعضهم يعاني من متلازمة داون، وآخرون لديهم صعوبات في السمع أو النطق أو التواصل. إنها تحديات يتعامل معها كذلك طاقم تعليمي وإداري في أكاديمية العوسج بكل احترافية، من خلال جعل هؤلاء الأطفال يستكشفون قدراتهم الكامنة ويعززون ثقتهم بأنفسهم.
إن العالم الذي يعيش فيه هؤلاء الأطفال في أكاديمية العوسج يشبه كثيرًا حالهم وهم في كنف أسرهم. فحيث يوجد الحب يوجد التمكين والثقة وإطلاق القدرات – وهو ما كان يلزم هؤلاء الطلاب كي ينطلقوا في رحلتهم نحو اثبات الذات وبناء عالم أحلامهم البريئة.
عندما سألنا لولوة الشافعي، 16 عامًا، عن صفات الأميرات، وكيف يمكن للفتاة أن تبدو كأميرة، ما كان جوابها إلا أن قالت: «أنا أميرة.. لأنني طيبة وجميلة، فأنا أحب الجميع وأعتني بأطفال شقيقتي، وأساعد أمي في إعداد الطعام، كما أنني أنجز كل واجباتي المدرسية. أنا فتاة ذكية ومحبوبة، لهذا أنا أميرة.»
لا تقل ثقة فاطمة القحطاني، طالبة في أكاديمية العوسج، عن زميلتيها، إذْ تقول لـ «العرب»:» كل أفراد اسرتي يقولون إنني جميلة، وأنا أعرف أنني كذلك، لأن الجميع يحبني سواء في البيت أو في المدرسة.»
وتابعت:» أنا قوية أيضًا لأن أمي علمتني معنى أن أكون فتاة حريصة على الاهتمام بنفسها، لذلك يجب أن أدافع عن نفسي في حال لو أساء إليّ أحد. لذا، فأمي لا تخاف علي من أي شيء لأنها تعرف أنني أمتلك شخصية قوية وباستطاعتي مواجهة العقبات التي تعترض طريقي».
من جانبه، قال جوناثان ويلدن، الذي يشرف على رسوم هميان التي تعرضها داخل الأكاديمية: ساعد الرسم هميان على تحسين قدراتها في النطق، حيث باتت أكثر رغبة في التعبير والتواصل. كما عزز ثقتها بنفسها ومهاراتها، وهي اليوم رسامة رائعة ومثابرة، أنا واثق من أن مستقبلها سيكون واعدًا».
وقالت هميان: «كان عمري 12 عامًا حين بدأت الرسم، لقد شجعتني أمي كثيرًا، وحين انضممت إلى أكاديمية العوسج، اكتسبت مهارات أكثر، ووجدت أن الرسم يجعلني سعيدة. أحب أن أرسم الوجوه والأشياء الجميلة من حولي».
البحر وأمواجه
لا تقترب لولوة من البحر كثيرًا لأنها تخشى أمواجه، لكنها لا تفوت الفرصة لكي تبني قصورا من الرمال على شاطئه. لديها قائمة من الأغاني المفضلة باللغة الانجليزية، ولديها قائمة بالأحلام التي تريد أن تحققها.
وقالت لولوة:» أحلم بأن أتخرج من أكاديمية العوسج، وأن أتابع دراستي في الجامعة لكي أصبح مديرة. كما أحلم بأن تكون لدي أسرة جميلة وأطفالًا أعتني بهم كل يوم».
هذا هو عالمهن، وهذه هي أحلامهن الصغيرة، التي ما كانت لتتجلى لنا لولا تلك الصورة الإيجابية التي شكلنها عن ذواتهن، ولولا تلك البيئة الداعمة لهن في البيت والمدرسة. فعندما آمن هؤلاء الطالبات بقدراتهن ونقاط قوتهن، تعزز لديهن الشعور بأنهن «أميرات» - لكن بخلاف الصورة النمطية حول الأميرات المتمثلة في امتلاكهن شعرًا طويلًا وثوبًا جميلًا وحذاءً فاخرًا، فهنّ أميرات لأنهن موهوبات ومحبوبات وماهرات في صنع الفرح، رغم التحديات.»